رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عتاب الرئيس


عندما يتحدث الرئيس السيسى، فأنت أمام رجل موسوعى المعرفة، مُلم بكل تفاصيل المشاريع التى يقوم بإنشائها وافتتاحها، ويظهر ذلك من خلال المناقشات التى تتم على الهواء مباشرة بين الرئيس والوزير أو المسئول عن المشروع وهو يتحدث عنه، فنجد الرئيس يتدخل مُصححًا ومراجعًا وملمًا بكل التفاصيل التى تخص المشروع. 


ومن خلال تلك المناقشة نكتشف أن الرئيس يتابع كل كبيرة وصغيرة ويلم بكل تفاصيل المشاكل التى يعانى منها الشعب المصرى. 


مؤخرًا ناقش الرئيس فى مداخلاته مع الوزراء عددًا من المشاكل. وكانت مناقشاته عتابًا صريحًا للمكاتب الإعلامية لمجلس الوزراء والوزارات، للإفصاح عن حقائق الأمور.


كانت مشكلة الكهرباء هى المشكلة الأولى التى وضحها الرئيس بالتفصيل. 
كان التيار الكهرباء قد عاد للانقطاع فى مصر منذ عام تقريبًا، وأصبحت الكهرباء تنقطع يوميًا عن الناس لمدة ساعتين وأكثر. وهى مشكلة عانينا منها أثناء حكم الإخوان، حتى عام 2015 ثم انتظمت الأمور، وعادت لتطل برأسها من جديد فى صورة لم تشهدها البلاد طيلة السنوات الـثمانى الماضية، إذ تتجاوز ساعات فصل التيار فى بعض المناطق والقرى أكثر من 6 ساعات متواصلة.


واشتكى العديد من المواطنين، خاصة فى محافظات الصعيد والدلتا وأجزاء من محافظات القاهرة الكبرى، من الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائى، والذى يتزامن مع موجة شديدة الحرارة تتعرض لها البلاد، إذ تجاوزت درجات الحرارة حاجز الـ40 فى القاهرة، واقتربت من 50 فى جنوب الصعيد.


ظهر هذا فجأة بطريقة غير متوقعة فى صيف 2023، وبعد عشر سنوات بدأنا نلاحظ تدهورًا شديدًا فى خدمات هذا القطاع، وبدأت الكهرباء تنقطع ساعات عديدة عدة مرات فى اليوم الواحد. دون مراعاة لظروف الأطفال والمرضى وكبار السن، فى ظل درجة حرارة عالية وغير مسبوقة نتيجة خلل فى النظام البيئى العالى والذى لا دخل لنا فيها.


وقال مصدر بوزارة الكهرباء، إن الارتفاعات المتتالية فى درجات الحرارة نتج عنها انقطاع الكهرباء فى بعض المحافظات، موضحًا أن الإجراءات التى اتخذتها الدولة ممثلة فى مسئولى المحافظات باللجوء للعمل بشكل مستمر نحو صيانة الأجهزة أولًا بأول ومنع تعطلها خلال الفترات الأشد حرارة.


ولم يعرف الناس حقيقة ما حدث، وهنا تدخل الرئيس وطلب من رئيس الوزراء، ووزير الكهرباء فى نوع من العتاب، أن يتحدث للناس موضحين حقيقة المشكلة وخلفياتها، بما يزيل عن الناس محاولات التفسير التى تفسر هذا على أنه مقدمة لزيادة أسعار الكهرباء.


وكانت المشكلة الثانية هى مشكلة الخبز المدعم فى مصر… والذى يباع الرغيف منه فى بطاقات التموين بسعر خمسة قروش، فى حين أن تكلفة الرغيف الواحد على الدولة تبلغ 125 قرشًا، أى أنها حوالى 125% من سعر البيع للجمهور. 


وطالب الرئيس أجهزة البحث العلمى بأن تبحث عن إضافات يمكن إضافتها للقمح المصرى بحيث يمكن أن نقلل من نسبة مكونه فى الرغيف، فى محاولة للتوفير. وأن يعرف الناس حقيقة الأمر، بعدما كثرت الشكاوى من سوء حال رغيف العيش المدعم.

 
كان الرئيس يتحدث كاشفًا عن فجوة هائلة معرفية، لم تقم المكاتب الإعلامية للوزارة وهى كثيرة بتداركها والتنبه لها، وشرحها للناس ومحاولة توضيحها.


الحقيقة.. هناك قصور شديد فى التغطية الإعلامية للمشكلات التى تعانى منها البلاد، بسبب تقصير أجهزة الإعلام بكل مستوياتها فى شرح حقائق الأمور للناس، وبيان الحقائق التى يجب أن يعرفها الشعب المصرى كشعب متحضر، وراق، ويهمه بالدرجة الأولى الوقوف على حقائق الأمور، وليس تجاهلها.


والحقيقة أنّ عتاب الرئيس لرئيس الوزراء والوزراء كان يحمل فى طياته رغبات بتوضيح الأمور، والنقاش حول تلك المشاكل، واقتراح الحلول لمشاكل التنفيذ، فى الأداء الإعلامى، وكشف النقاب عن وجود كارثة حقيقية فى قطاع الإعلام بأشكاله كلها، من صحافة ووسائل مرئية ومسموعة، ودون استثناء أى منها.


بمثل هذا العتاب الهادف، وضع الرئيس يده على الجرح بالحديث عن دور الإعلام بإعادة وتصحيح كثير من المفاهيم، والاستفادة من الوقت المهدر بتحويله إلى طاقة والاستفادة من النقاشات التى تتم لتلك المشكلات على كل المستويات.

 
يبقى أن لفتة الرئيس كانت فى غاية الأهمية، وأصابت كبد الحقيقة، وتحتاج إلى شجاعة من شركات الدعاية والإعلان إلى طرح أفكار مفيدة لإعادة تصحيح كثير من المفاهيم، ومحاربة السلبيات بأفكار تتناسب مع الواقع، وتدفع وطننا إلى الأمام نحو مستقبل مشرق، قائم على العلم والنبوغ والعمل والأخلاق، تحميه عناية الله بإعلاء كلمته.