رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الناقد يسرى عبدالله: نحتاج مبادرة ثقافية على غرار «حياة كريمة» وتفعيل دور المسارح والفرق الفنية فى مختلف المحافظات 2

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز ويسرى عبدالله

- مصر بحاجة لمشروع ثقافى وطنى الملامح ومنفتح على الدوائر المحيطة

- مصر درة التلاقى الثقافى فى المنطقة وعليها تحويل استراتيجيتها لخريطة عمل قابلة للتطبيق

- 25 يناير تحولت لنكبة و30 يونيو كانت ثورة على الذين قدموا أنفسهم كـ«وصفاء للإله»

- الثقافة فرت من المعركة طوال 10 سنوات والمؤسسات الثقافية تسيطر عليها الشللية وتفتقد الرؤية العميقة

طالب يسرى عبدالله، أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة حلوان، وزارة الثقافة بأن تعمل على تقديم قيمة مضافة للجمهورية الجديدة، وألا تهرب من المعركة مع القوى الظلامية، كما فعلت طوال السنوات العشر الماضية، فى الوقت الذى استطاعت فيه الدولة المصرية وقواتها المسلحة أن تواجه العصابات المتطرفة والجماعات الإرهابية.

وأوضح «عبدالله»، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على فضائية «إكسترا نيوز»، أن مصر بحاجة إلى مشروع ثقافى وطنى الملامح والهوية، ومنفتح على الدوائر الجيوثقافية المحيطة، إلى جانب مبادرة ثقافية على غرار مبادرة «حياة كريمة»، مع تفعيل دور المسارح والفرق الفنية بجميع المحافظات، مشيرًا إلى أن الإعلام الرقمى لا يستطيع أن يحل محل البنية الثقافية التقليدية التى اعتادت عليها الشعوب، لأن التطور التكنولوجى لا يواكب حجم التأثير الذى يمكن أن يحدث على المسارح وفى الميادين.

■ يُقال إن ثورة ٣٠ يونيو كانت طوق النجاة للمصريين.. فما صحة هذه العبارة؟

- رأيت فى عهد جماعة الإخوان حرق الكنائس وتدميرها عمدًا، وبعد ثورة ٢٥ يناير وجدنا مواطنين خرجوا علينا من الكهوف يريدون حكم مصر، ونحن كنا نعيش مأساة حقيقية.

وحقيقى أن ثورة ٣٠ يونيو كانت طوق نجاة للمصريين، للتخلص من هذا الجحيم الذى جاء ليحكم مصر بعد ثورة ٢٥ يناير، ويمكن القول إن حكم الإخوان أثر سلبًا وبصورة كبيرة على القطاع الثقافى فى مصر.

■ بمَ تفسر ظهور بعض عناصر الإخوان الإرهابية عقب ٢٠١١ فى وزارة الثقافة؟

- للأسف، خلال تلك الفترة حدث اختراق لوزارة الثقافة من قِبل جماعة الإخوان الإرهابية، وهذه الاختراقات ما زالت موجودة حتى الآن، ولكنها تتعمد إبطاء الحركة، وهو تكتيك جماعة الإخوان المعروف.

وفى أكثر من مشهد سياسى، رأينا بعض الأفكار الإخوانية تريد الظهور مرة أخرى، لذا فإن الجماعة تنتظر التوقيت المناسب من أجل الظهور والتحكم مرة أخرى. 

■ ما تفاصيل مقالك «المثقف وفقدان البوصلة».. الذى كتبته لانتقاد التحالفات الغربية التى ظهرت فى محاولة لإجهاد الدولة؟

- كتبت مقالًا بعنوان «المثقف وفقدان البوصلة»، وهو يقوم على فكرة أنه من اللحظات العبثية فى العالم أن تجد المثقف اليسارى جنبًا إلى جنب مع الإخوانى، وأن يكون الطرفان فى خندق واحد، وهذا المبدأ مسموم وعبثى، وشعاره ضد الدولة دائمًا ومع السلفيين أحيانًا.

