رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكابوس الأبدى.. شهادات إسرائيلية حديثة عن حرب أكتوبر: «جحيم وصدمة.. ونتائجها مرعبة»

 حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

حروب إسرائيل كثيرة.. حرب ١٩٤٨، وحرب ١٩٦٧ التى يطلقون عليها اسم «حرب الأيام الستة»، و«حرب الاستنزاف»، وحتى حديثًا حروب لبنان وغزة، لكن هناك عندما يقولون كلمة «الحرب» دون إضافة، يفهم الجميع أن المقصود هو حرب أكتوبر ١٩٧٣. كلمة «الحرب» مرتبطة لدى الإسرائيليين بحرب واحدة فقط، هى «حرب يوم الغفران»، الاسم الذى يطلقونه على حرب السادس من أكتوبر، فأولئك الذين كانوا هناك، فوق رمال سيناء وعلى خط القناة، لن ينسوها أبدًا، والنشوة والخوف والخسارة التى شهدوها فى هذه المعارك، كلها أمور أعادت تشكيل وجه إسرائيل.

فى الذكرى الـ٥٠ لحرب أكتوبر، اهتم ساسة ومحللون ومشاركون فى الحرب داخل إسرائيل بإعادة رصد الأخطاء التى وقعوا فيها وأدت إلى هزيمتهم فى ٧٣، وجميعهم يحب العودة إلى الساعة الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر فى هذا العام، لمعرفة ما حدث وقتها.

«واللا»: «الحرب التى لا تنتهى أبدًا» فضحت فشلنا فى كل شىء 

بالنسبة للمحاربين القدامى فى إسرائيل، فإن «حرب يوم الغفران لم تنته حتى يومنا هذا»، وفق التقرير الذى نشره موقع «واللا» العبرى بعنوان: «الحرب التى لا تنتهى أبدًا»، وتناول مدى مسئولية القادة الإسرائيليين عن الفشل فى حرب أكتوبر.

وجاء فى التقرير أنه «خلال السنوات الماضية تم التركيز على الفشل الاستخباراتى، على اعتبار أنه السبب الوحيد لهزيمة إسرائيل فى الحرب، لكن ووفقًا لما تناوله العقيد الدكتور إيمانويل ويلد فى كتابه: (لعنة الأطباق المكسورة)، فإن الفشل لم يكن استخباراتيًا مثلما تردد».

وأضاف «ويلد» فى كتابه: «إسرائيل كانت على علم بالهجوم، وحتى لو كان التوقيت الدقيق للحرب هو الثانية بعد الظهر وليس السادسة مساءً، وحدث الأمر بشكل مفاجئ، إلا أنه كانت هناك فرصة لتعبئة ونقل القوات».

وواصل: «يوم الحرب كان من السهل العثور على معظم المجندين فى منازلهم، ولم تكن هناك الاختناقات المرورية المعتادة، والطرق كانت مفتوحة ومتاحة لنقل الأشخاص والمعدات إلى مختلف القطاعات».

واتفق مع هذه الفكرة تقرير آخر نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» بعنوان: «الذكرى الخمسون لحرب يوم الغفران»، قال فيه الكاتب: «إنه بعد مراجعة الوثائق التى نشرت حول الحرب على مر السنين، أدركت أن ما فعلته رئيسة الوزراء جولدا مائير مع جنرالاتها لم يكن مجرد إهمال، بل كان فشلًا فى تعبئة الاحتياط خلال الوقت المناسب، وعدم الاهتمام بالمعلومات التى تحدثت حول أن الحرب على وشك الاندلاع».

وأدان التقرير رفض جولدا مائير اقتراحًا بعقد مفاوضات سلام، قدمه الرئيس الراحل أنور السادات فى يناير ١٩٧٣، لرغبتها فى الاحتفاظ بسيناء، والتخطيط لبناء مستوطنة «ياميت» هناك، معتبرًا أنه «كان بالإمكان تجنب الحرب لو تمت هذه المفاوضات».

