رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد إسماعيل: لم أصادف بعد شخصية روائية تملى إرادتها على الحياة

الروائي محمد إسماعيل
الروائي محمد إسماعيل

في الحكاية/ الرواية، عوالم وحيوات، بشر وحجر، وشخصيات/  شخصية روائية، خلقها مبدعوها، منهم من ينجح في أن يجعل شخصيته الروائية من لحم ودم حتي وأننا ــ خلال التلقي ــ نكاد نستشعر وجودها المادي بحواسنا جميعًا.

الشخصية الروائية قد تتمرد علي خالقها وتتأخد مصائرها بنفسها، وترسم دروبها بمفردها، ومنها المذعن من يرضخ لــ"ألاعيب السرد والحبكة" فتكون حياته خيوط عرائس ماريونيت يحركها المبدع كما يشاء.

وبين هذه الشخصيات ومبدعيها/ خالقيها، نقدم لكم في "الدستور" هذه السلسلة من الشخصيات الروائية، يتحدث عنها مبدعوها، كيف خلقوها، خلفيات هذه الشخصيات الاجتماعية والتاريخية، وهل الشكل الأخير الذي وصلت لنا بهذه هذه الشخصيات، هو نفسه الذي خلقه مبدعها في المبتدا، وغيرها في هذه الزاوية.

 

الروائي محمد إسماعيل لم أصادف بعد شخصية روائية تملي إرادتها على الحياة

 

ويكمل "إسماعيل" حديثه عن شخصية روائية، مشيرًا إلي: أتم اليوم عامي الثامن ككاتب وربما كانت تلك مناسبة تستحق الاحتفال. نعم تأخر النشر لأربع سنوات لكن عقدي الأول موقع بتاريخ 2016 مما يعني انتقالي من مرحلة الهواية إلى الغواية ولهذا استغل الفرصة لأريكم القليل مما أخفي في جراب الحواديت.

ثمانية أعوام كانت حصيلتها أربع روايات عشت في عوالمهم مع أكثر من خمسين شخصية روائية افتراضية بين أبطال وأشرار، مؤثرين وهامشيين، رجال ونساء وطفلة، كانوا أقرب أصدقائي وقت كنت في معيتهم حتى تباعدنا وصرنا نتبادل الأخبار عن بعد. أطمئنهم على إخوة لهم لمّا يلحقوا بهم أنسجهم في رأسي، ويأتوني على صورة مراجعات ليخبروني بأنهم ما زالوا أحياء عندكم يُذكَرون.

من بين كل هؤلاء يظل "محسن" مدرس اللغة العربية من "باب الزوار" الأعقد والأصعب لانتمائه بالكلية لدنيا الخيال. فبينما يمكنك مقابلة شخصيات شبيهة بالآخرين في الصين وفي مصر والجزائر، لن تجد مصريًا وسط العشرية السوداء سواه.

ويضيف "إسماعيل" حول شخصية روائية: ينقسم مصريو الجزائر لفريقين، الأول هو مدرسي اللغة العربية الذين ذهبوا مع الاستقلال وعادوا مع الإرهاب، والثاني الذي أنتمي إليه يتكون من مهندسي الاتصالات الذين ذهبوا في أواخر التسعينيات مع بدايات الإنترنت والمحمول فمنهم من عاد ومنهم من ينتظر. 

وحده "محسن" هو من صنع عالمه الخاص جدًا وبقى، حيث مد جذوره وإن تركته الفروع. كل أفعال الآخرين تتماشى مع واقعهم إلا هو، فعالمه الخاص هو من يفرض عليه ما يفعل وكيف يفكر.

 ولد في إحدى قرى دلتا النيل في أربعينيات القرن الماضي، عمل كمدرس لغة عربية حتى استقلت الجزائر وبدأت في طلب معلمين من مصر وسوريا. تردد كثيرًا في الذهاب، بلد لا يعرف عنه شيئًا يناديه وهو ابن القرية التي تختلط كل عائلاتها نسبًا وصهرًا، لا يجهل من قاطنيها شيخًا ولا وليد. رشحت له أمه "سناء" ليتمم نصف دينه ففعل، لم يكمل زواجه عامه الأول حتى جاءته تلك الإعارة. (رزق الزيجة) كما عبرت امرأته فرحة فيما استقبلت أمه الخبر بكدر وريبة لم تحاول إخفاءهما.

استخار الله وسافر وبقدر معاناته في التخاطب مع الجزائريين شعر بإكبارهم لعلمه ولتبحره في اللغة العربية. وإذا بمن كان يرجو الستر والصحة يعامل معاملة النوابغ فسبحان مغير الأحوال.

تتعقد الأمور مع بداية العشرية السوداء، المصريون ينسلون عائدين لبلادهم وهو لا يرى له غير الجزائر موطًنا. ترقياته في مصر مؤجلة وإن رجع يبدأ من الصفر. حتى قريته اختلفت وتركيبتها السكانية لم تعد كما تركها، الاختيار ليس سهلًا لكنه آثر البقاء ودعمت زوجته قراره.

حتى عندما تركته "سناء" ليعود وحده للحرب لم يفكر مرتين بينها وبين وطنه المختار. وكذا توالت اختياراته منطلقة من قناعة قاحلة لم يعتنقها سواه فتأتي متسقة معه مختلفة عن الآخرين.

طبعا وددت لو أخبركم بأن شخصية مثله صعبة المراس كانت هي التي تصنع مصيرها وتختار أفعالها وما على إلا طاعتها. أعتذر إن كان الواقع أقل رومانسية مما يقال، لكني لم أصادف بعد شخصية حقيقية تملي إرادتها على الحياة، فكيف للخيال أن يبلغ هذا الكمال؟ نعم قد تتغير النهايات المرسومة مع تطور الأحداث، لكن أن يخرج البطل من بين السطور ليكتب هو بدلًا مني فهذا لم يحدث حتى الآن.

واختتم "إسماعيل" عن شخصية روائية لافتًا إلي: في الحقيقة أنا لم أحدثكم عن أغرب أصدقائي اليوم كما وعدت. فهناك شخص أخفيت تاريخه وغرابته عنكم عامدًا لأنكم لم تلتقوا به بعد، هو يعرفكم وينتظر مقابلتكم خلال أيام. قد أكتب لكم عنه يوم ما هو وباقي الورثة، ورثة قارون.