رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الوطنية» قيمة تُعليها الشعوب


جاء فى مجلة «المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى الوطن العربى» التى تصدرها نخبة من الدارسين والباحثين بمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية فى تقريرها عن هموم الأقليات نُشرت تحت عنوان «البابا بين المعارضة الدينية والسياسية» بعددها الصادر فى ديسمبر 1993 «إن الكنيسة المصرية كنيسة شامخة الوطنية لم تُرس حدود العقيدة فقط...

... بل هى أيضاً قلعة للديمقراطية والاستنارة، حيث لم يتوقف الصراع الديمقراطى، ولم يهدأ منذ تأسيسها وحتى الآن، وأن هناك من البطاركة من انضم للعلمانيين مثل البابا مكاريوس الثالث، ومنهم من اختطف ونفى كالبابا يوساب الثانى، وأن الصراع الديمقراطى لم يتوقف أيضاً حتى حين حدد السادات إقامة البابا شنودة الثالث وشكل لجنة خماسية لتحل محله، فقد صفق المجلس الملىالعام للأقباط الأرثوذكس تأييداً لهذا الإجراء، فضلاً عن التصفيق الهائل فى البرلمان أنئذ».

وبمناسبة الحديث عن رجال الدين وخطابهم الحالى، وفى حلقة من برنامج «صح النوم» سألنى مقدمه الكاتب الصحفى والسيناريست محمد الغيطى « بمناسة سيامة المطران الجديد لأورشليم، ألا تعد زيارة قداسة البابا تواضروس الثانى إلى القدس لوناً من الاتجاه للتطبيع ومخالفة لقرار ظل قداسة البابا شنودة الثالث مصراً على الإبقاء على متابعته وتكرار التذكير به على مدى عمر حبريته؟».

بداية، أود الإشارة إلى أن كنيستنا المصرية هناك وكنائس القدس ستقع فى منطقة عربية فلسطينية، وأن قداسته رفض زيارة الرئيس الفلسطينى فى «رام الله» ليؤكد أنها ليست بالزيارة، وإنما هى قضاء دور وطقس روحى وجب أداؤه دون خيارات مطروحة أو بدائل للخروج من المأزق المعروف تداعياته مسبقاً، وفى هذا الصدد أعلن أبو مازن أن زيارة السجين لا تعنى تطبيعاً معالسجان !!

ثانياً، أى تطبيع يمكن ممارسته من جانب المواطن الزائر لمدة محددة بهدف محدد وهو التبرك والتعايش مع أحداث 3 سنوات هى التى قال عنها السيد المسيح إنه جال فيها يعمل خيراً، وبشروط رذيلة فرضها الكيان الصهيونى أهمها أن يكون عمر الزائر قد تجاوز 50 سنة!!

ثالثاً، التطبيع بمعناه السياسى هو المشاركة مع العدو فى فعاليات مشتركة ثقافية أو شعبية أو اقتصادية، وهو ما لم يحدث إلا تلك التى فرضها نظام مبارك وهى قائمة للأسف حتى الآن عبر اتفاقية الكويز والاستعانة بخبراء العدو فى الزراعة «على آخر الزمن يحتاج أقدم فلاح فى تاريخ حضارات العالم لخبرة إسرائيلية!!».. المشكلة يا سادة فى زيارة قداسة البابا تكمن فى إصرار إدارة الكنيسة، وعبر عناد رهبانى عتيد، وعلى مدى نصف قرن فى حدوتة تمثيلها سياسياً واجتماعياً وروحياً وكل حاجه للمواطن المسيحى، فهى تمثله فى وضع الدستور وفى اختيار مرشحيه للمجالس .. إلخ، وعليه بات كل تحرك للبطريرك هو تحرك لكل أقباط مصر وفق نظرية خاصة باتت معلومة بالضرورة «أنا الأقباط، والأقباط أنا» حتى بعد قيام ثورة 25 يناير التى رفض فيها شبابنا الرائع هذه النظرية وخرج من أسوار الكنيسة ليمارس السياسة فى مناخها ووسطها الطبيعى ودون وصاية أو تمثيل كنسى دينى ..

لقد كان قرار البابا شنودة الثالث ومن بعده بطريركنا الحالى بمنع الأقباط من زيارة القدس وفرض العقوبات، هو قرار من لا يملك إصداره كأب روحى وفقط حتى لو كان القرار وطنياً، فوطنية الكنيسة لايزايد عليها أحد عبر تاريخها العتيد، و «الوطنية» تصنعها و تقرضها الشعوب وليس رجال الدين!!

ويذكرنا فى هذا الصدد الأب العظيم الراحل «إبراهيم عبد السيد» أن هناك حقيقة مهمة غابت عن أذهان الكثيرين، وهى أنه ليس فى المعارضة تقليل من محبة الابن لأبيه، بل العكس هو الصحيح تماماً، فمتى زادت هذه المحبة، زادت غيرته عليه وزاد تماسكه ببقاء صورة أبيه الحسنة أمام جميع ناظريه، ومن ثم زادت معارضته له ولممارساته الخاطئة حتى يعدل عنها خوفاً عليه من أن يفقد محبة غيره أو احترامه له،وما يعتمل فى صدور الرعية من كبت وضغوط أفقدت العظات المكررة مصداقيتها وتهاوت العديد من القيم وصار حتمياً الوقوف مع النفس للتقييم والتقويم قبل إطلاق الشعارات أو ترديد العظات .. لماذا يضايقهم طرح الأمور الكنسية فى الإعلام ويستبعدون جدوى أى حوار لعدم اتفاقه مع المبادئ المسيحية ويطالبون بالحفاظ على سرية خصوصيات الكنيسة داخل الإطار الأسرى وهو الأمر البالغ الصعوبة فى دنيا الانفتاح الإعلامى والثقافى والتنويرى، وفى دولة المؤسسات التى من بينها كنيستنا العتيدة؟!