رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف شكلت قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية ضربة قوية؟

محكمة العدل الدولية
محكمة العدل الدولية

خلال الأيام القليلة الماضية، رفعت جنوب إفريقيا قضيتها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، متهمة الحكومة الإسرائيلية بارتكاب إبادة جماعية في هجومها الذي استمر أكثر من 100 يوم على قطاع غزة، وخلف أكثر من 24 ألف شهيدًا في القطاع الساحلي.

طرح المحامون في جنوب إفريقيا الأسس التي يتهمون إسرائيل على أساسها بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، في حين قدم الفريق القانوني الإسرائيلي حججه المضادة.

اعتمدت قضية جنوب افريقيا في الأساس، على أن الهجوم الإسرائيلي "يهدف إلى تدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من القومية الفلسطينية الأوسع والمجموعة العرقية والإثنية". وقد نفت دولة الاحتلال الإسرائيلي بدورها ذلك، معتبرة أنها تمارس حقها الأساسي في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي.

واعتمدت الجمعية العامة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية في 9 ديسمبر 1948، وكانت هذه أول معاهدة لحقوق الإنسان ترد على الفظائع المنهجية التي ارتكبها النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية.

وكان اليهودي البولندي، رافائيل ليمكين، هو أول من صاغ مصطلح "الإبادة الجماعية"؛ حيث كان ليمكين محاميًا فر إلى الولايات المتحدة عام 1939 بعد غزو ألمانيا لبلاده، وقد جمع بين كلمتين: الكلمة اليونانية genos (العرق أو القبيلة) والكلمة اللاتينية cide من  caedere، وتعني (القتل).

في هذا الإطار، ذكرت صحيفة "ديكان هيرالد" الهندية، أن  المادة 2 من اتفاقية عام 1948، تنص على أن السمة الرئيسية للجريمة النهائية ضد الإنسانية ذات شقين، الأول: ضحايا الإبادة الجماعية هم دائمًا "أهداف سلبية"، وقد تم تمييزهم بسبب انتمائهم إلى مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية وليس بسبب أي شيء فعلوه. بينما الشق الثاني: ترسي الجريمة أيضًا "قصدًا محددًا" لتدمير تلك المجموعة كليًا أو جزئيًا.

 

وأوضحت الصحيفة في تقرير لها بعنوان: " كيف تتشكل قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل"، أن العلاقة بين الحكمين هي العمود الفقري للاتفاقية؛ إذ يضع الحدود القانونية التي تميز الإبادة الجماعية عن الجرائم الأخرى ضد الإنسانية. وفي حين أن ارتفاع أعداد القتلى غالبًا ما يجلب الإدانة الدولية، كفئة قانونية، فإن الإبادة الجماعية لا تتوقف على عدد الضحايا المدنيين الذين قد ينجمون عن الاستخدام غير المتناسب للقوة العسكرية من قبل دولة ما.

دلائل جنوب افريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية

ورأت الصحيفة أن المحامون في جنوب إفريقيا، بذلوا جهودًا كبيرة لإثبات نية الإبادة الجماعية، من خلال الاستشهاد ببعض التصريحات الأكثر إثارة للأعضاء اليمينيين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، من بينها الآتي:

  • إدعاء وزير التراث الإسرائيلي، أميخاي إلياهو، في نوفمبر 2023، بأنه لا يوجد شيء اسمه غير المقاتلين في غزة وأن إسقاط سلاح نووي هناك هو الخيار الأنسب.
  • تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، بإن الحصار الكامل على مدينة غزة – منع وصول المياه أو الغذاء أو الغاز أو الإمدادات الطبية إلى المدنيين – كان تكتيكًا مشروعًا للحرب.
  • تصريح الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوج، بإن الجميع في غزة كانوا متواطئين في الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل حيث قال: "إن الأمة بأكملها هي المسؤولة".
  • تلميحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإشاراته المتكررة، إلى تاريخ الكتاب المقدس عندما استشهد بإشارات إلى وصية الله لإسرائيل بالتعامل بقسوة مع أحد أعدائها "لمحو ذكر عماليق من تحت السماء".

واعتبرت "ديكان هيرالد"، أن الفريق القانوني الإسرائيلي قدم أمام قضاة محكمة العدل الدولية، "دحضًا قويًا" لاتهامات جنوب إفريقيا، مشيرة إلى أنهم أكدوا أيضًا أن حملة قوات الدفاع الإسرائيلية في غزة كان لها ما يبررها بالحق غير القابل للتصرف في الدفاع عن النفس. 

كما أشارت إلى أنهم اقترحوا أن حماس هي التي عرضت حياة الفلسطينيين للخطر بشكل خبيث من خلال حماية جناحها العسكري داخل المناطق السكنية أثناء شن هجمات من المدارس والمساجد والمستشفيات ومنشآت الأمم المتحدة

أهمية مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية

ورأت أنه "مهما كانت القرارات النهائية للمحكمة، فإن الاتهام الموجه ضد إسرائيل يشكل نقطة تحول تاريخية ذات تداعيات رمزية عميقة".

وأضافت الصحيفة: "لقد سعى الفلسطينيون تقليديًا إلى الحصول على الشرعية والاعتراف من خلال محاولة تضمين تطلعاتهم وحقوقهم الوطنية في قاموس القانون الدولي. والآن ربما يشعرون ببعض التنفيس عندما يرون الممثلين الإسرائيليين مضطرين، للمرة الأولى، إلى الدفاع عن سلوك بلادهم في الحرب أمام لجنة من قضاة الأمم المتحدة".

وتابعت: "في إطار النفسية الجماعية لإسرائيل، تمثل الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية انقلابًا مقلقًا للتاريخ"؛ حيث تم الآن استدعاء جريمة الإبادة الجماعية ضد إسرائيل - الدولة التي تأسست في نفس العام الذي تم فيه إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة وبنفس منطقها: حماية الشعب اليهودي من الاضطهاد والدمار في المستقبل.

ونوهت الصحيفة الهندية في ختام التقرير، بأنه "بدون نية مثبتة، قد يكون طلب جنوب أفريقيا، كما أصر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، عديم الجدوى من وجهة نظر قانونية، لكن هذا التراجع وحده قد يحتفظ بما يكفي من النفوذ الرمزي لتوجيه ضربة حاسمة لمكانة إسرائيل الدولية".