رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالمة الاجتماع النرويجية لين ستالسبيرج لـ«الدستور»: النساء خالفن نظريات «تحرير المرأة» واستهلكن أنفسهن فى حرب منافسة مع الرجل

لين ستالسبيرج
لين ستالسبيرج

عملت لين ستالسبيرج، صحفية وعالمة اجتماع ومؤلفة نرويجية، فى عدة صحف نرويجية، مثل «فيردينس جانج»، و«داغبلادت»، و«هيئة الإذاعة النرويجية»، و«منظمة العفو النرويجية»، وحاليًا تكتب عمودًا فى الصحيفة اليسارية النرويجية «كلاسكامبين». 

وحصلت ستالسبيرج على درجة الماجستير فى علم الاجتماع من كلية لندن للاقتصاد، وقد ألفت عددًا من الكتب التى تنتقد الليبرالية الجديدة والنظام الرأسمالى فى الغرب، تُرجم اثنان منها إلى اللغة العربية، هما «هل أنا حرة»، وأنجزت الترجمة شيرين عبدالوهاب وأمل رواش، و«كفى.. كيف تدمر الليبرالية الجديدة البشر والطبيعة»، والأخير صدر بالعربية للمرة الأولى خلال معرض القاهرة الدولى للكتاب، من ترجمة كل من بسنت أمين وشيرين عبدالوهاب، عن دار «صفصافة».

«الدستور» التقت ستالسبيرج فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، عقب حديث لها عن كتابها المترجم حديثًا إلى العربية، وقد تطرق الحوار معها إلى كتابيها اللذين تجمعهما المشتركات والمنطلقات ذاتها.

■ كتابك الأول المترجم إلى العربية بعنوان «هل أنا حرة؟» يمس كل امرأة من أى مكان بالعالم.. هل كان دافعك الأول نحو كتابة هذا العمل راجعًا إلى تجربتك الشخصية، أم كان أكثر ارتباطًا بعملك الأكاديمى؟ 

- هذا سؤال جيد جدًا.. فى البداية كان المحفز نحو كتابة العمل أكاديميًا بدرجة كبيرة، إذ كنت أكتب عمودًا صحفيًا بإحدى الجرائد النرويجية، آنذاك لاحظت أن النساء يضعن أطفالهن فى روضة الأطفال لعدد كبير من الساعات، لم أتقبل هذا الوضع، وشعرت بعدم الراحة تجاهه، وكنت أفكر هل هذه فعلًا الحرية؟ لم يكن لدىّ أطفال وقتئذ، لكن شعرت بأن علىّ مساءلة هذا الوضع، ليس لكى أجعل النساء يتوقفن عن العمل ويبقين فى منازلهن، ولكن لتقليص عدد ساعات العمل إلى ست ساعات بدلًا من ثمان لكل من الرجال والنساء، وهو ما يُبقى على المساواة بين الجنسين قائمة، وفى الآن ذاته يمنح لكليهما الوقت لرعاية أطفاله، لذا بدأت فى المطالبة بهذا، وهو ما كان مطلب الحركة النسوية فى بدايتها بالأساس، فالنساء بحاجة إلى العمل وإلى الدخل، لكن ثمة حاجة إلى تحقيق درجة من التوازن. 

بعد ذلك صار لدىّ أطفال وشعرت أيضًا بالضغط، فى النرويج يخبروننا بأننا محظوظون ولدينا الفرصة لنكون أحرارًا؛ فلدينا روضات الأطفال بأسعار زهيدة ما يبدو، وكأنه ليس لديك أى عذر يعوقك عن العمل، ولكن يظل هناك هذا الشعور بأننا لا نتحكم فى يومنا، وأظن أن الرجال أيضًا لديهم هذا الشعور، فهم دائمًا ما يشعرون بالتوتر وعدم السعادة، وهذا ليس من الحرية فى شىء، لذا شعرت بأن علىّ أن أناضل لمواجهة هذا النظام؛ كى أكون قادرة على الموازنة بين رعاية أطفالى وعملى. 

