رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما وراء إرسال الصين الأسطول الجنوبى للبحر الأحمر.. الحيثيات والأبعاد

جريدة الدستور

أفادت وكالة الأنباء الصينية، في تقرير لها بتاريخ ٢٤ فبراير الجاري، بإبحار أسطول عسكري من ميناء في مدينة تشانجيانغ الساحلية بمقاطعة قوانغدونغ بجنوب الصين، لتولي مهمة مرافقة الأسطول البحري الـ٤٥ في خليج عدن والمياه الواقعة قبالة سواحل الصومال.

ووفقًا لوكالة الأنباء الصينية يتكون الأسطول الـ٤٦ من مدمرة الصواريخ الموجهة «جيا وتسوه» وفرقاطة الصواريخ «شيويتشانغ» وسفينة الإمداد الشامل «هونغهو»، كما يضم أكثر من ٧٠٠ ضابط وجندي، من بينهم عشرات من أفراد القوات الخاصة، إلى جانب وجود مروحيتين على متن الأسطول.

ويمكن قراءة إرسال الصين للأسطول الـ٤٦ لمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن في ضوء حالة التوتر الأمني التي يشهدها الممر الاستراتيجي الدولي، على خلفية التصعيد الحوثي، الذي يعد أحد إفرازات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمر الذي دفع إلى "عسكرة" التفاعلات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر.

وجاء هذا التحرك الصيني في اليوم التالي لتصريحات مهمة أدلى بها السفير الصيني لدى اليمن، شاو تشنغ، حيث أكد أن بلاده تأثرت بعمليات الحوثيين المتصاعدة في البحر الأحمر، مشددًا على ضرورة توقف تلك الهجمات ضد السفن التجارية، وأفاد شاو تشنغ، خلال مؤتمر صحفي عقده بالرياض، بأن "الصين تأثرت بما يحدث في البحر الأحمر، وارتفعت أسعار التأمين على النقل البحري والسفن، واضطرت بعض السفن الصينية للمرور عبر جنوب إفريقيا، ما يرفع التكاليف ويطيل المسافة والزمن لوصولها". 

وأكد أهمية تجنيب المنطقة والعالم تصاعد الوضع المتوتر في البحر الأحمر لما له من أهمية وتأثير على الصين ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، وحذر المسئول الصيني من أن استمرار الصراع في البحر الأحمر قد يخرج عن السيطرة، داعيًا كل الأطراف للحفاظ على الأمن المشترك للبحر الأحمر واحترام سيادة الدول المطلة عليه وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شئونها الداخلية.

هنالك تباين بين التفسير الصيني لما يحدث في البحر الأحمر من توترات أمنية، وبين التفسير الأمريكي، إذ تربط الصين ما يحدث في منطقة البحر الأحمر بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ففي ٣ يناير أكد قنج شوانج، نائب المندوب الدائم للصين في الأمم المتحدة، أن التوترات الحالية في البحر الأحمر أحد مظاهر امتداد آثار الصراع الدائر في غزة، كما أن الصين عبّرت ضمنيًا عن رفضها الهجمات الأمريكية البريطانية التي استهدفت مواقع حوثية في اليمن، لكن هذا الموقف الصيني لا يعكس الرضا عن ممارسات الحوثيين، حيث دعت الصين التنظيم إلى الالتزام بأحكام قرار مجلس الأمن والتوقف الفوري عن تعطيل السفن المدنية، واحترام حرية الملاحة لجميع الدول في البحر الأحمر.

