رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صورة طه حسين

فشل نجوم العرض الهزلى «التكوينى» فى إقناع الجمهور بعرضهم المشموم، وتأكد الجميع من أن الضمير الثقافى بخير، وأنه من الصعب على أشخاص استولوا على مساحات من الفضاء العام بوضع اليد ودعم الغرب وحلفائه فى المنطقة أن ينجحوا فى فرض وجهة نظر معيبة، تهدد وجدان المصريين الذين تربوا على أيدى كبار فعلًا وقولًا، التكوينيون الجدد اعتبروا أنفسهم- لا تعرف لماذا- دعاة تقدم وحداثة، وأنهم سيأخذون بأيدى الشعب الغارق فى الظلام والخرافات إلى النور؟ لم يتحدث أحدهم عن القضية الفلسطينية التى تحتاج إلى من يقف إلى جوارها فى هذا التوقيت، لم يتحدث أحدهم عن حاجة الناس إلى الأمل والسلام والطمأنينة والعدالة الاجتماعية، هم ليسوا رجال دين ولا رجال فكر ولا يحزنون، لقد سمحت لهم الفراغات التى صنعها نظام مبارك فى اللعب فى رأس الناس، كل واحد له كفيل معلوم يقف فى ظهره، لكى يقنع الذين لا ظهر لهم غير ذكرياتهم أنهم فى خطر، لا أريد أن أتحدث عن نجوم العرض الخفيف الآن، الذين من الممكن الكتابة عنهم أثناء الحديث عن نجوم مسرح مصر، والإنسان التكوينى له مواصفات وسمات وأزياء ولكنة وطريقة كلام تختلف عن الإنسان العادى، وبالتالى لا يمكن الحديث عنه إلا باستطلاع آراء خبراء الاقتصاد والزراعة والصناعة والطب النفسى والطرق والكبارى وتنمية الصادرات، الإنسان التكوينى معقد للغاية على عكس ما يبدو عليه، يفتش فى مخلفات الماضى عن المقولات الصدئة والشاذة؛ لكى يبدو مختلفًا عن الذين ينهلون من أنهار العلماء الحقيقيين الذين لم يشتغلوا بالتجارة، الإنسان التكوينى يلعب فى أكثر من منطقة، فى الأدب «التكوينى الهادف» والسينما والتليفزيون والفتوى والعقارات، ومع هذا يأتى أحدهم ويرى نفسه أهم من طه حسين، فيخشى حتى كارهو العميد على مستقبل البلد، وسط الجدل المقصود تزامنه مع إبادة الشعب الفلسطينى، يستعيد الناس ذكرياتهم مع الكبار ليشعروا بالتوازن النفسى، بعد أن استولى صغار القامة والقيمة على البطولة فى عرض هزلى لا يهدف للربح؛ لأن المنتج يبحث عن جائزة، سنة ١٩٩٥ أجرى الزميل إبراهيم عبدالعزيز حوارًا مع الأستاذ نجيب محفوظ فى مجلة الإذاعة والتليفزيون تحدث فيه عن طه حسين، أعرف المحاور منذ ما يقرب من أربعين عامًا، وهو أحد رهبان الصحافة الثقافية فى مصر، ويذكرنى دائمًا بالأستاذ فؤاد دوارة، لأنه اقترب من الكبار وحاورهم وأخرج منهم خبراتهم بسلاسة وعذوبة، لم يبحث عن معارك ولا خلافات، فقط أراد أن يتعلم القارئ من تجاربهم فى الحياة والأدب، تحدث صاحب الحرافيش عن بداية معرفته بأدب صاحب الفتنة الكبرى قائلًا: «الأيام» قرأتها وأنا لا أزال أتمرن على الكتابة، ولعلى كتبت فى أوائل المرحلة الثانوية، فحاولت تقليدها فى كراسة أو كشكول وأسميتها «الأعوام» على نفس الوزن، محاولًا أن أقلد نفس الأسلوب والطريقة، وأحكى فيها عن نشأتى كما حكى طه حسين عن نشأته، وقد ارتبط طه حسين الأديب فى أذهاننا بالحرية والبحث العقلى الموضوعى، هذا من ناحية الفكر، أما من ناحية الأدب فرواياته المعروفة أعطانا فيها نماذج الرواية كلها تقريبًا، من رواية السيرة الذاتية فى «الأيام»، إلى الرواية الموضوعية كما فى «دعاء الكروان»، إلى رواية الأجيال كما فى رواية «شجرة البؤس»، فأعطانا كل الألوان الروائية تقريبًا التى كانت فى عهده، حتى إن رواية «الأجيال» مثلًا أثرت فىّ تأثيرًا كبيرًا ظل ينمو حتى كتبت الثلاثية، أما عن طه حسين الأستاذ فقد كان عميدًا عندما دخلت كلية الآداب، وراح يربينا تربية جامعية عظيمة، ولذلك كان ينبه على الأساتذة ألا يسمحوا لنا بأن نكتب المحاضرات، ولا يجوز لنا أن نقيد فى أوراقنا لا اسم مرجع أو سؤالًا نريد أن نسأله، أما أن أقيد ما يقوله الأستاذ وأحفظه فهذا ما كان يرفضه طه حسين، وكان يقول لنا اكتبوا المحاضرات مما استوعبته عقولكم، ولديكم المراجع فى مكتبة الجامعة، فكانت تربيته الجامعية لنا تربية عالية جدًا، ولذلك اعتبرنا قرار إخراجه من الجامعة كارثة، ونظمنا إضرابًا فى كلية الآداب شاركتنا فيه بقية الكليات والمدارس العليا.

ويكمل: «حسين» شخصية كبيرة متعددة الجوانب تجد فيها الوزير المصلح، والمفكر الثائر، والأديب المتنوع الممتع، وله أسلوب- كما تعلم- خاص به مميز، ولم تعرف «العربية» على أيامنا أساليب مميزة بمثل هذه القوة سوى أسلوب طه حسين والمنفلوطى.