رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائى العراقى النرويجى محمد سيف المفتى: «رقصة داكنة» تكشف أسرار احتلال إرهابيو «داعش» مدينة الموصل

الكاتب العراقى النرويجى
الكاتب العراقى النرويجى محمد سيف المفتى

يشارك الكاتب العراقى النرويجى محمد سيف المفتى، فى الدورة الـ٥٥ من معرض القاهرة الدولى للكتاب، برواية «رقصة داكنة»، التى تحكى أحداثًا حقيقية عن سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابى على بلده الموصل.. والرواية مكتوبة باللغة النرويجية وجرت ترجمتها للعربية.

يقول «المفتى»، فى حواره مع «الدستور»، إنه خرج من العراق ووصل النرويج عام ١٩٩٧، وفى العام ٢٠١٤ عندما احتل تنظيم داعش مدينة الموصل، عاد إلى وطنه بعد علمه باختطاف ابنتىّ شقيقته، وهناك رأى الكثير من الأحداث التى رأى ضرورة أن يجرى توثيقها، كما يتطرق لأسباب تحول شاب مؤمن بالسلام إلى إرهابى فى أفغانستان.

■ بداية.. ما رأيك فى الدورة الحالية من معرض القاهرة الدولى للكتاب؟

- هذه الدورة من معرض القاهرة للكتاب رائعة وتليق باسم مصر، وأسعدتنى استضافة الوفد النرويجى، رأيتها لفتة جميلة؛ وكأنه تقدير لكل ما قدمته النرويج من مشروعات ثقافية.

من النرويج جئنا حاملين الحلم، ونتمنى بناء أواصر ثقافية وإنسانية مشتركة، فالثقافة لغة حوار، ونأمل فى أن نعزز هذه اللغة، وأن ننجح فى صناعة حوار بين الكتاب والمترجمين ودور النشر على الجانبين، شكرًا لمصر ولمعرض القاهرة للكتاب.

■ كيف تبدأ روايتك «رقصة داكنة»؟

- الرواية تبدأ فى يوم جميل بالنرويج، وقت الغروب، حين تكون الشمس على يمينك والقمر على يسارك.. نخرج فى الشوارع نحتفل بالموسيقى وتكون الأجواء فى غاية الجمال، ثم أفاجأ بخبر عجيب يصلح ليكون مادة سمجة بوقوع مدينتى «الموصل» فى يد تنظيم «داعش» الإرهابى وتهجير سكانها.. وهذا يعنى أن عائلتى من بين المهجرين. بعد ٢٠ يومًا من سماع هذا الخبر عدت للعراق عن طريق تركيا، والطائرة من النرويج إلى تركيا كانت فارغة تقريبًا، فلم يكن فيها سوى أنا وزوجتى وكأنها طائرة خاصة. وعندما وصلنا فى النهاية إلى مطار بغداد كان يشبه مطار كابول، فقط كان هناك زحام كبير من مواطنين يحاولون الفرار. أتذكر أن الشرطة العراقية استوقفتنا فى المطار، فقد شعروا بالريبة حينما رأونى أنا وزوجتى، فقد كان كل أهل المدينة يهربون، ونحن فقط القادمون للمدينة المنكوبة.. سألنى الضابط عن سبب الزيارة، وإن كنت أتمتع بكامل قواى العقلية، وكانت عائلتى هناك فى صدمة كبيرة، ولا أستطيع التواصل معهم.. هكذا تبدأ الرواية.

■  هل أحداث الرواية حقيقية؟

- نعم.. فقد جرى خطف ابنتىّ شقيقتى، ولم نكن نعلم شيئًا عن مصيرهما.

■ لماذا كتبت الرواية بالنرويجية رغم أن العربية لغتك الأم؟

- لأن اللغة النرويجية أتاحت لى قدرًا أكبر من حرية التعبير والكتابة.. فى أحد الأيام كنت أساعد فى توزيع مساعدات غذائية فى أحد المخيمات للمهجرين، وكان هناك شخص على كرسى متحرك ويرتدى ملابس خفيفة. كنت أراقبه، وخلال ساعتين قررت أن أذهب إليه وأسأله إن كان يحتاج إلى مساعدة، فقال لى: «أنت لا تستطيع مساعدتى»، كان يريد قضاء حاجته ويشعر بضيق شديد، لأنه لا يستطيع فعل ذلك وهو على كرسيه. بعد ذلك صعدت حافلة، كانت تقل نساء، سمحن لى بالركوب معهن، بينما كانت عائلتى فى حافلة أخرى، وعندما عدت للبيت بدأت فى الكتابة، لكننى تذكرت المشاهد الجميلة فى النرويج، لذا بدأت كتابة الرواية بها، وباللغة النرويجية.

■ لماذا تحول بطل روايتك «نشوان» إلى إرهابى فى أفغانستان؟

- فى ثمانينيات القرن الماضى، كان «نشوان» مؤمنًا مثلى بأن الوقوف فى وجه النظام الديكتاتورى خير جهاد، وذلك بالضبط فى الوقت الذى افتتحت فيه مكاتب الجهاد الأفغانى، وجرى تسهيل سفر من كانوا يعتقدون أنهم مجاهدون، إلى أفغانستان، بمباركة معظم دول الجوار.

حينما سمع «نشوان» أن أحد معارفه قرر السفر إلى أفغانستان للجهاد، هرع إليه وأقنعه بالعدول عن هذا القرار، وبعد ذلك نجح فى إبعاد الكثير من الشباب عن طريق الإرهاب قبل فوات الأوان.