يمكن من تحليل التعاطي الصيني مع التطورات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر القول إن الصين ترى أن نقطة الانطلاق لوقف الهجمات الحوثية تبدأ من قطاع غزة، بمعنى وقف إطلاق النار، لكن وعلى الرغم من ذلك يبدو أن الصين تسعى إلى ضمان مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر، عبر تعزيز الوجود العسكري الذي سيغلب عليه الطابع  "التأميني" لهذه المصالح، وفي هذا السياق لا يجب إغفال بعض الأرقام والحيثيات المهمة، فالصين صاحبة تجارة ضخمة وصلت في العام ۲۰۲۳ إلى ٥.٨٧ تريليون دولار بين صادرات وواردات، كما أن منطقة البحر الأحمر تعد ممرًا رئيسيًا في إطار مبادرة الحزام والطريق، يضاف إلى ذلك أن الصين تأتي على رأس الدول التي تحوز طلبيات لبناء السفن في العالم، كما أن بحارتها يتواجدون بكثافة على ظهر السفن التي تجوب البحار والمحيطات، وهي اعتبارات تعزز من حاجتها لتأمين هذه المصالح الحيوية عبر تعزيز الوجود العسكري في البحر الأحمر. 

وعلى الرغم من تجاهل الحوثيين استهداف ناقلات النفط المتجهة إلى آسيا، ومن شبه المؤكد أنهم سيتجنبون استهداف السفن الصينية لتجنب إحراج إيران أو التحريض على تحول جذري في موقف بكين من الأزمة، بيد أن المخاطر الأمنية المتزايدة في البحر الأحمر يمكن أن تؤدي إلى تعطيل طرق التجارة الحيوية بالنسبة إلى الصين، خاصة فيما يتعلق بتأخير وصول الشحنات، وارتفاع تكاليف الشحن نظرًا إلى توجه أغلب السفن التجارية نحو الإبحار عبر طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب هجمات الحوثيين، وهو اعتبار يدفع باتجاه تعزيز الوجود الأمني الدفاعي والتأميني" للصين في البحر الأحمر، بما يضمن تجنب هذا
السيناريو وتقليل آثاره.

حملت الأشهر الأخيرة في مرحلة ما بعد التصعيد في البحر الأحمر، والتي بدأت منذ ١٩ أكتوبر ۲۰۲۳ تاريخ بداية التصعيد الحوثي، توجهًا غربيًا قائمًا على "عسكرة" التفاعلات التي تتم في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة، وذلك من خلال مسارين رئيسيين، الأول هو تأسيس التحالفات الأمنية على غرار "حارس الازدهار" الذي دشنته واشنطن في ١٩ ديسمبر ۲۰۲۳، وتحالف "أبيدوس" الأوروبي الذي تم الإعلان عنه في ١٩ فبراير الجاري، والثاني هو البدء في تنفيذ ضربات استباقية ضد الحوثيين، وهو المسار الذي بدأ مع الهجمات الأمريكية البريطانية في ١٢ يناير الماضي، ويبدو أن هذه التحركات الغربية، خصوصًا ما يتعلق بالهياكل الأمنية الجديدة التي تم تأسيسها، استهدفت ما هو أبعد من التعامل مع التهديد الحوثي، بمعنى أنها تستهدف في أحد أبعادها تثبيت وتعزيز الوجود العسكري في البحر الأحمر، الأمر الذي يمثل أحد مصادر القلق بالنسبة للصين، إذ تنظر الصين إلى حالة "العسكرة" التي تطغى على تفاعلات البحر الأحمر على أنها تعزز من نفوذ الولايات المتحدة على حساب التمدد الناعم للصين المعتمد على الاستقرار والجوانب الاقتصادية، إضافة إلى ذلك تنظر الصين بقلق لأنها تعتقد أن الولايات المتحدة تسعى لتأجيج التوترات في البحر الأحمر بهدف محاصرة مبادرتها المعروفة باسم "الحزام والطريق"، التي تتخذ من البحر الأحمر نقطة التقاء الممر البري بطريق الحرير البحري، والتضييق على قاعدتها العسكرية الوحيدة في الخارج في جيبوتي. ويعزز من منطقية هذا التخوف الصيني احتمالية توجه الولايات المتحدة، بالتزامن مع استمرار التصعيد الحوثي، إلى توجيه هجوم عسكري كبير لإنهاء سيطرتهم على ميناء الحديدة، الأمر الذي ينذر بتفاقم الحرب في الإقليم، ما سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على مصالح الصين الاستراتيجية.