رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثراء المعرفى لتأمين الاندماج الوطنى

لعله من الحكمة والقراءة الواقعية أن أعلن كمواطن مصري عن أهمية التعامل بحكمة وروية وطنية وإنسانية مصرية مع حدث إعلان تشكيل مؤسسة "تكوين"، وإرجاء أن يتحسس البعض مسدسه للنزول إلى حومة الوغى للنزال الطائفي، وأحلم وأتمنى أن أسمع خبر إرجاء أو توقف عمل ذلك المشروع مهما حسنت النوايا.

وأسأل أهل ذلك المشروع: ألم يلاحظوا رد فعل الشارع الذي ما زال يعاني تبعات شرور أهل التعصب والكراهية في الفترة الأخيرة؟!

المطلوب فقط الإرجاء لتأمين حال القاعدة العريضة التي ما تخلصت من أوزار وتبعات وجود جماعة عاشت بيننا بأعداد وإمكانات مرعبة على مدى قرن من الزمان تبث رسائلها المتشددة ضد الوطنية والإنسانية والهوية والجمال والمحبة والرحمة والتواد بمدد خارجي وداخلي من قبل جماعات أهل الشر في كل الدنيا.

لا شك أن التعصب بات يمثل المادة الأولية لصناعة فتن الصراعات الدينية والمذهبية، والمطلوب التعامل الفكري والعلمي والقانوني مع رموز كتائب التعصب البغيض.

ومعلوم أن التطرف في تعريفه يتمثل في الشَّطط في فهم مذهبٍ أو معتقدٍ أو فلسفةٍ أو فكرٍ، والغلو في التعصب لِذلك الفهم، وتحويله إلى حاكم لِسلوك الفرد أو الجماعة الَّتِي تتصف به، والاندفاع إلى محاولة فرض هذا الفهم والتوجه على الآخر بكل الوسائل ومنها الْعُنْف والإكراه.

في زمن الحكم الإخواني البغيض، تطوع القيادي الإخواني البارز صبحي صالح بالقول بحماس المنتمي الإخواني "أسأل الله أن يتوفاني على الإخوان"، وبالطبع هي في أصل المقولة التي اقتبس منها مقولته "اللهم أمتنا على الإسلام".

ولمن نسى من هو ذلك المحامي الطائفي المتعصب، هو عضو لجنة "البشري" الشهيرة لوضع التعديلات الدستورية عقب الأحداث الينايرية (بداية صعود المنحدر الإخواني وفق تعريف "مرسي" العجيب)، وبداية إعلان النوايا السودة من أول يوم في عامهم القاتم البغيض، وبالطبع هي في أصل المقولة "اللهم أمتنا على نعمة الإسلام"، وبسرعة قام إخواني آخر فهلوي بإخراج المحامي السياسي الإخواني من المأزق، فقال "مع تحفظي على طريقة قوله ذلك، ليس المقصود منها إن الإخوان ديانة والعياذ بالله، ولكن الإخوان وسيلة لنصرة هذا الدين وهو يرى في الجماعة السبيل الأمثل لتحقيق تلك النصرة، فدعا الله أن يعمل لدينه حتى آخر لحظة في حياته".

ذكرتني تلك الحكاية الإخوانية بمقولة "فولتير" في زمن الإصلاح، وهو المفكر الفرنسى المرموق (1694- 1778)، التي كتبها كوصية له وهو في أيامه الأخيرة "إن فولتير يموت على عبادة الله وكراهية الكهان" ردًا على تدخل ووصاية المؤسسة الدينية التي أعلن رفض تدخلها السياسي في زمانه، ولأن "فولتير" كانت من قضاياه الرئيسية المطالبة بحرية التعبير والتسامح الديني، فقد خاض معارك هائلة مع السلطة المتمثلة في الكنيسة، وكان لفكره وفكر أقرانه من المفكرين والمصلحين الأثر والدور المهم لتحريك وتفعيل الثورة الفرنسية.

معلوم أن شخصيّة المتعصّب نراها مصابة بهوس العظمة مع شعور بالاضطهاد أيضًا، وهو على قدر كبير من الذُهان الهذياني والمازوشيّة، هذه الملامح كلّها صفات من شأنها أن تفسّر مواقف جماعات التعصب.. هم يرون أن غيرهم يعيشون في الخطأ وهم يشكلّون بالنسبة إليهم تهديدًا لاستمراريّة نظرتهم الخاصّة إلى العالم لذلك يتوقّف المتعصّب عن التساؤل والشكّ ليحتفظ بحقيقة واحدة تتطابق مع قناعته، وهذا ما يجعله يخشى أن يتناقش مع الآخر ويركز تفكيره على فكرة، أو قيمة واحدة، أو تراث ماضوي.

ويؤكد أساتذة علم الاجتماع على وصف "التعصّب" أنه قد يكون بسبب الانتماء الزائد والجنوني إلى جماعة، أو دين، أو عقيدة، ويشكّل "المتعصّبون" فرقًا متشددة فيما يقولون ويطرحون، وتربطهم بعضهم ببعض خيوط "عصبيّة" تُنظم وتيسر وتضمن عمليات الإحساس والحركة بينهم كما العصب في الجسم، وهذا "التعصّب" يجعل المتعصّب يعيش  في عزلة وغربة وانكفاء على الذات، ويبقى لذلك حماسه للعقيدة أو الفكرة حد البعد ومجافاة الآخر.

أذكر، عندما اتهم اللورد كرومر هذه الأمة بالتعصب الديني وعداوة الأجانب، جمع الشيخ  "علي يوسف" رئيس تحرير جريدة "المؤيد" نماذج الآراء التي تدفع هذه التهمة عن كل صاحب صفة ترشحه لإبداء الرأي فيها.

فقال الخواجة ميماراكي اليوناني: "أشهد أنني ما شعرت قط في معاملاتي مع المصريين بأنني أعامل أناسًا يخالفونني في العقيدة".

وقال الفرنسي وكيل مصرف الكريدي ليونيه الفرنسي: "إننا لا نشعر بهذا التعصب الذي اتهمت به الأمة المصرية، اللهم إلا إذا كان التعصب موجودًا في غير الدائرة التي إليها معاملاتنا".
وقال شكور باشا الإداري اللبناني: "إنني أفضل أن أمشي وحدي ليلًا في جهات السيدة زينب والنحاسين، على أن أمشي وحدي ليلًا في جهات مونمارتر بضواحي باريس".

وقال إسكندر عمون المحامي: "إن المصري أكثر إكرامًا للغريب من سائر الشعوب".

وقال باسيلي تادرس باشا: "لا صحة لما يقال من وجود التعصب الديني أو الجنسي في مصر".

وحين سأل الشيخ كلًّا من السيد عمر مكرم والشيخ محمد بخيت من رجال الدين الإسلامي لم ينس أن يسأل رجلًا ينكر الأديان جميعًا، وهو الدكتور شبلي شميل الذي قال: "إن التعصب غير موجود في مصر على الإطلاق".