رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"بين كَتَبَة وكُتّاب" نظرة محلقة للمستشرق ريشار جاكمون على الأدب المصرى منذ النكسة حتى ثورة يناير

 ريشار جاكمون
ريشار جاكمون

يركز الكتاب على الفترة من ستينيات القرن الماضى، وما شهدته من تحولات أدبية تأثرًا بسياقات أعم وأكثر شمولية، حتى الفترة الأدبية التى تلت ثورة يناير والتغيرات التى لحقت بالكتابة وأولوياتها، وما تكشفه عن الاشتباكات بين الجوانب الثقافية والسياسية والاجتماعية. ومع أن الفترة الزمنية التى يتعرض إليها الكتاب بالتحليل واسعة فإن الكاتب يعود إلى عقود مضت ليثبت حججه حول تلك العلاقات الوثيقة بين مختلف الحقول المعرفية. 

تاريخ مصر الثقافى

وفق هذه المنهجية، يعتبر جاكمون أن تكوين المثقف القومى قد تم ببطء على مدار القرن التاسع عشر، ولكن فى الثلت الأول من القرن العشرين ظهر حقل فكرى حديث من الأشكال التى أنتجها العصر، مثل المعارك الأدبية المرتبطة بتطور الصحافة، وكذلك ظهور الجماعة الطليعية، فتحدد تاريخ مصر الثقافى بتعاقب أجيال، جيل ١٩١٩ المسمى بجيل الأدباء، ثم جيل ما بعد الحرب التالية فى عهد عبدالناصر، ثم جيل الستينيات بعد نكسة ١٩٦٧، وجيل التسعينيات بعد حرب الخليج الثانية. وفى تقديمها الكتاب، نوهت الناقدة والأكاديمية شيرين أبوالنجا بأهمية الوعى أثناء قراءة هذا الكتاب بهذا التعاضد بين الحقل الأدبى والسياسى والاجتماعى، وبعلاقات التأثير والتأثر بين الحقل الأدبى المحلى والإقليمى والعالمى، فالكتاب يكتسب أهميته من رصده وتحليله الحيز الفاصل بين رؤية المثقف لذاته وآماله وطموحاته، وبين رؤية السلطة السائدة ورغباتها، والخيار الذى يتبناه المثقف آنذاك ودلالاته، والذى قد ينحو نحو الارتماء فى أحضان الهوية المتجانسة تجنبًا للنزاعات، أو اختيار المواجهة بصورة ما. وأوضحت «أبوالنجا» أن فترة ما بعد ثورة ٢٥ يناير شهدت العديد من المتغيرات الأدبية ذات الدلالة، فمن جهة لم يكف الحديث عن أدب الثورة، كما ظهر أدب اليوميات بكثافة، بيد أن التحول الأهم كان هو تغير آليات وخطاب الحقل والفاعلين بصعود مواقع التواصل الاجتماعى، فصارت التحالفات والمصالح تلتقى بفعل قوة هذه الوسائط الحديثة، وبات هناك الكثير مما يكشف عن أوجه اشتباك الواقع الثقافى مع الحقل الأدبى والسياسى والاجتماعى. 

 

رواية «أولاد حارتنا» ودراما الكاتب المصرى


يعتبر المستعرب الفرنسى أن مشوار نجيب محفوظ الأدبى تعبير رمزى عن ثيمات العقيدة الأدبية المصرية والظروف الاجتماعية والتاريخية المسئولة عنها، فمحفوظ وفقًا لرأيه قد كشف عن الكاتب من حيث هو ضمير الأمة، وعن الأدب من حيث هو مرآة المجتمع. ولأن محفوظ كان يرى أن الكاتب هو صاحب كفاءة نادرة اجتماعيًا، لأن إجادة الكتابة تتيح له القدرة على توحيد المعرفة التى شوهتها المصالح، وتتيح تقديم الرواية الصادقة للتاريخ، فإن الأزمة التى واجهها بروايته التى منعت من النشر فى كتاب بعد أن نشرت على حلقات بجريدة الأهرام، والاعتداء الذى تعرض له بسببها؛ هما ما يعبران برأيه عن دراما الكاتب المصرى الحديث الذى يواجه الهوة بين طموحاته النبوئية، والصعوبة القصوى التى يجدها فى ترويج إنتاجه، بسبب الرقابة الاجتماعية أو الدينية أو السياسية.

