رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تحولت مصر من السلام الاضطرارى إلى "البارد" بعد "كامب ديفيد"؟

توقيع اتفاقية كامب
توقيع اتفاقية كامب ديفيد

لم يكن عام 1977م كمثل الأعوام التي مرت على الشعب المصري، الذي ذاق لذة الانتصار في حرب 6 أكتوبر 1973م، ولكن ورغم التقدم الذي أحرزته القوات المصرية في ساحة الحرب إلا أن المواجهات لم تكن مع إسرائيل فقط، إنما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الحرب، حيث أمدت إسرائيل بجسر جوي لإعادة تسليح نفسها بعد الخسائر التي لحقت بها في حربها مع مصر.

السادات وخطابه التاريخي

وفي نوفمبر 1977م، وخلال افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المصري، ألقى الرئيس السادات كلمته، إلا أنها هبطت كالصاعقة على مستمعيها، فقال: "ستُدهش إسرائيل، حينما تسمعني الآن أقول أمامكم، إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته"، وهنا أصيب الجميع بالذهول، فما بين عدم تصديق لتلك الكلمات، وما بين تصفيق حار، لكن اتفق الجميع على أنه من المستحيل أن يقصد السادات عقد سلام مع إسرائيل، فقد كان أمرًا مفاجئًا، وكانت له خسائره إلا أنه بمرور الزمن اكتشف الجميع أن تلك الخطوة كانت تنم عن ذكاء وحنكة سياسية.

وعنها، كتب السفير إسماعيل فهمي، وزير الخارجية آنذاك، في مذكراته، أن الرئيس رأى في السلام وسيلة لحقن دماء أبنائه من الجنود.

السادات في البرلمان المصري

وفعلًا، بعد عام تقريبًا من هذا الخطاب، تحديدًا في سبتمبر 1978م، ذهب الرئيس السادات في رحلة تاريخية إلى إسرائيل ثم إلى الولايات المتحدة للتوقيع على وثيقة كامب ديفيد المُمَهِدة لمعاهدة السلام الشامل مع إسرائيل، التي وُقعت في مارس 1979، وبموجبها بدأ انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من سيناء، كما بدأت في الوقت نفسه مرحلة جديدة في التعامل مع العدو.

اغتيال السادات

وقُبيل التوقيع، كان الرئيس مستغرقًا في أفكاره، متخيلًا السلام العادل الذي سيعم في المنطقة بعد عقود من الصراع، وانتهاء أزمات الحرب في المنطقة العربية مع العدو الصهيوني، لكن ما لم يتوقعه هو أن يلقى حتفه برصاصة بعد عامين فقط من توقيع معاهدة السلام، وذلك في أكتوبر 1981م.

حادثة المنصة

التحول من السلام الاضطراري إلى البارد

وبحسب تقرير صادر عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في أكتوبر 2013م، فإنه يرى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تحولت من السلام الاضطراري (توقيع معاهدة كامب ديفيد) إلى السلام البارد، والذي عرّفه التقرير بأنه التحول إلى السلام الصوري أو الورقي، أما الشعب المصري على المستويين المؤسسي والشعبي فما زالت مشاعرهم متأججة ضد الكيان الصهيوني، ويرفضون التطبيع معه، حيث لم تتحقق الروابط الحميمة والتعاون الوثيق الذي كان يأمل فيه الكثيرون.

وبحسب التقرير، فخلال فترة حكم الرئيس السادات وخليفته حسني مبارك، شهد القطاع العام المصري حملة مقاطعة واسعة النطاق للشركات الإسرائيلية، حيث تم منعها من الفوز بمناقصات وتفويضات العمل الحكومي، كما فرضت النقابات ولجان مقاومة التطبيع قيودًا صارمة على تطور العلاقات الثنائية، وتصاعدت الحملات الإعلامية والفنية التي تصوّر إسرائيل كعدو أول لمصر، مما أدى إلى تعزيز المشاعر العدائية بين الشعبين.

وتأجج الوضع بشكل أكبر مع بداية الثمانينات، حيث بدأت العلاقات المصرية الإسرائيلية بالتدهور تدريجيًا بسبب الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم وجود أفق لحل القضية الفلسطينية، وكانت الضربة القاصمة عندما قامت إسرائيل بغزو لبنان عام 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا بحق اللاجئين الفلسطينيين.

ونُفذت مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982 على يد مجموعات من حزب الكتائب وجيش لبنان الجنوبي بمساعدة إسرائيلية، حيث حاصر الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون وإيتان المخيم وأضاءه ليلًا بالقنابل المضيئة، لمنع هروب أي شخص وعزل المخيَّمَيْن عن العالم، وقُتل عدد بين 750 و3500 مدني فلسطيني ولبناني بطرق وحشية، واستمرت المجزرة 3 أيام، ونشرت وسائل الإعلام مشاهد مروعة، وأثارت المجزرة غضبًا عارمًا في العالم العربي، ودفعت دولًا عربية لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل.

مجزرة صبرا وشاتيلا

ومع تولي الرئيس حسني مبارك الحكم في مصر، استمرت سياسة السلام البارد مع إسرائيل، حيث اقتصر التعاون على المستوى الأمني في سيناء فقط، والتي نصت اتفاقية كامب ديفيد فيها على تحديد عدد وتسليح القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء، التي قُسمت إلى 3 مناطق، هي "أ" و"ب" و"ج"، بحيث تتواجد في المنطقة "ج" قوات شرطية فقط بها، إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، أيضًا تجمدت العلاقات السياسية والاقتصادية. 

وفي عام 2000م، أغلقت مصر مكتبها التمثيلي في تل أبيب احتجاجًا على فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بسبب إصرار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في أسباب المواجهات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تكون الأمم المتحدة مرجعيتها، بحيث تحدد مسئولية ما حدث في المجازر ضد الشعب الفلسطيني وتوفير حماية دولية له، وتلك المجازر كانت قد شملت مقتل الطفل محمد الدُرّة وهو محتمي داخل أحضان والده.

الطفل محمد الدُرة في أحضان والده

وما زالت الأحداث بين الطرفين كثيرة، رغم مرور العديد من السنوات على توقيع اتفاقية كامب ديفيد، التي أمل السادات من خلالها أن يعم السلام في المنطقة العربية بأكملها، إلا أن إسرائيل لم تسعَ لنفس الهدف، وهكذا تحول السلام بين البلدين من سلام اضطراري في ظل كامب ديفيد، إلى سلام بارد بعد تصاعد التوترات على خلفية القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.