رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعرف على الفارق بين الرمز والسر في كنيسة الروم الأرثوذكس

الأنبا نيقولا انطونيو
الأنبا نيقولا انطونيو

أطلق الأنبا نيقولا انطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، متحدث الكنيسة الرسمي في مصر، ووكيلها للشؤون العربية نشرة تعريفية حملت شعار "المفهوم الأصيل لـ"الرمز" ولـ"السر" في التقليد الأرثوذكسي"

وقال خلالها إن الرمز في مفهوم الكنيسة والتقليد الأرثوذكسي، هو أن الرمز يشرح حقيقة ما يحدث، وليس إنه يرمز مجازًا إلى ما يحدث. فمعنى "الرمز" في خبرة الكنيسة والتقليد الأرثوذكسيَيْن لم يكن رديفًا لـ"التصوير". إذ يمكن ألا يكون هناك أي شبه، من أي نوع كان، بين الرمز وما يرمز إليه. إن وظيفة "الرمز" الأساسية لا تكمن في التصوير (ما يُفترض ضمنًا غياب ما يُصور)، بل وعلى نقيض ذلك تمامًا، في أنها ترمي أولاً وأخيرًا إلى كشف ما يُرمز إليه وإشراك المؤمنين في هذا الكشف. من هنا، يمكن البعض أن يقول إن ما بين الرمز والحقيقة التي يُرمز إليها هو تواصل أكثر منه تشابه. وهذه المقاربة للرمز تجعلنا ندرك عمق الهوة السحيق بين القديم والحديث.

أوضح إن الرمز أنه على نقيض الإستعارة والعلامة. و"السر" يجمع حقيقتين، الأولى: الحقيقة التي تستند إلى إختبار، أو الحقيقة "المنظورة". والثانية: الحقيقة الروحانية، أو "غير المنظورة". وهذا الجمع لا يتم بطريقة منطقية (هذا معناه كذا)، ولا بطريقة التماثل (هذا يماثل لذلك)، ولا وفق علاقة سببية (هذا سببه كذا)، بل إستعلانيًا . كل حقيقة تكشف حقيقة أخرى لكن (وهذا هو المهم) فقط بقدر ما يكون الرمز نفسه تعبيرًا عن الحقيقة الروحانية وتجسيدًا لها.

واردف انه بتعبير آخر، في "الرمز" الكل يعلن الحقيقة الروحية، وكل شيء فيها ضروري لإعلانها. لكن ما يُكشف ويتجسد ليس كل الحقيقة الروحانية. فـ"الرمز" يبقى جزئيًا مبتورًا دومًا، "لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ"، كما يجمع حقائق لا تقاس، إذ تبقى كل واحدة منها بالنسبة للأخرى "حقيقة أخرى كلية". مهما كان الرمز حقيقيًا، ومهما اتحد والحقيقة الروحانية، فوظيفته ليست إرواء عطشنا بل زيادته، "أَعْطِنا أن نتحد بك حقيقة في اليوم الذي لا يعروه مساء... " (الأنافورا). الهدف من الرمز أن يقدم لنا رؤية ومعرفة تكونان بمثابة عطش وشوق إلى المسيرة الروحية الكاملة.

واكمل: وإذا كان القداس الإلهي ذو طابع رمزي، فلأن القداس الإلهي تكوَّن وإتخذ هيكليته في بادئ الأمر بصفته رمزًا للملكوت والكنيسة في صعودها إلى السماء، مكملة نفسها في هذا الصعود كجسد للمسيح وكهيكل للروح القدس. كل جديد القداس الإلهي وطابعه الفريد يكمنان بالضبط في طبيعته الأخروية "التي تنتظر المجيء الثاني" والتي تكشف ما سيحصل، فهو إتحاد الملكوت بـ"الدهر الآتي". غير أن رمز الملكوت بامتياز [والرمز الذي كمّل كل الرموز، ورمز يوم الرب والفصح والمعمودية وكل الحياة المسيحية "المستمرة مع المسيح في الله" هو سر الشكر (الإفخارستيا)، السر الذي من أجله أتي المسيح القائم من بين الأموات وسر لقائه والشركة معه "إلى مائدته وفي ملكوته"، السر الذي نتناول منه جسد المسيح ودمه الحقيقيَيْن الإلهيَيْن.

واختتم: لقد حُجِّم "الرمز" من مفهوم يشرح حقيقة ما يحدث، إلى مفهوم يرمز مجازًا إلى ما يحدث، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الانحطاط الذي نال المفهوم الأصيل للرمز في الوجدان المسيحي. منذ نشؤ الكنيسة، والإيمان المسيحي يعترف جهارًا ويتمسك بحقيقة إستحالة الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه الحقيقيَيْن الإلهيَيْن. وعليه، فإن أي "خِلطة" بين هذه الحقيقة وأي لون من ألوان "الطابع الرمزي" كانت تعتبر تهديدًا لـ"الحدث الحقيقي والفعلي" في سر الشكر (الإفخارستيا)، أي تهديدًا للحضرة الحقيقية للجسد والدم الإلهيَيْن على المائدة.