المعركة الأزلية.. كيف أنصف النقاد عامية مسلسل "الحشاشين"؟
عادة ما تثار مشكلة اللغة ما بين الفصحى والعامية في التناول الأدبي والفني، ما بين مؤيد ومعارض، فهناك من يؤيد الكتابة بالفصحى وأن تكون لغة الأعمال الفنية بالفصحى إذا كانت تناقش حقبا تاريخية مختلفة، وهناك من يؤيد العامية على اعتبار أنها لغة الشارع والأقرب للفهم خاصة وأن العمل الأدبي والفني يعتبران أن اللغة وسيلة توصيل لأكبر كم ممكن من الجمهور ليس المصري فقط وإنما العربي في عصر التكنولوجيا والانفتاح على العالم.
معايير استخدام اللغة فى العمل الفنى
في الأعمال الفنية يمكن أن تجعل كل شخصية تتكلم لغتها الخاصة ويمكن أن تجعل كل الشخصيات يتكلمون لغة واحدة تكون أقرب للجميع وأسرع للفهم، ولكن إن كانت الأعمال غير توثيقية وإنما درامية تاريخية فتكون العامية هي الأقرب كما أوضح الدكتور أحمد لاشين أستاذ اللغة والأدب الفارسي بجامعة عين شمس في تصريحات صحفية.
يقول لاشين إن العمل درامي تاريخي وليس وثائقيا، يحمل العديد من التفاصيل الهامة عن جماعة عاشت في إيران، بجانب أن اللهجة المصرية هي الأقرب والأسرع فهمًا وانتشارًا في العالم العربي، كما أكد أن هذا العمل سيعمل على نقل الدراما التاريخية المصرية لمكانة كبيرة، موضحًا أن مؤلف العمل عبد الرحيم كمال استخدم لغة عامية راقية داخل السياق الدرامي وليست مبتذلة، وشبهها بكتابات صلاح جاهين ونجيب محفوظ.
ويتفق معه في هذا الإطار الناقد محمود عبد الشكور، يقول على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتامعي “فيس بوك”:" الاختيار في رأيي ليس فقط لتوحيد اللغات واللهجات في الحكاية، أو لإيجاد معادل باللغة العربية لشخصية ليست عربية، ولكنها بالأساس محاولة واضحة لتبسيط اللغة، وتوصيل العمل "تحديدا وأولا" للجمهور المصري، وعبر لهجة شائعة يفهمها الجمهور العربي ثانيا.
إذا فالمعيار الأساسي هنا والذي اتكأ عليه عبد الرحيم كمال هو محاولة توصيل العمل لأكبر قدر من الجمهور العربي عبر لهجة هى الأقرب للجميع.
هل هذه هى أول مرة تستخدم العامية فى المسلسلات الدرامية التاريخية؟
لم يكن عبد الرحيم كمال هو من ابتدع التناول بالعامية في المسلسلات التاريخية، فقد فعلها يسري الجندي في علي الزيبق وسبقه قبل هذا المخرج العبقري نور الدمرداش في مسلسل "على باب زويلة، يقول محمود عبد الشكور:" على باب زويلة عرض في السبعينيات من القرن العشرين، وحقق المسلسل وقتها نجاحا هائلا ومكتسحا، وكان من أبرز أسباب النجاح اختيار العامية البسيطة في الحوار، مع أن المسلسل مقتبس عن رواية مكتوبة بالفصحى لمحمد سعيد العريان، ولكنهم أسندوا كتابة السيناريو والحوار لمذيع شهير هو صبري سلامة، والذي اشتهر ببرنامج إذاعي بالعامية المصرية بعنوان "ع الماشي"، يقدمه في المحطة "الرسمية الأولى" وهي البرنامج العام، ولم يكن الهدف وقتها محاربة الفصحى، ولكن تقديم طريقة "مختلفة" للتعامل مع حوار الدراما التاريخية، طريقة مختلفة وليست جديدة، لأن العامية المصرية تم استخدامها في فيلم "وا إسلاماه"، والتي أصبحت جمله الحوارية على لسان حسين رياض تحديدا من أشهر الجمل الحوارية في تاريخ السينما المصرية".
تناول عبد الرحيم كمال
يشير محمود عبد الشكور إلى نقطة مهمة جدا في تناول عبد الرحيم كمال، كما يرد في مسلسل الحشاشين، وهي أنه في مقدمة كل حلقة يأتي صوت ليشرح رؤى أخرى على طريقة الحواديت وكان ياما كان، وبالتالي فإن الأمر هنا ليس مطابقة للشخوص التي عاشت هذه الحقبة بقدر ما هو شرح الشخوص نفسها وإحالتها للعصر الحالي:" تقديم قصة الحشاشين على طريقة الحواديت، وبأبسط لغة وسيلة، وظهور الإمام الغزالي مثلا وهو يشرح بالعامية أنواع المنضمين إلى الباطنيين، وإعادة سرد أحداث كل حلقة بطريقة حميمة وأكثر تبسيطا حتى مما رأينا، كل هذا يجعل الاختيار الفني واضحا ومناسبا للغاية.
يضاف إلى ذلك فكرة هامة أؤكد عليها هي أننا في الحقيقة أمام مسلسل معاصر تماما في أفكاره، لأنه لا يناقش أفكارا ميتة زالت واندثرت، مثل التكفير واحتكار الحقيقة وممارسة الإرهاب باسم الدين، ولكنه يناقش ما عشناه، وما نراه، وما قد تعيشه في المستقبل، لا أتحدث عن تنظيم بعينه، ولكن عن الأفكار التي تصنع الإرهاب عموما.