■ الملف الثقافى يشكل نقطة محورية فى المعركة التى تخوضها مصر لمواجهة الأفكار المتطرفة.. فكيف ترى هذا؟

- الغايات الثقافية ليست ناضجة على الإطلاق، فلا يوجد فعل حقيقى على أرض الواقع، فى ظل تعدد مراكز الثقافة، لكن المركز الثقافى المصرى سيظل مركزًا ثقافيًا لإنتاج المعرفة فى العالم العربى بأكمله، والدولة المصرية واعية بقدر كبير بالدوائر الجيوثقافية التى تنطلق من المحيط العربى، والإفريقى، والإسلامى، والناقد المصرى كان دائمًا فى صدارة الكتاب على المستوى العربى، ويجب إدراك أن مصر حالة من حالات التلاقى الثقافى، ووزارة الثقافة عليها أن تسعى جاهدة إلى تفعيل القوى الناعمة المصرية، خاصة فى ظل تعدد مراكز إنتاج الثقافة.

■ من وجهة نظرك.. كيف يمكن أن تعود مصر لممارسة دورها المركزى الثقافى فى المنطقة؟

- حتى تعود مصر لممارسة دورها المركزى الثقافى فى المنطقة يجب تحويل الاستراتيجيات الثقافية لخريطة عمل، وأن تكون هذه الاستراتيجيات قابلة للتطبيق، ويمكن القول إن مصر درة التلاقى الثقافى فى المنطقة العربية بالكامل.

فمصر بحاجة إلى مشروع ثقافى مصرى، وأن يكون وطنى الملامح والهوية، وأن يكون منفتحًا على الدوائر الجيوثقافية المحيطة بنا، وأن تكون لهذا المشروع أيقونة وعلامة بارزة، وقد تكون الأيقونة تتحدث عن الوعى أو المواطنة أو غيرهما من المفاهيم الثقافية الأساسية. 

■ يقول بعض المثقفين إن مصر لديها قصور مادى فى المجال الثقافى.. فما رأيك فى هذا؟

- لا، مصر ليس لديها أى قصور مادى بالنسبة للمجال الثقافى، ومن يتحدث عن ذلك لا يريد أن يقوم بمهامه، مصر تمتلك عددًا كبيرًا من مكتبات هيئة الكتاب، ودور النشر، وقصور الثقافة، والمسارح الثقافية، والأوبرا، لذا فمصر ليست لديها مشاكل فى البنية المادية الثقافية.

■ ما رأيك فى المبادرات الرئاسية التى نفذتها الدولة المصرية؟ وهل نحتاج إلى أفكار أخرى؟

- المبادرات الرئاسية جزء من الأسس التى أقامتها الجمهورية الجديدة، مثل مبادرات قطاع الصحة ومبادرة «حياة كريمة»، التى أسهمت كثيرًا فى حل العديد من المشكلات التى تؤرق المجتمع المصرى.

وفكرة المبادرات جاءت بسبب أن السياق العام لا يسمح بالإصلاح، لذا تعمل الدولة على إصلاح أمر معين أولًا ثم التفرع إلى أشياء أخرى، لأنه من غير الطبيعى إصلاح قطاع الصحة بأكمله فى مهمة واحدة، كما أن المجتمع المصرى يحتاج حاليًا إلى مبادرة رئاسية فى قطاع الثقافة على غرار مبادرة «حياة كريمة» والمبادرات الصحية. 

ومشروع «حياة كريمة» خرج من الدولة المصرية، بالرغم من أنه لم يخرج من وزارة الثقافة أولًا، ولكن المشروع له دور كبير فى العملية الثقافية التوعوية فى المناطق الريفية والصعيد، لذا على وزارة الثقافة إطلاق مثل هذه المبادرات من أجل تعزيز العامل الثقافى لدى المواطنين، وأريد أن يتضح جهد وزارة الثقافة فى الدولة أكثر من ذلك. 

■ هل هناك أفكار ظلامية فى المجتمع؟ وكيف يمكن مواجهتها؟

- بالفعل هناك اختراق ناعم يتم فى الآونة الحالية للمجتمع المصرى، من قِبل جماعات إرهابية ومتطرفة، ويجب أن يتوفر مشروع فكرى جامع، ولا بد من أن يكون ضمن أحد المرتكزات التى تعزز الدولة المصرية وجودها، فهذه الجماعات ليس عمرها ٨٠ أو ٩٠ عامًا، بل تمتد وتعتمد على بعض الأفكار التراثية المستقرة منذ مئات السنين، وبالتالى تجب مواجهة هذه الأفكار الظلامية من خلال تقديم مشروع بديل.

