رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى النكبة القديمة!

اليوم، الأربعاء، تحل الذكرى السادسة والسبعون لنكبة سنة ١٩٤٨. مع أن هناك من يرون أن النكبة الفلسطينية بدأت سنة ١٨٨١، مع بدء الاستعمار اليهودى لأرض فلسطين، إلا أن اختيار سنة ١٩٤٨، صار محل إجماع، بشكل غير رسمى، منذ سنة ١٩٤٩، ثم اكتسب طابعًا رسميًا حين قرر ياسر عرفات، سنة ١٩٨٨، أن يحيى الفلسطينيون الذكرى السنوية الخمسين للنكبة، فى ١٥ مايو، يوم انتهاء الانتداب البريطانى على فلسطين، واليوم التالى لإعلان ديفيد بن جوريون عن قيام دولة يهودية، اسمها دولة إسرائيل.

فى مثل هذا اليوم، بدأت أولى الحروب العربية الإسرائيلية، «حرب ١٩٤٨»، المعروفة أيضًا باسم «حرب النكبة»، التى انتهت بالتوقيع على اتفاقيات الهدنة الأربع، بين ٢٤ فبراير و٢٠ يوليو ١٩٤٩، مع وضع خط الهدنة فى الخرائط باللون الأخضر، بناء على الواقع الأخير، وليس بناءً على قرار تقسيم فلسطين، الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧، وبالتالى بات حوالى ٧٨٪ من مساحة فلسطين التاريخية، تحت سيطرة «إسرائيل»، التى جرى الاعتراف بها دوليًا، وافق مجلس الأمن، فى ٧ مارس، ثم الجمعية العامة فى ١١ مايو التالى، على منحها العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.

لو تجاهلنا النكبة الأقدم، نكبة ١٨٨١، ستكون النكبة القديمة، هى تلك التى أجبرت، خلالها، العصابات الصهيونية المسلحة، ما يتراوح بين ٧٥٠ ألفًا و٨٠٠ ألف فلسطينى على ترك منازلهم ومدنهم وقراهم إلى قطاع غزة والضفة الغربية ودول الجوار. وعليه، ولأن أرقام الأمم المتحدة تقول إن عدد النازحين الفلسطينيين منذ ٧ أكتوبر الماضى، إلى الآن، تجاوز مليونًا ونصف المليون نسمة، نكون أمام نكبة جديدة.

وصف ما تشهده الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ ٧ أكتوبر الماضى بأنه نكبة جديدة، أطلقه آفى ديختر، وزير الزراعة الإسرائيلى، فى ١١ نوفمبر الماضى. وتصادف أن يؤكد الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فى اليوم نفسه، أن الفلسطينيين لن يقبلوا بتكرار نكبة ١٩٤٨ أو نزوح سنة ١٩٦٧، محذرًا من عواقب تهجير أبناء الشعب الفلسطينى إلى خارج قطاع غزة أو الضفة الغربية أو القدس.

فى تصريحات للقناة «١٢» الإسرائيلية، قال «ديختر»، المنتمى لحزب «الليكود»، وعضو المجلس الوزارى المصغر للشئون الأمنية والسياسية، الكابينت، الذى كان يرأس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى، الشاباك: «ستكون نكبة غزة ٢٠٢٣.. هكذا سينتهى الأمر». أما تأكيد وتحذير الرئيس الفلسطينى فجاءا خلال كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الرئيس الفلسطينى السابق ياسر عرفات، قال فيها إن ما يحدث فى مدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها والقدس، لا يقل فظاعة عما يحدث فى غزة من قتل واعتداءات على الأرض والبشر والمقدسات، على أيدى قوات الاحتلال والمستوطنين الإرهابيين.

تهجير الفلسطينيين مسألة متأصلة فى الأيديولوجية الصهيونية، التى استهدفت تغيير تركيبة فلسطين الديموغرافية. وليس هذا كلامنا، بل ننقله من كتاب «مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين»، الذى أكد فيه المؤرخ الإسرائيلى بينى موريس، Benny Morris، أن ٨٤٪ من الفلسطينيين فروا من بيوتهم خلال حرب النكبة، بسبب المجازر التى ارتكبتها العصابات الإسرائيلية. وأشار إلى أن سلطات الاحتلال قامت، قبل وقف إطلاق النار فى يناير ١٩٤٩، بإغلاق حدودها، ومنعت الفلسطينيين من العودة.

مع ذلك، ومع أن «دائرة الإحصاءات المركزية الإسرائيلية» أعلنت، منذ أيام، عن تضاعف سكان إسرائيل ١٢ مرة منذ سنة ١٩٤٨، فاجأنا «جهاز الإحصاء الفلسطينى»، الأحد الماضى، بتأكيده أن «٥.٥٥ مليون من الفلسطينيين يقيمون فـى دولة فلسطين، ونحو ١.٧٥ مليون فلسطينى فى أراضى ١٩٤٨»، موضحًا أن «عدد الفلسطينيين فى فلسطين التاريخية بلغ نحو ٧.٣ مليون فلسطينى، فى حين قُدِّر عدد اليهود نحو ٧.٢ مليون مع نهاية سنة ٢٠٢٣، ما يعنى أن عدد الفلسطينيين يزيد على عدد اليهود».

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصطلح النكبة أطلقه، أو استخدمه المؤرخ السورى قسطنطين زريق، عنوانًا لكتابه، «معنى النكبة» الصادر سنة ١٩٤٨، الذى وصف فيه هزيمة العرب فى فلسطين بأنها «نكبة بكامل معنى الكلمة وإحدى أصعب النكبات التى أَلَمَّت بالعرب خلال تاريخهم الطويل».