رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في أسبوع الغفران.. ما العلاقه بين الصلاة الربانيّة ومغفرة الخطايا؟

الصلاة الربانيّة
الصلاة الربانيّة

تحتفل كنيسة الروم الأرثوذكس، اليوم الاثنين، بحلول مناسبة أحد الغفران (مرفع الجبن).

وعلى خلفية الاحتفالات، أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو،مطران طنطا والغربية للروم الارثوذكس،ومتحدث الكنيسة في مصر، ووكيلها للشؤون العربية في تصريح له عن العلاقه بين الصلاة الربانيّة ومغفرة الخطايا  أنه بعد مقولة "خبزنا الجوهري أعطينا اليوم"، يقال مباشرة: "واترك لنا ما علينا (فى قراءة أخرى "اغفر لنا ذنوبنا")"، ثم نقول: "كما نترك نحن لمَن لنا عليه (فى قراءة أخرى "كما نغفر نحن للمذنبين إلينا")".

وبقولنا لله "واترك لنا ما علينا"؛ إن "ما علينا" هي الخطايا التي ارتكبناها تجاهه له المجد بمخالفة وصاياه. وبقولنا "كما نترك نحن لمَن لنا عليه"، نحن نعده له المجد أنه كما بمغفرته لنا نحن أيضًا نغفر من القلب لمَن أخطأ إلينا. وهذه الخطايا هي التي طلبنا من الله المغفرة عنها في سر الاعتراف المقدس.

بهذا فإن مغفرة الله لما علينا تجاهه له المجد ليست عطية مجانية بل هي عطية مشروطة بمغفرتنا نحن أيضًا لما على الآخرين تجاهنا، وهذا الشرط نحن نضعه على أنفسنا أمام الله كلما صلينا الصلاة الربانية. لذلك يجب علينا أن ننتبه ألا نعطي وعودًا كاذبة لله، لأنه في مثل هذه الحالة نحن نخاطر بأنفسنا.

إن مغفرة الله لخطايانا بمغفرتنا نحن لمن أخطأ إلينا هي ليست عملاً إستاتيكيًا (غير متحرك)، بمعنى أنه بمجرد أن نغفر لمن أخطأ إلينا لمرة سوف ننال المغفرة طوال العمر؛ بل هي عملاً دينامكيًا (متحرك)، بمعنى أن علينا أن نغفر لمن أخطأ إلينا في كل مرة يخطئ فيها إلينا. ذلك كما قال يسوع عندما سأله بطرس: "يا رب، كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له هل إلى سبع مرات. قال له يسوع لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات". ذلك كما أن الله كلما أخطأنا تجاهه وعدنا إليه تائبين يغفر لنا خطايانا ويقبلنا بفرح.

كما أن المغفرة للآخرين هي التجربة الكبرى، وهي من الشرير الذي يزرع فينا الكبرياء، مصدر كل الشرور، التي بها نبرر كل خطايانا وعدم مغفرتنا للآخرين. وهذه التجربة الكبرى (المغفرة للآخرين) وما يزرعه فينا الشرير (الكبرياء) هما اللذان نطلب من الله في الصلاة الربانية أن يجنبنا إياهما، بقولنا: "ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير"؛ بمعنى أن يُعين ضعفنا على أن نحقق وعدنا له بالمغفرة لمن أخطأ إلينا لأن بدونه له المجد لا نسطيع أن نفعل شيء كقول يسوع لتلاميذه: "لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا). كما أن يُعيننا على تجارب الشرير التي لا يمكننا أن نتحملها، وأن ولا يتركه يتسط علينا. لأن الله لا يُعَرِّض أو يُجبر الإنسان على الخطيئة.

أما الشرير فهو الشيطان أصل كل الشرور الذي قبل سقوطه كان ملاك يُسمى بالعربية "يوسيفوروس" لكن بعد سقوطه بسبب تكبره على الله سقط من رتبته ومجده وصار ملاك الظلام وسُميّ بـ"الشَّيْطَان".

كما أن في العهد الجديد يقول يسوع لتلاميذه عن سقوط الشرير: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء". إن سقوط هذا الملاك بسبب تكبره على الله يوضح أن الشر لا كيان له وليس له جوهر، أي ليس مصدرة الله؛ لأن مخلصنا الله كما يقول بولس الرسول: "يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" وهذه هي مشيئته الله. فالشر لا يوجد إلا بإرادة الإنسان الحرة في ميوله وأعماله بمعزل عن "مشيئة الله الكاملة"، ولهذا لسبب اختبر الله إرادة الإنسانَيْن الأولَيْن آدم وحواء عبر شجرة الحياة، وشجرة معرفة الخير والشر. "مشيئة الله الكاملة" هي التي نطلبها في صلاتنا للصلاة الربانية بالقول: "أبنا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض".

تقديس اسم الله ، الذي هو المقدس، يكون بنا نحن المسيحيون بمغفرتنا بعضنا لبعض. وكذلك يكون بين الأمم بأن يشع بنا نور المسيح، كما يقول يسوع نفسه: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات". أعمالنا الحسنة هي: حياتنا النقية وأعمالنا الصالحة وأقوالنا الصادقة، وهذه يكون منطلقها كلها فكر المسيح.

أما إتيان ملكوت الله على الأرض فيتحقق في الإنسان المسيحي، كما يقول يسوع: "ها ملكوت الله داخلكم" وذلك بأن يحيد عن الشر، يقنتى فضيلة العفة والنقاوة، يصبر بتواضع على الضيقات، ويستمر في تنقية نفسه بتوبته كلما سقط في خطيئة أو تهاون بأفعاله المرضية لله.