رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سمير الفيل للدستور: شخصية «مشيرة» بمجموعة «يطير الحمام» لها جذر واقعي

سمير الفيل
سمير الفيل

تحدث الكاتب القاص سمير الفيل، في تصريحات خاصة لـ “الدستور” عن بطلة مجموعته القصصية “حمام يطير”: شخصية "مشيرة" هي إحدى قصص مجموعتي الصادرة عن دار الأدهم للنشر والتوزيع، 2013.

الشخصية لها جذر واقعي، فقد كانت لي إبنة خالة تزور أسرتها كل يوم تقريبا، وكانت أمها "خالتي فتحية" تتمتع بقسط وافر من خفة الدم والرغبة في إسعاد نساء الحي حين تزورنا وتشخص أدورا كأنها على خشبة مسرح.

 

وتابع “الفيل”: تخرجت الفتاة وعملت بالتدريس ثم سافرت مع زوجها للعمل بالكويت. بعد سنوات طويلة من السفر أقابلها داخل مبنى بنك مصر ومعها ابنتها الجميلة نتبادل الذكريات، ونتعاهد على الزيارات غير أن الأقدار لها رأي آخر فقد ماتت ابنة الخالة بلا مقدمات.

 

القصة تعيد إحياء ذكريات اجتماعية وسياسية وسيكولوجية؛ فالراوي يطرد من عمله لانضمامه لقوى المعارضة في انتخابات البرلمان، ومدرس الرياضيات يطرد الطالب من الفصل لأنه لم يحضر أدوات الهندسة منها الفرجار والمثلث قائم الزاوية.

 

مسار الجنازة يعيد الزمن القهقرى بأسلوب “الفلاش باك”، السرد هادئ وحزين، الاسم تحول إلى مشيرة، لكن الأحداث هي نفسها لم تتغير. بداية هادئة تثير الشجن:"البنت مشيرة أم ضفيرتين صغيرتين سارحتين على الظهر ماتت اليوم. مشيت في الجنازة البسيطة، وكان قلبي يبكي، ووجهها يلوح لي طول المسافة الممتدة من جامع البحر التي خرج منها جثمانها وحتى قرافة الست الوالدة قرب تعاليق شيحة ".

 

واستطرد: طول مدة سير الجنازة يستدعي الراوي الذكريات التي تنثال بروية مع نبرة شجية وآسرة. وأسماء الأماكن هي نفسها في الواقع دون تبديل، فمعالم المدينة الحرفية تظهر مع سير المشيعين وثمة تفصيلات تخص العلاقة الأسرية وأيضا الوضع السياسي في زمن السبعينيات:" لم أفهم مطلقا لماذا نركز بسن الفرجال على المركز، وندور بقوس واسع يصنع هذا المحيط المنحني ؟".

 

شخصية الراوي الطفل تبدو متأملة، متألمة، راسخ داخلها حزن أبدي له طابع وجودي، والولد نفسه له فلسفته الخاصة بالرغم من صغر سنه لكنها جينات التمرد التي جعلته ينحاز إلى فكرة الخروج عن النمط.

 

يشير النص إلى عمل الولد في ورش الأثاث وحمل أطقم السفرة والسير في شوارع المدينة بينما كانت البنت تلعب "الأونة" وهو يزحزح الكراسي من فوق عنقه ليمحو خط الطباشير.

 

وقال: تلك الوصاية الذكورية المبكرة تكشف عن العلاقة بين الطفل والطفلة غير أن البراءة تبدو من الأفعال لا الأقوال، يعود إلى بيت الخالة وهو يبحث عن علاج لسعال الصدر فيبحث عن قشر الرمان حتى يغليه ويشربه باردا.

 

إن فعل الموت هو الإطار، لكن النص ينتصر للحياة بكل ما فيها من إشكاليات. هذا السرد المؤطر بالحزن يكشف عن مصر زمن السبعينيات حيث العلاقات القديمة تتفسخ، ورياح الانفتاح تعصف بكل شيء في المدينة: "وضعت رأسي على كتف خالتي التي ماتت من ربع قرن مضى. قالت لي، وهي تنخرط في نحيب مؤثر: لقد سبقتك إلى هناك. أنا جهزت لها الارائك ".