 

المتغير والثابت فى الحقل  الأدبى المصرى

يرى جاكمون فى كتابه أن تكرار السجالات ذاتها حول اللغة ووضعية الدين والهوية والعلاقة مع الآخر يترك انطباعًا بأن كل شىء يواصل الدوران، وفق الحدود التى وضعها الأساتذة المؤسسون للحقل الثقافى المصرى الحديث منذ الثلث الأول للقرن العشرين، ولكنه يصل إلى أن هذا الانطباع قد يكون مفتقدًا للدقة؛ فتغير وضعية الرواية يمثل تطورًا مهمًّا، فمنذ عام ١٩٥٩ إلى محاولة اغتيال محفوظ فى أكتوبر ١٩٩٤، رمزت قضية «أولاد حارتنا» إلى تنامى القوة الاجتماعية للجنس الأدبى الروائى، باعتباره الشكل الأرقى للتعبير. 

علاوة على ذلك، ففى السبعينيات ومع استخدام المرجعية الدينية استخدامًا ذرائعيًّا فى الصراعات من أجل السيطرة على السلطة، كان المثقفون يلوذون بحماية الدولة فى مواجهة القيود التى يحاول فرضها على حرياتهم شتى أصناف الفاعلين الاجتماعيين، وهذا الاتحاد فيما بين الدولة والمثقفين أدام بدوره العلاقة «الأرستقراطية» للمثقف مع مجتمع تنتشر فيه الأمية وضعف الإقبال على القراءة. إجمالًا يرى جاكمون أن المحصلة إيجابية، انطلاقًا من استمرار الإنتاج الأدبى المصرى فى تجديد نفسه خلال العقود الأخيرة، خلافًا لما حدث فى حقول أخرى تهيمن عليها أزمة مقيمة؛ كالحقول الجامعية والعلمية والسينما والمسرح والصحافة، فعلى الصعيد الكمى تضاعف الإنتاح المصرى فى الإبداع على أقل تقدير ثلاث مرات من الستينيات إلى التسعينيات، وعلى الصعيد النوعى، فقد شهد الحقل الأدبى تأنيثًا وتناظرًا بين الإبداع الذكورى والإبداع النسائى، وعلى مستوى الوصول فقد تمكن عدد متزايد من الكتاب والكاتبات من الوصول إلى موارد لتصدير الإنتاج الأدبى إلى العالم. 

تأملات فى الثقافة المصرية

يرصد جاكمون التحولات فى الثقافة المصرية بالعودة إلى الخمسينيات وأوائل الستينيات، فيقول إنه فى العصر الحديث ولوقت طويل ظلت مصر هى مركز النشر الأساسى فى المنطقة، إذ كانت تطبع ٧٥٪ من مجموع إنتاج الكتاب العربى، إلى أن عرضت السياسات الناصرية هذه الريادة للخطر، وأتت الموجات المتعاقبة من التأميمات وإعادة هيكلة الصحافة وصناعة النشر واستغلالهما سياسيًا على أيدى النظام لتضعفهما بشكل حاد. وفى عهدى السادات ومبارك، احتفظ النظامان بسيطرة قوية على إنتاج الكتاب عبر وسائل متعددة، وظل النشر العام فى أيدى الشركات التى تمكلها الدولة أو المشروعات الخاصة الصغيرة والضعيفة التى كانت تعانى المنافسة غير العادلة المفروضة من هذه الشركات، وهو ما كان يعنى عدم اتساع سوق الجمهور فى ظل نظام تعليمى لا يشجع على القراءة.

تغير الحقل الأدبى بحلول العقد الأخير من حكم الرئيس مبارك، فمع تنامى السخط من السياسات النيوليبرالية وتحكم النخب الفاسدة، بدأت الكتابات المعبرة عن النقد الاجتماعى والسياسى عبر الأدب الساخر والقصص الاجتماعى الواقعى فى الظهور، وهى أعمال اكتسبت شعبية ورواجًا كبيرين لدى فئات عدة من الجمهور، الذين رأوا فيها شكلًا من أشكال التنفيس عن أنفسهم. يرصد جاكمان، فى هذا الصدد، روايتين من الأعمال الأدبية اللتين أحدثتا ضجة إبان ظهورهما، محللًا أسباب هذه الضجة على الصعيدين الداخلى والخارجى، والروايتان هما «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسوانى، التى كانت أول رواية عربية منشورة تحقق أفضل المبيعات، و«أن تكون عباس العبد» لأحمد العايدى التى حظيت بمقروئية عالية.

فيما يخص رواية الأسوانى، ينوه جاكمون إلى أنها على المستوى الأدبى لا يمكن أن توصف بالتجديد، إذ تتخذ من حيز صغير وسيلة لتمثيل المجتمع مثلما فى الروايات الواقعية التقليدية، غير أن الرواية اكتسبت جاذبيتها على المستوى العالمى من تعبيرها عن شكل من أشكال الحنين إلى القاهرة الكولونيالية قبل عام ١٩٥٢، وكذلك فقد جرى ترويجها فى الخارج على أساس قيمتها التوثيقية والسياسية بدلًا من قيمتها الأدبية لتحظى بمراجعات من علماء سياسة، وليس من نقاد أدب، فيما بدا وكأن الفضاءات الأدبية المركزية تعمل على إبقاء الآداب الهامشية فى مجال التوثيق السياسى. 