ويجب أن يعتمد هذا المشروع على بعض المحاور الرئيسية، مثل المحور التعليمى والمعرفى والثقافى والإعلامى، كما يجب الانتباه جيدًا إلى فكرة التنوير والقائم بالتنوير، أو التدريس والقائم بالتدريس، وهذا يشير إلى مَنْ سيحمل هذه الرسالة؟، كما يجب اختيار الكفاءات فى السياق الثقافى والمعرفى تحديدًا، والتأكيد أيضًا على فكرة الانتماء الذى لا يخالطه أى شك فيما يتصل بتطلعات الجمهورية الجديدة، مع الإيمان العميق للأشخاص الذين يعملون فى هذه الدوائر المعرفية والثقافية.

كما يجب أن تكون هذه الإدارة تقنية بشكل كامل، ومهمتها تشمل تعزيز طاقة الخيال والعقل النقدى، الذى يعمل على التأمل والتفكير لمواجهة التكفير.

■ كيف ترى الثقافة على مستوى المؤسسات الثقافية وعلاقتها بوضعية العقل المصرى؟ 

- لا بد أن نستعيد فى البداية تعريف الثقافة نفسها، فهى فى كتاب «فكرة الثقافة»، للكاتب تيرى إيجلتون، وصفها بأنها الوسيلة التى تجعلنا نسعى لأن نصل لما هو أفضل بحياتنا، أو ما يجعل الحياة تستحق أن تُعاش، وهذا مثالى.

فالثقافة وسيلة من وسائل توكيد الذات، ومن هنا نضع أيدينا على ملامح العقل النقدى، ومثال على ذلك حديث الكاتب الكبير طه حسين وكلامه شديد الأهمية فى تعريف الثقافة، لأنه حقق الربط المدهش بين فكرتى التعليم والثقافة، لأن الثقافة مرتبطة بالتعليم، فلا تعليم بدون ثقافة ولا ثقافة بدون تعليم، ففكرة الثقافة بسيطة ولكنها مركبة.

وقديمًا كانت اللقاءات بين رئيس الجمهورية ووزراء الثقافة متباعدة، وتأتى على فترات طويلة جدًا، واستمر الأمر لعقود من الزمن، ولكن بعد ذلك رأينا اللقاء الذى عقده الرئيس عبدالفتاح السيسى مع وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم، وأكد خلاله الدور المركزى الذى تلعبه الثقافة والوعى لما يمكن أن تقدمه.

■ من وجهة نظرك.. ما الذى نفتقده فى دور المجلس الأعلى للثقافة خلال الفترة الحالية؟

- أرى أن دور المجلس الأعلى للثقافة هو محاولة الخروج من الدوائر الضيقة التى تحول المؤسسات الثقافية لمجموعة من الجيتوهات التى تسيطر عليها الشللية ومجموعات مصالح، تسيطر على الأداء الرسمى الثقافى أو جانب منه، ويتسم فى جانب منه بالروتين اليومى وافتقاد الرؤية الثقافية العميقة.

فالمجلس الأعلى للثقافة دوره هو صناعة للخيال الثقافى، وتوجد به لجان بها مئات الأسماء، والفكرة أنه هو العقل الحى للثقافة، وهو من يرسم الاستراتيجيات وهو من يصوغها، ويجب أن يقدم نظريات قابلة للتطبيق وليست مجرد إنشاء، وهذا ما نفتقده.

■ كيف ترى دور وزارة الثقافة خلال السنوات الماضية؟

- وزارة الثقافة ملك للشعب المصرى، لذا لا بد أن تقدم القيمة المضافة للجمهورية الجديدة، وفى السنوات العشر الأخيرة، أى منذ عام ٢٠١٣، استطاعت الدولة المصرية وقواتها المسلحة أن تواجه العصابات المتمثلة فى المتطرفين والجماعات، وأتساءل: لماذا فرت الثقافة من المعركة؟. 