■ فى كتابك قلتِ «تحرير المرأة ربما قد تمت التضحية به على مذبح المساواة بين الجنسين».. فما البديل إذن؟ 

- الحركة النسوية حينما طالبت بالحرية فى السبعينيات، كان ما تعنيه شيئًا آخر غير المساواة، كان بالأساس حول كيف نحيا وكيف نعمل ونحقق الانسجام فى المجتمع، ولكن فى عام ١٩٨٠ تحولت الرأسمالية إلى سياسة السوق الحرة، وصار كل شىء محتكمًا إلى قواعد السوق، فصارت النساء يسعين لخوض حرب منافسة الرجل بالعمل فى نفس الوظيفة وتحقيق نفس النجاح والحصول على الراتب نفسه؛ كى تشكل نظرتها الإيجابية عن ذاتها، فى حين أن المساواة لم تكن هى المطلب الأصلى، فتلك المساواة لم تعمل على تغيير المجتمع، وإنما أدت إلى الرضوخ لقواعد السوق السائدة، والنظم السائدة تدعم ذلك، لأنها تجنى الكثير من الأموال من خلال تلك الحرب الدائرة بين الرجل والمرأة.

■ ما ذكرتِه فى كتابك ينطبق بدرجة كبيرة على المرأة العربية وإن كان بصورة أكثر ضراوة.. هل تعتقدين أن المرأة فى العالم العربى من الأجدى لها أن تتخلى عن مطلب المساواة، وتسعى فقط لتحقيق عدالة ما؟

- هذا سؤال مهم، المساواة مهمة لتحقيق التحرر، ولكن بالنسبة إلىّ هى ليست الهدف النهائى وإنما جزء من المسار الذى نتبعه.. نحن دائمًا نتحدث عن أن المساواة هى أن على النساء أن يحققن المساواة مع الرجل، ويقمن بما يقوم به، ولكن علينا أن ننظر إلى المساواة من منظور الرجل أيضًا، يحتاج الرجال أن يحظوا بفرصة للعناية بأطفالهم وقضاء الوقت معهم والمشاركة فى الأعمال المنزلية، إن الرجل يفتقد للكثير إن اقتصرت حياته على العمل، ومن ثم، يجب على المساواة أن تتحرك فى الجانبين. 

الأشياء تتغير ولن تظل جامدة للأبد، فعلى سبيل المثال، لم تنل أمى فرصة لقاء أبى قبل الزواج، لأن المسيحية آنذاك كانت متعسفة، وكان هناك الكثير من القواعد والتحديات والقولبة للنساء، لكن هذا تغير.. لا أتحدث عن أن مجتمعى بات مثاليًا، ولكننا حاربنا لتحقيق ما نحن عليه، لم نحصل على الحرية ولكننا وجدنا الطريق الخاص بنا، لذا الأمور مختلفة فى العالم العربى وأنا أعلم ذلك، لكن عليكم أن تجدوا الطريق الأنسب لكم، وأن تحارب المرأة لتحقيق حريتها، على كل امرأة أن تسأل نفسها: ما هى الحرية بالنسبة إليها وتجد التعريف الخاص بها، ولا تنتظر من أحد أن يفرض عليها تعريفها أو رؤيتها. 

