رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى شهر المرأة| الثقافة الشعبية والنظرة للنساء.. المعركة لم تنته بعد

شهر المرأة
شهر المرأة

بينما يحتفل العالم فى الثامن من شهر مارس من كل عام باليوم العالمى للمرأة، تُستعاد الرحلة المضنية التى سارت على أشواكها المرأة من مختلف بقاع العالم كى تحظى ببعض من حقوقها الأساسية، ويسلط الضوء على إسهامات المرأة فى مختلف المجالات ومكانتها فى المجتمع. بالنسبة للمرأة المصرية، يكتسب هذا الاحتفال أهمية خاصة، إذ تواصل المرأة فى مصر تحقيق الإنجازات رغم الظروف الصعبة، ويُعتبر اليوم فرصة للتأكيد على حقوق المرأة فى المشاركة الكاملة بمختلف الميادين، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. 

وعلى الرغم من المكتسبات التى نالتها المرأة المصرية على مدار السنوات، فإن النظرة المتدنية لها لا تزال حاضرة فى العقليات التى ظلت محتكمة إلى الذكورية وغير قادرة على الفكاك من قواعدها المهيمنة وبناها العميقة المتغلغلة فى الوجدان. وتعد الثقافة الشعبية واحدة من الطرق التى أسهمت فى تغلغل الفكر الذكورى لدى العقليات منذ نشأتها وبشكل لا واع فى كثير من الأحيان، وهو ما اهتمت الكثير من الكتابات بتفكيكه للوقوف على الأفكار التى ترسخها الثقافة الشعبية، وكيف تعاضدت مع الخطابات الدينية ودعمتها فى كثير من الأحيان، ومن أبرز الأعمال بهذا الصدد؛ كتاب «المرأة بين الخطاب الدينى والمعتقد الشعبى» للباحث يسرى مصطفى، و«صورة المرأة فى المثل الشعبى» للكاتبة صفاء عبدالمنعم.

الخطاب الدينى والمعتقد الشعبى 

لا ينكر الباحث يسرى مصطفى فى كتابه «المرأة بين الخطاب الدينى والمعتقد الشعبى»، الصادر عن دار «هن» ما حققته جهود مناصرة حقوق النساء من مكتسبات ملموسة على مستوى تغيير الوعى المجتمعى وإصلاح السياسات والتشريعات فى مجالات عدة بما فى ذلك الأحوال الشخصية، ومناهضة العنف ضد النساء، فضلًا عن تجريم عادة ختان الإناث، وغير ذلك من المكتسبات، ومع ذلك، ينطلق فى كتابه من قناعة بأن المعركة لم تنتهِ، لا سيما على مستوى الوعى؛ فالمفاهيم الثقافية المعادية لحقوق النساء لا تزال مترسخة فى الأذهان، وتحتاج إلى كشفها ومواجهتها. 

يتناول الكتاب أحد الظواهر الثقافية المهمة، التى تتعلق بالأطر الدينية والثقافية المتصلة بمكانة المرأة فى المجتمع وتحديدًا التفاعل بين الخطاب الدينى، الذى يتم التعبير عنه من خلال الآراء الفقهية، والخطاب الثقافى الشعبى فى الأمثال والمأثورات الشعبية وأثره على تشكيل الرؤى والتصورات حول مكانة المرأة وحقوقها الإنسانية، انطلاقًا من افتراض وجود علاقات بين الخطابات الدينية والثقافية الشعبية، لا تتأسس على استراتيجيات واعية بقدر ما هى علاقات تفاعلية متعددة الأبعاد. 

الثقافة الشعبية

يبدأ المؤلف بتوضيح مفهوم الثقافة الشعبية وما يرتبط به من مفاهيم مثل التراث والمعتقدات والأمثال الشعبية، ليصل إلى أن الثقافة الشعبية متعددة الأبعاد والتأثيرات بشكل عام بما فى ذلك التصورات الخاصة بالأدوار الاجتماعية للرجال والنساء، وتأتى أهميتها من ارتباطها بالحياة اليومية للناس، فهى أحد أشكال الواقع المعيش تحركه وتعبر عنه، وبصورة خاصة تعبر عن المجتمعات التقليدية والريفية والهامشية، التى لا تحكمها المؤسسات بقدر ما تحكمها الأعراف والتقاليد الشعبية. 

