رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شخصيات روائية 1

معرض الكتاب| خالد إسماعيل: "سعيد جوهر" مثقف قتله تمرده الفردى

خالد إسماعيل
خالد إسماعيل

شخصيات روائية. منذ إنسان الكهوف الأول، وفن الحكاية، زاده الخيالي والمعرفي، فيه يبدع ويخلق عوالم هي خليط ما بين واقعه وبين ما يحلم أن يكونه، حتي أنه سجل هذه الحكايات منقوشة قبل أن ينطق باللغة أو يعرف الكتابة، كرسومات كهوف "ألتاميرا" والتي تعود إلي العصر الحجري القديم والذي يمتد لأكثر من 40 ألف سنة. 

وحتي بعدما انتقل الإنسان من مرحلة الحياة داخل الكهوف ونزل من فوق الأشجار مودعا مرحلة الجمع والالتقاط، ليعرف لأول مرة الاستقرار بجانب مجاري الأنهار ويتعلم الزراعة فينشأ الحضارة، كما في الحضارات المصرية والصينية وحضارة ما بين النهرين. كان أيضا للحكاية نصيبها الأكبر من حياة أصحاب وبناة هذه الحضارات، تركوها خلفهم سجلا وتأكيدا بأنهم عاشوا وكانوا هنا، تركوا حكاياتهم من خلال آثارهم، فبلا أثر لا توجد حكاية.

في الرواية عوالم وحيوات، بشر وحجر، وشخصيات روائية، خلقها مبدعيها، منهم من ينجح في أن يجعل شخصيته الروائية من لحم ودم حتي وأننا ــ خلال التلقي ــ نكاد نستشعر وجودها المادي بحواسنا جميعا. 

الشخصية الروائية قد تتمرد علي خالقها وتأخد مصائرها بنفسها، وترسم دروبها بمفردها، ومنها المذعن من يرضخ لــ “ألاعيب السرد والحبكة” فتكون حياته خيوط عرائس ماريونيت يحركها المبدع كما يشاء.

وبين هذه الــ شخصيات روائية ومبدعيها، نقدم لكم في هذه السلسلة من الــ شخصيات الروائية، يتحدث عنها مبدعيها، كيف خلقوها، خلفيات هذه الشخصيات الاجتماعية والتاريخية، وهل الشكل الأخير الذي وصلت لنا بهذه هذه الشخصيات، هو نفسه الذي خلقه مبدعها في المبتدا، وغيرها في هذه الزاوية الأسبوعية.   

وفي أولي هذه الحلقات، يحدثنا الكاتب الروائي خالد إسماعيل، عن أحدث شخصياته الروائية، “سعيد جوهر” في روايته ــ قيد النشر ــ “أبو القمصان”، عن دار ميريت.

شخصيات روائية 1

 

خالد إسماعيل: "سعيد جوهر" فى روايتى "أبوالقمصان".. مثقف قتله تمرده الفردى

 

خلال شهور قليلة تصدر روايتى "أبوالقمصان" ـ عن دار ميريت ـ وتدورأحداثها فى بيئة شرق القاهرة و"نجع همام " فى جنوب الصعيد، وترصد حياة عائلة تنتمى إلى "الرقيق" أو الشريحة التى تسمى "العبيد" وهى شريحة من البشر المساكين الذين أوقعتهم الظروف فى قبضة تجار الرقيق، وتم بيعهم فى أسواق كانت موجودة فى أسيوط وأسوان ومدن أخرى، وظلت هذه الشريحة خاضعة للاستعباد من جانب العربان الذين استعانوا بهم فى زراعة الأراضى التى حصلوا عليها من الدولة العثمانية أو من محمدعلى  بقصد توطينهم والحصول على دعمهم العسكرى فى حروب الجيش الذى شكله وقصد منه تأسيس إمبراطورية.