■ فى كتابك الصادر للتو «كفى.. كيف تدمر الليبرالية الجديدة البشر والطبيعة» معاودة للنظر فى الإشكالية المطروحة بالكتاب السابق ولكن على نحو أكثر شمولًا، وهو موضوع تطرق إليه فلاسفة مثل آلان دو بوتون فى كتابه «قلق السعى إلى المكانة» وغيره.. ما الذى يمثله الاهتمام بدراسة هذه الوضعية من أهمية فيما نحن عاجزون عن الخروج منها؟

- فى النرويج وأوروبا وكل دولة حول العالم، يعانى الناس من مختلف الفئات العمرية من القلق والأرق والتوتر والاكتئاب، ولا يشعرون بالسعادة رغم الإمكانات المتاحة لهم. أعتقد أننا حينما نقول للناس إن هذا ليس خطأهم وليس تقصيرًا منهم، وإنما هو بسبب المجتمع الذى يطالبهم بالمزيد بشكل مستمر، وبأن يكونوا أجمل وأنحف وأكثر نجاحًا، حينما أقول للشباب إن المشكلة فى قواعد هذا المجتمع، هذا لا يعنى أنهم غير جيدين بما يكفى أو فاشلون لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك، أشعر بأنهم يتنفسون الصعداء ويشعرون بالراحة، لأن هذا ما يتوقون لسماعه، آنذاك يمكن لهم أن يوجهوا طاقاتهم لتغيير تلك القواعد بدلًا من الرضوخ لها. 

■ اقترحت على سبيل الحل بالكتاب العمل من أجل تأسيس عالم أكثر عدالة، أن نجد نظامًا بديلًا وسياسة اقتصادية جديدة، سواء كانت تسمى «الاقتصاد الدائرى»، أو سياسة اشتراكية.. ما الذى يجعلك تعولين على ذلك الحل، بينما أثبتت التجارب السابقة إخفاق الاشتراكية فى تأسيس حكم رشيد؟

- لم يكن هدفى من الكتاب هو البحث عن الحلول، وإنما كنت أحاول وصف الوضع الذى نحيا فى ظله، والتنويه بأهمية امتلاك الوعى بذلك، والشروع فى انتقاد نظام السوق الذى نحيا فى ظله. ربما فى أعمال مقبلة أركز على مسألة الحلول، لكن ما طرحته هو أننا ينبغى أن نتوقف عن المسار الذى نحن عليه؛ بعد أن وصلت الكوارث فى المناخ والبيئة والطبيعة إلى حد غير مسبوق، فالنظام الاقتصادى الرأسمالى يدمر الكوكب الذى نعيش عليه، ومن ثم فنحن بحاجة إلى اقتصاد يمكنه التعامل مع تلك الإشكاليات الجديدة.

أما عن الاشتراكية، فما حدث فى الاتحاد السوفيتى لم يكن اشتراكية، وإنما كان «رأسمالية دولة»، كان نظامًا محكومًا بالسُلطة التى تحكمت فى كل الأموال والموارد تمامًا، مثل النظم الرأسمالية، ولكن يمكننا الحديث عن دولة مثل «تشيلى» قدمت اشتراكية مؤثرة فى حياة الناس، لكن الولايات المتحدة احتلت البلد وفعلت الكثير من الشنائع؛ لأنها لا تريد السماح لمثل هذا النظام بالبزوغ، فهى تدرك تمامًا أنه حال نجاحه سيسقط النظام الرأسمالى.

لذا علينا تحقيق الاشتراكية التى تلائمنا، والتى تعنى المشاركة فى كل شىء، فنحن لم يعد لدينا خيار بعد أن تدمر كوكبنا، ولو واصلنا على الطريق ذاته ستتفاقم مشكلاتنا إلى ما هو أسوأ، سيزداد عدد سكان الكوكب، وسترتفع نسب البطالة، وستنمو مشكلات البيئة والمناخ.

لقد كنت أدافع عن الرفاهية وتحقيق حياة كريمة، ولكن بعد كل الأزمات التى مر بها العالم من حروب وتغير مناخى وغيرهما، تحولت إلى استراتيجية الهجوم، أملًا فى مواجهة النظم الرأسمالية بحقيقتها وحقيقة ما سببته من كوارث فى العالم، هذا لا يعنى البحث عن اتحاد سوفيتى جديد، وإنما أحاول أن أجعل هذا النظام يواجه نفسه.