ويبين أن الثقافة الشعبية لا تتصمن فقط الجانب الرمزى المعبر عنه من خلال اللغة والنقوش، بل لها جانب مادى متعلق بالطقوس والممارسات والمنتجات المادية كالأزياء والأدوات المنزلية والحرفية، ومن أهم تجلياتها الأمثال الشعبية، فهى المقولات التى يجرى تداولها والاحتكام إليها فى المواقف المختلفة، وهى إن كانت لها جوانب إيجابية تتمثل فى التواصل والتعايش، فإن ما ترسخه من بعض القيم والأفكار المغلوطة مثل العنصرية والتمييز يعد مشكلة كبيرة لصيقة بها. 

تصورات المرتبة الأدنى

يرصد الكاتب أوجه التلاقى والافتراق بين الخطابات الدينية والثقافة الشعبية فيما يتعلق بالحديث عن المرأة، فيشير إلى أن علاقة الدين بالثقافة الشعبية مركبة ودينامية فيها تواصل وتداخل فى الوعى العام، وفيها قطيعة وتصادم، فإذا كان الخطاب الدينى قد تشعب أحيانًا إلى نقد العديد من المعتقدات الشعبية التى تتعارض مع التعاليم الدينية، فإنه على الجانب الآخر أسهم فى بعض صوره فى تعزيز شرعية المعتقدات الشعبية، كما أن المعتقدات الشعبية استقت مشروعيتها من المقدس فى بعض الأحيان فى إطار تفاعل يحدد شروطه السياق الاجتماعى والسياسى ودرجة تطور الوعى المجتمعى. 

ويعتبر المؤلف أن الخطابات الدينية أحد أشكال الممارسة الدينية التى تعكس التدين الشعبى، فاستحضار النساء فى دوائر الخطاب كموضوعات واستبعادهن كفاعلات يلتقى فيه الخطاب الدينى مع المعتقدات الشعبية، فكما يشاع دينيًا بأن صوت المرأة عورة فصمت المرأة محبب أيضًا فى الثقافة الشعبية، وبشكل عام فالتصورات عن أفضلية الرجال تشكل الإطار الذى يبرر مختلف أشكال اللامساواة فى النوع الاجتماعى.

يلفت الكتاب إلى أن الثقافة الشعبية تستقى من الخطاب الدينى ما يعضد تقاليدها ومعتقداتها، كما يمكن أن تتجاهله وتتجاوز مقتضيات وأحكام الخطابات الدينية عندما تقتضى الأمور ويمكنها أن تكون برجماتية فى موقفها من الدين، أما فيما يخص النساء فالسمة السائدة هى وضعهن فى مرتبة أدنى من الرجال. 

يعزز التأويل الدينى المعتقدات الشعبية عن المرأة وخصوصًا فى قضايا القوامة، وتأديب الزوجة، وتعدد الزوجات، وهو ما يوضحه المؤلف تفصيًلا فى كتابه، ففيما يخص القوامة، يؤسس التراث الشعبى صورًا نمطية تبرر تدنى وضع النساء مقارنة بالرجال، فهى فكرة كائنة فى التصورات والمعتقدات الشعبية ومحورية فى فهم العلاقة مع الخطاب الدينى، الذى ما زالت فيه قضية القوامة نقطة حرجة إما يتم التشديد عليها أو مراجعتها باستخدام لغة تعقلنها مع الإبقاء عليها.

وفى الأمثال، يشيع كثير منها فكرة نقصان عقل النساء، فالمقولة الدينية النساء ناقصات عقل ودين يعاد إنتاجها فى الثقافة الشعبية، كما أن الثناء على الأنثى فى بعض الأمثال لا يعنى خروجًا عن تلك القاعدة، فهو لا يأتى من خارج نطاق الصور النمطية بشأن أدوارها التقليدية.

أما تأديب وضرب الزوجة فيستمد مشروعيته من بعض التأويلات الدينية؛ فالسائد فى الآراء الفقهية التى تعتبر «مستنيرة» أن الضرب جائز ولكن بشروط الرفق وعدم تعمد الإيذاء، وفى المأثورات والعادات والتقاليد الشعبية الضرب مشروع، بل إن الثقافة الشعبية قد تذهب أبعد حين تؤكد أن تقويم المرأة ليس بسبب ضعفها ونقصها الكامن ولكن أيضًا بسبب طابعها الشرير.

