رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صاحب مفتاح الجنة حكاية نعيشها فى كل مكان وزمان

التاريخ ملىء بالروايات والأباطيل بمختلف تصنيفها، المجتمعي والسياسي، المألوف والعجيب، وكل حكاية لها أبطالها، وأسانيدها، وأفكارها، وتسلسلها، والغاية والدروس المستفادة منها، كما لها دراويشها، ولها أيضا الكافرون بها، والمعرضون عنها.

 ومن بين تلك الروايات في العهود السالفة، رواية تجمع بين كل المتناقضات التي تؤدى لطريق واحد في النهاية وهو الضلال.

 رواية دمجت الحلم بالوهم، والدهاء بالخبث، والشراسة بالخسة، والغاية بالنزيف، والتأثير بالتنويم.

 حكاية لرجل يدعى "حسن الصباح" مؤسس الحشاشين التنظيم الدموي الذي روى جزءا من تاريخه مع إضافات أدبية، ودرامية من المؤلف في رمضان الماضي عبر عمل تليفزيوني حمل نفس اسم المجموعة.

 ولضخامة العمل، وكثرة تفاصيله، وارتباطه بتفسيرات لأحداث مشابهة في الفكر والسياق، كان العمل من أكثر الأعمال مشاهدة، ونقدا، وتداولا في الحكم لأ، والتصنيف.

 

ولكن دعونا نستثمر هذا الرسم المحكم في الكتابة للشخصية في ربط ومزج آخر أحداث وعلاقات اجتماعية نعيشها كل يوم في مواقف وسياقات مختلفة، نجد فيها كثيرًا من أفعال الصباح وطباعه، وأفكاره، وأساليبه بقصد أو بفطرة، وهوية شخصية بحتة، ومع كل تصرف نعطي لهم كل المبررات حتى تيأس الأرواح، وتكفر بكل الحلول الممكنة.

 وربما الجميل في الرسم الدرامي للشخصية أنه رسم العقد، ونسج الحل أيضا، وترك لنا تجربة ثمينة نتعلم منها لكل "صباح" نقابله في الطريق.

 وفي كل طريق سنجد "الصباح" في كل مدع لأي مفتاح من مفاتيح الرغبة كالحلم، والعلم، والحقيقة، والنجاة، التغيير والثراء ورضا الله… إلخ إلخ

 وسنجده في كل منتفع، وكل مستغل، وكل من ليس له عهد، ولا عزيز، ولا قيمة لأي حب أو جهد أو تنازل، في كل قاتل معنوي بتبريرات تبدو منطقية.

 

وسنجده في راع لأسرة متسلط بتعاليمه وأفكاره وأناني في تحميل غيره ضريبة أحلام لم يستطع هو تحقيقها، رافض للحوار لا يسمع سوى نفسه ويكره كل رفض أو رافض.

 وفي كل زوج لا يعرف عن المسئولية والحقوق سوي ما ينفعه، وينسج من كل تقصير رواية معكوسة للآخر.

 في كل رب عمل أو صاحب قرار يروي عمله بألاعيب نفسية وأوهام لاستغلال الدوافع والطاقات وخلق الفتن والتنافس غير الشريف لمصلحته، والإساءة والتقليل وتحميلهم كل خطأ ونسب كل فضل له ولبركاته ليخفي وراء ذلك افتقار أمور عديدة بمسميات قيادية ما أنزل الله بها من سلطان.

 وفي كل صديق لا يأمن علي سر، ولا حديث، ولا طبع، ولا ذلة، ولا نقص، ولا عهد، ولا حلم، ولا فضل.

 سنجده في كل طفل وابن وأخ مدلل يظن أن جميع من حوله خلقوا لخدمته، وراحته، وللعطاء له وحده.

الصباح موجود في كل فكرة ضالة تستند لحق، في كل تأليه لانتماء، في كل توحيد باسم الله الواحد بتحريف وادعاء، في كل غاية بررت الوسيلة، وفي كل تلاعب بالقيم والمداخل والأجواء، وفي كل تاريخ مزيف عن شخص أو مجموعة نسجله بأنفسهم لأنفسهم، وفي كل زهد وفناء وراءه شهوة ورغبة لا تنتهي.

 

الصباح وأمثاله يحبون التقديس والعبادة لهم فقط وإن ظهروا كالزهاد، وإن خاطبتهم وجادلتهم أخذتهم العزة بالإثم، لن تجد لهم يوما حقا أو قضية أو مطلبا أو فكرة أو إساءة تجعلهم يتصرفون كهذا وإنما هم أناس تمحوروا حول ذاتهم، واعتبروا كل اختلاف خلافا يستحق منهم الإنكار، والتشويه واللوم والإلقاء بك من فوق القلعة.

 إنهم كفرعون حين آمن السحار لرب موسى، فابتدع لهم مصير الموت لأنهم لم ينتظروا إذنه بالإيمان فالكذب والتضليل هما المهارات التي تجعلهم يقنعون من حولهم بأحقية قرارهم..

 ولهذا لا تظن أبدا أن إظهارك لفهم ألاعيبهم وأكاذيبهم، وعدم الامتثال لها أو التأثر بها نجاة، أو حتى الرحيل عنهم والبعد عن عالمهم وهجر أوطانهم نجاة، أو الاستكمال والامتثال لهم وهم يعلمون أنك علي قدر من الفهم والتقييم للحقيقة وألاعيبهم الضالة، أو حتى مواجهتهم بقلب فارس مغوار لا يخشى في الحق لومة لائم، أو حتى مجابهتهم بالحجة والمنطق والدليل فجميع من سبقوا نسجوا في صورة "زيد بن سيحون" و"دنيا زاد" و"ألينار" و"ويحيي بن المؤذن" و"نظام الملك" و"الإمام الغزالي" إلخ.

لم ينج منه إلا من اتبع قاعدة النجاة مع هؤلاء حاصرهم بشباكهم التي لا يستطيعون إنكارها والذى أنكروا ذاته وكتبوا معتقداتهم بأيديهم، وهدموا عروشهم فوق رءوسهم، فلا حل معهم إلا أن تبيع لهم بضاعتهم الواهية، وتكون ماهرا في فنونهم وألعابهم، فالحل الآمن على مدار التاريخ هو الجزاء من جنس العمل والدواء من نفس الداء وإن كان لك يوم "الصباح" فكن له أبد الدهر "برزك أميد" علامة لا ينساها ولو بعد حين.