فالوزارة كان وجودها باهتًا ولم يكن مؤثرًا وقت الإخوان، وكان يوجد مثقفون شجعان وقفوا وواجهوا وكانوا فى القلب، ومواطنون لم يفقدوا البوصلة طوال الوقت، ولكن كان هناك نوع من فقدان البوصلة لدى البعض، والدولة المصرية هى من وجهت البوصلة ووضعت خطًا أحمر وأعادت الأمور لنصابها. 

■ اعتدنا دائمًا على أن يكون المثقف ضد الدولة بشكل أو بآخر.. فهل يجب أن يكون الإنسان مناهضًا للدولة كى يكون مثقفًا؟

- هناك فقدان للبوصلة لدى البعض، كما قلت، إذ يعتقدون أن المثقف يجب أن يهاجم السلطة، وهذه فكرة مراهقة وصبيانية ولا تليق بمثقفين، فمصر شهدت خيانات ومآسى من بعض المثقفين فى السنوات العشر الماضية، وهذا ما حدث فى سنة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، فهناك من ارتموا فى أحضانها ودافعوا عنها ودججوا الكتب من أجلها.

ولكن كانت هناك كتلة صعبة وأناس قدموا أنفسهم، وآخرون صمتوا تمامًا فى انتظار معرفة من سيربح، وثورة ٣٠ يونيو كانت ثقافية بامتياز، وهى ثورة على هذا التفكير الراكد، وثورة على الذين قدموا أنفسهم على أنهم «وصفاء للإله» وكانت ٣٠ يونيو ثورة حقيقية على هذا الإرث المستمر.

والمفروض أن المثقف يمتلك عقلًا نقديًا، ولا جدال فى ذلك، لكنه ليس عقلًا هدامًا أو فوضويًا أو أناركيًا، وخير مثال على ذلك ما قاله المفكر إدوارد سعيد بأن المثقف يجب أن يكون أعلى تمثيلات الحقيقة، «فلتتخيل أن هؤلاء الذين من المفترض أن يقدموا أنفسهم كنخبة تقود الوعى العام يمتدحون الغزاة، ففى مرة كتبت فى مديح الغزاة! وقلت من أنتم؟ ماذا تفعلون؟ هل أنتم مثقفون وتدافعون عن هذه الأرض؟ هل تمثلون الجماهير والشعب؟».

■ فى رأيك.. هل يمكن أن يحل الإعلام الرقمى محل البنية الثقافية التقليدية؟

- مصر دولة بها الكثير من الهويات الفرعية المتداخلة، ويجب على وزارة الثقافة إدراك ذلك، مع محاولة نقل التراث حتى لا يختفى، فأنا أرى أن الإعلام الرقمى لا يستطيع أن يحل أو يواكب البنية الثقافية التقليدية التى اعتادت عليها الشعوب، وذلك لأن التطور التكنولوجى لن يستطيع أن يواكب حجم التأثير الذى يحدث على المسارح وفى الميادين.

■ بخلاف الإعلام الرقمى ما الخطوات التى يمكن أن تُعلى من شأن الثقافة فى مصر؟

- بجانب الإعلام الرقمى، يجب على الدولة أن تعيد تفعيل دور المسارح الشعبية وفرق الفنون الشعبية فى مختلف المحافظات، وأن يكون هناك انتشار أكثر من ذلك، خاصة فى المحافظات النائية والبعيدة، حتى نكون أمام جميع المواطنين من بحرى إلى قبلى وفى خط الصعيد بأكمله.

■ هل وصفت ثورة 25 يناير بأنها كانت نكبة؟ 

- ثورة ٢٥ يناير تم اختطافها وما انتهت إليه كان مختلفًا عن بدايتها، أى أنها تحولت لـ«نكبة»، والإخوان كانوا فصيلًا جاء ليهلك الحرث والنسل، و«جمعة الغضب» لم أفزع منها فقط ولكن ينتابنى حزن كبير، كلما تذكرتها، لأنى أخشى من هذه اللحظة.

والجماعات المتطرفة والإسلامية تكون لديها دائمًا مواقف تجاه المثقفين الذين يدافعون عن التنوير، وقد رأينا حرق الكنائس وأناسًا قادمين من الكهوف يريدون حكم البلاد، لكن ثورة ٣٠ يونيو كانت ثورة الخلاص من جحيم الجماعة الإرهابية.