وفيما يخص تعدُّد الزوجات، فإن الأمثال السائدة ترى فيه الضرر أكثر من النفع، فيما يقترب من التأويلات للنص الدينى بهذا الصدد، وهو ما يؤكد وصف الزوجة الثانية بـ«الضُرة» من الضرر، فهى ترفض التعدد وترى أن الزوجة الواحدة هى الأصل وأن التعدد انحراف عن الطبيعى ويقود إلى الخراب.

المرأة في المثل الشعبى

فى كتاب «صورة المرأة فى المثل الشعبى»، الصادر عن «دار المحرر»، تطوف الكاتبة صفاء عبدالمنعم بين الماضى البعيد والراهن القريب لتطرح صورة متكاملة عن المرأة كما تمثلت فى مختلف الخطابات على مدار العصور والثقافات، صورة لا تُحدد فى إطار واحد، وإنما تتراوح وفقًا للسياقات المحيطة بين المدنس والمقدس. 

تنطلق «عبدالمنعم» من مشاهد عنف ضد المرأة شهدتها السنوات الأخيرة من أبرزها حادثة فض بكارة فتاة فى ميدان العتبة بأوائل التسعينيات، وذبح فتاة المنصورة منذ عامين، وغيرهما، لتعود إلى الماضى وتنوه بأن الظلم الواقع على المرأة على مدار التاريخ جاء بسبب المقولات الجاهزة التى يتم بثها فى آذان الأطفال، والتى يتعاضد فى تحديدها كل من المعتقد الشعبى والمعتقد الدينى. 

يرتكز الكتاب على أن المثل الشعبى بوابة واسعة يمكن من خلالها التعرف على طبيعة أى شعب ومستوى تفكيره وثقافته وفلسفته، بسبب ما يتسم به من الإيجاز والشيوع، وحينما يتعلق الأمر بالمرأة نجد أن الأمثال الشعبية قد احتلت بها المرأة مكانة أساسية باختلاف المعتقدات والثقافية والمبادئ والعادات والتقاليد، والتى فيها قد تظهر المرأة فى مكانة أدنى من الرجل وتتصف بقلة الحيلة وعدم القدرة على التفكير.

ومع ذلك، يشدد الكتاب على أن المواقف هى ما تشكل انحياز الجماعة الشعبية، فعندما تريد أن تجعل المرأة حنونة تصورها على أنها منبع العطاء والدفء، كما أن بعض مشكلات المرأة تنبع من تحدى المجتمع ورجاله لها، ورغبة المرأة فى تحدى الوضع، فالرجل تتحكم فى بنية فكره الوضع الدونى للمرأة، ما جعل المرأة تتفنن فى امتلاك الحيلة، كى تتعامل مع الرجل ودواخله المبنية على الصراعات والسلطة والقوة. 

الثقافة البدوية

تعتقد المؤلفة أن الصورة السلبية المنطبعة عن المرأة فى مخيلة الكثيرين قد أسهمت فى رسمها الأمثال الشعبية التى صدّرت الكثير من القيم السلبية، فمثلًا عندما يتم التقليل من شأن الرجل يُنعت بصفة المرأة وعندما يدلل الطفل ينعت بصفة البنت، فهى ترى أن هذه القيم السلبية من بقايا إرث الماضى العربى من ثقافة وأد البنات، والتى تسربت إلى المجتمع المصرى مع الهجرات الكثيرة لبعض القبائل العربية البدوية للاستقرار خاصة فى الصعيد.

تقول «عبدالمنعم» إن المرأة ما زال يُنظر إليها نفس النظرة الدونية القديمة، فمهما تعلمت ونالت من الدرجات العلمية ينظر لها على أنها ناقصة عقل ودين، ولكنها تعقد الأمل على المواجهة انطلاقًا من أن «المجتمع لا يصلح بالأمنيات وحدها (ربنا يصلح الحال، ويصلح أحوال البلاد والعباد)، ولكن بالعمل على هذا الموروث الثقافى/ الجمعى/ الشعبى»، وبالكشف عن أسباب اندثار قيم كانت موجودة سابقًا، وحلول موروثات أخرى وافدة علينا محلها.