وتابع “إسماعيل” في تصريحات لـ “الدستور” حول شخصيات روائية:  نتج عن هذه التحولات السياسية، وجود شريحة من البشر، فقراء يسكنون فى بيوت "السادة" ويتزاوجون فى ما بينهم، ويخدمون ويعملون وينادون السادة بلقب "سيدى للرجال وستى للسيدات"، وحدث أن طلب "عطوان الهلالى " من عبيده "أبوالقمصان وإخوته" أن يقتلوا خصما له من قبيلة أخرى، وقتلوه بالفعل، وتمرد "أبوالقمصان" على هذه "العبودية" التى جعلت منه القاتل والخادم المهان، وهرب إلى "بنى سويف " ومعه زوجته "مراسيلة فرج الله" وأقام عند شقيقة زوجته "أم الخير". 

ومن بنى سويف انتقل إلى القاهرة والتحق بمصلحة السكة الحديد وأقام فى مسكن تابع للمصلحة فى الشرابية ومنها إلى حى شبرا حيث سكن سطوح عمارة يملكها مهندس حركة فى المصلحة.

أنجب "أبوالقمصان" من العيال ولدين "فرج،جوهر" وبنتين "بخيته وسعدية" وكانت الذرية من نصيب "الشيخ جوهر" الذى درس فى الأزهر الشريف وانتقل من شبرا  إلى الأميرية فى حى شرق القاهرة، و"بخيتة" التى تزوجت من شيخ ضرير يتكسب من قراءة القرآن على أرواح الموتى  فى مقابر البساتين وعاشت معه وخلفت له الأولاد والبنات. 

ويمضي خالد إسماعيل في حديثه عن “أبو القمصان”، ضمن سلسلة شخصيات روائية:  لكن "فرج أبوالقمصان" تطوع فى "سلاح الحدود" واستشهد فى حرب اليمن فى ستينيات القرن الماضى، و"سعدية أبوالقمصان" فاتها قطار الزواج، وكان من أبناء جوهر أبو القمصان المثقف المتمرد "سعيد جوهر" الذى كان شاعرا، ورافضا الرؤى السلفية التى يطرحها الوالد، وترك بيت العائلة بعد محاولة من جانب والده لتزويجه ابنة شيخ صديق له يمتلك الثروة الطائلة.

أقام “سعيد” عند صديق له "يونس الهلالى " وهو من سادة جده القدامى "بنى هلال " فى جنوب الصعيد، ومن خلاله تعرف إلى صالون ثقافى يقيمه واحد من أساتذة الجامعة، وفى الصالون تعرف إلى "ناهد الصياد" الباحثة المتخصصة فى علم الأنثروبولوجيا، وحدث بينهما "الاستلطاف" الذى ظن "سعيد" أنه الحب، واندمج فى العلاقة وقدم الخدمات البحثية النظرية والميدانية التى مكنتها من الحصول على الماجستير والدكتوراه  فى موضوع "أصول الموسيقى لدى الجماعات الأفريقية فى الصعيد" وبالطبع، كان "سعيد" مفيدا لها فى عملها الأكاديمى بحكم انتمائه إلى "عائلة عبيد أفارقة".

ولكن فى لحظة فارقة، اكتشف "سعيد" أن "ناهد الصياد" تعشق "يونس الهلالى" وأنها استخدمته واستنزفته طوال سنوات، فقرر الانتقام، وقتلها، وانتهى به تمرده الفردى نهاية مريرة، فأصبح سجينا فى "ليمان طره"، وانتهت أحلامه وانهارت حياته واكتفى بالسجن ومعايشة المساجين.

ويشدد “إسماعيل”: الحقيقة أن شخصية "سعيد جوهر" تولدت بداخلى من خلال سنوات حياتى فى الصعيد، وتعاطفى مع "العبيد" الذين فقدوا حريتهم فى ظروف غيرآدمية، وتحولوا إلى طائفة منبوذة اجتماعيا، وهذه ليست المرة الأولى من جانبى للتعبير عن مأساة هؤلاء الناس، سبق لى أن تناولت جانبا من حيواتهم فى روايتى الأولى "عقد الحزون ـ 1999".

واختتم: "فى اعتقادى أن "سعيد جوهر" مثقف قتله تمرده "الفردى " لأنه حاول الخلاص من "عار العبودية" دون أن يفكر فى "العائلة " التى عاش فى كنفها، ولم يفكر فى أسلوب جماعى للتخلص من الآثار الثقافية والإجتماعية  لجريمة "العبودية" فكانت نهايته المحزنة وانهيارأحلامه الأنانية خلف أسوار السجن".