أما رواية أحمد العايدى، فرغم تجديدها الأدبى، فإنها تحظى بالانتشار الغربى المماثل، وظلت منتشرة فى دوائرها المحلية الضيقة. وقد عدها جاكمون واحدة من الأمثلة على ذلك النوع من القطيعة الجمالية والسياسية التى دعا إليها الكتاب الطليعيون، فرغم أن الرواية قد تبدو بعيدة عن الكتابة التقليدية أو الواقعية وعن النقد الاجتماعى والسياسى الذى تحتويه هذه الأساليب من الكتابة، فإنها تنقل رسالة سياسية قوية مفادها الشعور باليأس والاغتراب المعبر عن هذا الجيل.

انطلاقًا من التغيرات التى شهدها الحقل الأدبى منذ الستينيات وصولًا إلى العقد الأخير بما شهده من اضطرابات وتغيرات جمة، يأتى كتاب «بين كَتَبَة وكُتّاب.. الحقل الأدبى فى مصر المعاصرة» للمستعرب الفرنسى ريشار جاكمون ليضيف إلى تحليل قيّم قديم ما استجد على الساحة الأدبية المصرية، وما تعنيه هذه المستجدات عن الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية بصورة عامة فى مصر. 

الكتاب من تقديم شيرين أبوالنجا، وترجمة بشير السباعى، وعبدالرحيم يوسف عن «دار صفصافة»، هو نسخة موجزة ومحدثة من أطروحة دكتوراه بعنوان «الحقل الأدبى المصرى منذ عام ١٩٦٧» أنجزها المستعرب الشهير ريشار جاكمون، الذى ترجم العديد من الروايات العربية، وأسهم فى ترجمة ما يزيد على مائة كتاب من الفرنسية إلى العربية، إلى جانب عدد من الترجمات فى الاتجاه المعاكس. 

رصد دقيق للفاصل بين رؤية المثقف لذاته ورغبات السلطة وخيارات المبدعين وصراعاتهم

 

محاولة اغتيال نجيب محفوظ مثال حى للتحديات التى يواجهها الكاتب فى ترويج إنتاجه بسبب الرقابة الاجتماعية والدينية والسياسية

إصدارات جديدة

«الشعرية المعاصرة».. مقاربة نقدية لتحولات الشعر العربى

 

عن بيت الحكمة للثقافة، ضمن إصدارات مشروع أفق للدراسات الفكرية والنقدية، صدر كتاب «الشعرية المعاصرة.. محاولة اقتراب» لـلدكتور عادل ضرغام. يعرض المؤلف تصورًا فكريًا يُقارب انعطافات الشعر العربى وتحولاته الجذرية، ويطرح العديد من التساؤلات النقدية ذات الطابع النظرى، ويختبر مدى نجاعتها فى قراءته دواوين شعرية لشعراء عرب من أجيال مختلفة، ويفحص التراث الشعرى بأنماطه البنائية والدلالية المختلفة. 

«رامبو وشهرزاد».. أعمال مسرحية لعبداللطيف اللعبى

 

صدر عن دار الرافدين فى بيروت وبغداد كتاب «رامبو وشهرزاد»، الذى يضم أعمالًا مسرحية للكاتب المغربى عبداللطيف اللعبـى.

جاء فى تقديم الكتاب: «يخلخلُ ظهور المسرح فى أعمال عبداللطيف اللعبى هوية الأجناس الأدبية منتقلًا بها من وضعية الثبات إلى حالة الترنّح. فاقتحام الشعر مسرحه، أو اقتحام العنصر الشفوى شِعره، ينبعان من نفس الإرادة المعكوسة لتوسيع هوامش الإبداع الأدبى.

«إمارة المؤمنين».. المرجعية الروحية لوسطية الإسلام

صدر عن «المركز الثقافى للكتاب» بالمغرب كتاب «إمارة المؤمنين.. المرجعية الروحية لوسطية الإسلام»، للكاتب الدكتور عبدالله بوصوف. جاء فى تقديم الكتاب: «إن العمل على ضمان تواؤم واضح ومتزن بين مبادئ الإسلام الأصيلة، والبحث عن حداثة تفرض نفسها يومًا عن يوم، إنما يمر فى تصورنا، عبر التشبث بالقيم الدينية التى تصبو إلى الوسطية والاعتدال».