بالتزامن، كان جهاد الشباب داخليًا فى العراق غير قانونى، وكانوا يكتبون شعارات مناوئة للنظام على الجدران ويوزعون المنشورات.. هذه النشاطات كانت كفيلة بأن تقتلهم، خاصة فى الموصل، المدينة التى كانت تؤيد النظام ولم يكن فيها مكان للاختباء، فلا مغارات فى الجبال مثل باقى مدن الجنوب والشمال فى العراق.

وفى أحد أيام التسعينيات حدث ما كنا نخشاه؛ إذ كنت فى بغداد عندما اتصل بى صديق محذرًا من العودة إلى الموصل، لأن أمرًا بإلقاء القبض على «نشوان» قد صدر، وتمكن هو من الهرب من بيته فى اللحظات الأخيرة قبل مداهمته من قبل قوات الأمن التى بحثت عنه فى كل أركان المدينة، بعد أن ترك وراءه أدلة دامغة تثبت نشاطه المناوئ لنظام الحكم، وتم إلقاء القبض على والده وعلى صديق آخر، وبقيت كلمات هذا الصديق تؤرقنى: «إياك أن تعود إلى الموصل فى هذه الفترة».

بقيت بعيدًا عن الموصل حتى هدأت الأمور وعدت إليها بعد أشهر، وأبلغنى الأصدقاء بأنهم لا يعلمون ما حل بصديقنا، إلا أننى سمعت بعد عام أنه قد وصل إلى أفغانستان، ذلك المكان الذى كان يحذر الشباب من الرحيل إليه.

وفى عام ١٩٩٧ غادرت العراق باحثًا عن ملاذ آمن، لم أكن أعلم إلى أين أتجه، ثم وصلت للنرويج، وأتقنت اللغة سريعًا، ودخلت معترك الحياة لكى أعوض ما خسرته. وفى عام ٢٠٠٦، وبينما كنت جالسًا فى بيتى أتابع الأخبار بعيدًا عن بلدى بآلاف الأميال، ظهر أمامى خبر مفاده أن السلطات التركية تمكنت من إلقاء القبض على عبدالهادى العراقى، الذى يعتبر الذراع اليمنى لأسامة بن لادن. رن جوالى وكان المتصل صديقًا مقربًا، وأبلغنى بأن عبدالهادى العراقى هذا هو «نشوان» صديقنا، وهنا كان الاندهاش، وتساءلت: كيف يمكن أن يتحول من مدافع عن السلام إلى إرهابى ينشر الرعب فى هذا العالم؟

بدأت بعدها فى البحث حول قضيته، وكيف يمكن لإنسان يرفض حمل السلاح ويؤمن بالسلام أن يتحول خلال فترة قصيرة إلى شخصية راديكالية متطرفة، وتوصلت خلال السنوات التالية إلى فهم بعض التفاصيل عن حياته وسفرته، ولكن بقى كثير من الظروف ألغازًا لها شفرات معرفية بعيدة عن المفاهيم العامة لا يمكن حلها بسهولة.

■ لماذا توقفت عن العمل خلال كتابة الرواية؟ وما الذى دفعك للعودة واستكمالها؟

- بعد أن أعدت الكتابة للمرة الثالثة شعرت بالتعب، خاصة أنه كتاب ضخم، يضم ٤٥٠ صفحة، وعندما رجعت للموصل، قابلت صديقًا يملك مخزنًا، ولديه عامل مهتم بمعرفة وحصر عدد الناس الذين قتلوا فى الموصل، ودفنوا فى إحدى الحفر فى المدينة جماعيًا، هذا العامل أحصى ٢٠٥٠ شخصًا دفنوا فى هذه الحفرة وحدها، وعلى جدران مخزن هذا الصديق كان العامل يسجل الأعداد.. شعرت بأن ما أراه ليس مجرد أرقام، بل آباء وأمهات وأبناء، لذا قررت أن أكمل من أجل أرواح هؤلاء الناس.. وأرى أن الإشكالية ليست فيما حدث فى الموصل، بل فى تعامل العالم مع الأحداث هناك.

■ كيف تؤثر الحرب على الإنسان داخليًا؟ 

- أعتقد أن الإنسان يتصرف وفق طبيعته، وهناك قصة مررت بها علمتنى الكثير؛ ففى أثناء فترة تحرير الموصل كانت هناك مشكلة فى جهاز غسل الكلى بمستشفى مدينة الموصل، وكنت أعمل مع الناس هناك لتحسين الجهاز، وتوفير آخر من خلال المنظمة التى أعمل بها، وهناك صديق لى من المدينة أخبرنى بأن شقيقه يحتاج لغسيل الكلى، لكن الوصول للمستشفى العام كان أمرًا شديد الصعوبة، وحتى بعد الوصول إليه لا يستطيع البقاء على جهاز الغسيل أكثر من ساعة، رغم أنه يحتاج للبقاء عليه لثلاث ساعات. طلب منى محاولة البحث عن جهاز، وبعد ٥ أيام رن هاتفى ليسأل عن التطورات، فاعتذرت وقلت إننى لم أصل بعد لنتيجة، وبعد أسبوع وصل الجهاز للحمدانية، فاتصلت بهذا الصديق لأخبره بوصول الجهاز، لكن القدر سبقنى ومات المريض.