رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استراتيجية هادئة.. لماذا تتجنب الصين التصعيد فى البحر الأحمر؟

استهداف الحوثيين
استهداف الحوثيين السفن في البحر الأحمر

أكد تقرير أمريكي أن استجابة الصين للأزمة المستمرة في البحر الأحمر منذ أشهر كانت ضعيفة إلى حد كبير، رغم إعلانها منذ أيام عن توجيه أسطول بحري إلى المنطقة لحماية تجارتها على وقع استمرار الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في اليمن ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل، وكذلك السفن البريطانية والأمريكية.

وقالت الإذاعة الأمريكية "npr"، في تقرير لها، إنه إذا استمرت التجارة العالمية في المعاناة بسبب هجمات الحوثيين فقد تضطر الصين أخيرًا إلى القيام بدور أكبر في حل الأزمة.

وأشار التقرير إلى أنه منذ أشهر هاجم الحوثيون السفن التجارية في البحر الأحمر، ما يهدد سلاسل التوريد العالمية، ما أجبر السفن على تغيير مسارها ورفع التكاليف، فيما أكدت جماعة الحوثي في اليمن أنها تستهدف السفن التي لها صلات بإسرائيل ردًا على العدوان على قطاع غزة.

وشكلت الولايات المتحدة تحالفًا يضم أكثر من 20 دولة للمساعدة في تأمين البحر الأحمر، والذي اتخذ إجراءات شملت شن ضربات انتقامية ضد الحوثيين وإسقاط الطائرات دون طيار والصواريخ التابعة للحوثيين، لكن تغيب الصين بشكل ملحوظ عن التحالف، على الرغم من أنها تعتمد على الممر المائي لشحن البضائع إلى أوروبا.

لماذا لا تتدخل الصين فى البحر الأحمر؟

وقال إسحاق كاردون، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن البحر الأحمر جزء مما يسميه المحللون الصينيون شريان الحياة البحري، فهو مهم بشكل أساسي للنموذج الاقتصادي والسياسي الذي يتبعه القادة الصينيون.

وأضاف كاردون: "إنها لحظة حاسمة بالنسبة للصين التي تلعب دورًا كقوة عظمى في الشرق الأوسط، ومع ذلك، عندما تكون المنطقة في حالة اضطراب فإنهم سلبيون إلى حد كبير، فهم يجلسون يراقبون الولايات المتحدة وهي تقوم بهذه الحماية لحرية الملاحة التي تعتمد عليها الصين".

وعلى الرغم من أهمية البحر الأحمر الحيوية بالنسبة للصين، إلا أن استجابة بكين للأزمة المستمرة منذ أربعة أشهر، والتي تجتاح البحر الأحمر، كانت ضعيفة إلى حد كبير.. حسب "كاردون".

وأشار التقرير إلى أن الحكومة الصينية وضعت مسارها الخاص بشأن ما يجري، فهي تنأى بنفسها عن التصرفات الأمريكية في الشرق الأوسط، بل وترفض إدانة الحوثيين، بينما تتطلع إلى الاستفادة من العلاقات مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين للمساعدة في حل الأزمة.

وجود الصين فى الشرق الأوسط

من جهته، قال نيل توماس، زميل السياسة الصينية في مجموعة أبحاث جمعية آسيا، إن الصين تحاول تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط لسنوات عديدة، مشيرا إلى أنه في الأصل كانت علاقات بكين مع دول المنطقة مجرد علاقة مبنية على تجارة النفط، والآن توسعت لتشمل التعاون الدبلوماسي والتنسيق في الشئون الدولية، وعلاقات اقتصادية وتكنولوجية أعمق بكثير.

ووفق التقرير الأمريكي، تتمتع بكين ببعض النفوذ في المنطقة، وهي أكبر مشترٍ لصادرات النفط الخام من إيران، وحسب "رويترز"، فقد ضغطت الصين على المسئولين الإيرانيين للحد من أنشطة الحوثيين في البحر الأحمر، لكن تلك المحادثات يبدو أن تأثيرها محدود حتى الآن.

وقال توماس: "علينا أن نضع في اعتبارنا أن الصين وإيران قريبتان من بعضهما البعض، لكن إيران لديها أجندتها الخاصة، كما أن الحوثيين جهات فاعلة مستقلة ولها أيضًا أجنداتها الخاصة ولم تستمع دائمًا إلى الإيرانيين في الماضي".

ووفقًا لتوماس، فإن المشاكل الاقتصادية المحلية للصين هي أيضًا عامل يمنعها من التدخل عسكريًا، مشيرًا إلى أنه حتى الآن تم التركيز على الجانب الاقتصادي أكثر من التركيز على الجانب الأمني، لأن الجانب الاقتصادي هو قوة الصين.

الصين تتمسك بمبدأ عدم الانحياز تجاه أزمة البحر الأحمر

كما اعتبرت يو جي، وهى باحثة كبيرة في شئون الصين في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية مقره في لندن، أن استراتيجية بكين في الشرق الأوسط تتماشى مع نهجها تجاه الصراعات العالمية الأخرى، مضيفة: "هذا يعني عدم الانحياز مطلقًا إلى أي جانب.. وعدم التدخل في الشئون الداخلية لبلد آخر بعينه".

وأوضحت "يو جي" أنه لدى الصين مصلحة اقتصادية قوية للغاية في كبح جماح إيران، لكن من ناحية أخرى تتمسك بكين بمبدأ عدم التدخل الذي جعلها تتراجع بالفعل عن التدخل.

وأشارت "npr" إلى أن نهج عدم التدخل الذي تتبعه الصين دفع بعض المنتقدين إلى وصفها بأنها راكب مجاني، حيث تمر سفنها عبر البحر الأحمر تحت حماية التحالف الأمريكي، وحتى عندما بدأ الصراع ظلت هادئة.

وخلال مؤتمر صحفي في أواخر يناير الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، إن الصين "قلقة بشأن تصاعد التوتر في البحر الأحمر"، مشيرا إلى أن بكين تحافظ على "اتصالات وثيقة مع جميع الأطراف المعنية وتبذل جهودا إيجابية لتهدئة الوضع"، داعيا إلى وقف الهجمات والمضايقات ضد السفن المدنية، كما حث جميع الأطراف على التوقف عن تأجيج التوترات.

وأكد التقرير الأمريكي أن الصين لديها تاريخ من التعاون مع الدول الغربية في مهام مكافحة القرصنة في القرن الإفريقي من قاعدتها العسكرية في جيبوتي، أي على مسافة ليست بعيدة عن المكان الذي يستهدف فيه الحوثيون السفن.

ومع ذلك، يقول المحللون إنه إذا استمرت التجارة العالمية في المعاناة بسبب هجمات الحوثيين، فقد تضطر الصين أخيرًا إلى القيام بدور أكبر في حل الأزمة.