مصور: لا تُقارن بأى من الحروب.. وأدخلتنا جميعًا فى اضطراب

المصور الصحفى شبتاى تال هو واحد ممن أرخوا لحرب السادس من أكتوبر، ومن خلال قربه إلى قائد «الفرقة ١٤٣» وقتها، آرئيل شارون، تمكن من تصوير الحرب فى سيناء، وكيف كانت صدمة الجنرالات الإسرائيليين. وبعد مرور ٥٠ عامًا على الحرب، عرض «هتال» مجموعة من الصور النادرة عنها، فى «بيت سوكولوف» بمدينة تل أبيب، واصفًا إياها بأنها «تعكس عالمًا يبدو أسود أكثر من الأبيض»، وفق ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

ولم تكن حرب السادس من أكتوبر، أو «حرب يوم الغفران» بالنسبة للإسرائيليين، هى الحرب الأولى التى يغطيها «تال»، لكنها بالتأكيد كانت الأكثر أهمية بالنسبة له، ووقتها كان عمره ٣٥ عامًا، ويشغل منصب رئيس المكتب الإسرائيلى فى مجلة «شتيرن» الأسبوعية الألمانية المرموقة.

وعندما بدأت المعارك، تلقى المصور الإسرائيلى تعليمات من هامبورج بالتوجه إلى الجبهة، فانطلق ومعه كاميرا وسترة واقية، وهو ما تذكره بالتفصيل قائلًا: «لم أفكر فى الموت على الإطلاق».

وأضاف «تال» الذى كان يعود إلى تل أبيب كل بضعة أيام: «كنت أحمل الأفلام المتراكمة وأتنقل بها، وأتأكد من إرسالها إلى المكتب الرئيسى فى هامبورج. عندما تأتى إلى تل أبيب، تشعر بالصدمة لأنك أتيت للتو من الجحيم.. لقد سكرنا بالنصر بعد حرب الأيام الستة، ثم جاءت هذه الحرب بنتائجها المخيفة والمرعبة».

وعن معرضه للصور النادرة من حرب أكتوبر، قال المصور الصحفى: «هذا ليس معرضًا للنصر»، مضيفًا: «عندما سألونى لماذا لم أصور بالألوان؟ أجبت: كل شىء كان أبيض وأسود، الأسود أكثر من الأبيض».

وواصل: «لقد كان الأمر كئيبًا ومحبطًا، لدرجة أنه لم يخطر ببالى مطلقًا أن أصور بالألوان... طوال هذا الوقت، كانت الأفلام معى فى المنزل، ولم أفكر أبدًا فى نشرها، لكن مع الذكرى الخمسين للحرب وكل ما يحدث اليوم، اعتقدت أن الوقت قد حان».

وأكمل متذكرًا الحرب: «لا تقارن أى من الحروب التى غطيتها، بما فى ذلك حرب الأيام الستة، بما حدث فى حرب (يوم الغفران)، فالصدمة التى رأيناها أدخلت الجميع فى اضطراب».

 

مجند: أفقدتنا الثقة فى القادة

أما عوزى ديان، الذى شارك فى حرب أكتوبر، فقال فى الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر: «البلد كله كان يتألم، عندما دخلنا المعركة غير مستعدين ودون ذرة ثقة فى القيادة العليا، سواء السياسية أو العسكرية».

وأضاف «ديان» فى مقال بموقع «ميدا»: «شعرنا بأنهم لم يجهزونا للحرب الصحيحة، لذا انتهت الحرب بثمن باهظ للغاية: ٢٦٨٥ قتيلًا، نصفهم من رجال الدبابات، وربعهم من الضباط، إلى جانب ٧٥٠٠ جريح و٣٠١ أسير».

واستعرض فى المقال الذى حمل عنوان: «حرب يوم الغفران- بعد ٥٠ عامًا»، ما أسماه «الدروس من تلك الحرب» و«كيف غيرت شكل إسرائيل لاحقًا؟»، معتبرًا أن الدرس الأول هو أن المفاجأة الاستراتيجية التى جاءت على شكل هجوم مفاجئ منسق على جبهتى قناة السويس ومرتفعات الجولان، تسببت فى انهيار المفهوم الذى كان يتردد فى إسرائيل، حول أن مصر لن تهاجم أو تتحرك، لأنها لا تزال تعانى من آثار حرب ١٩٦٧، مشيرًا إلى أن الصحف العبرية كانت تغذى هذه الفكرة وتنشرها، إلى حد أن «علامات استعدادات الجيش المصرى للحرب تم تفسيرها على أنها تدريبات».

وواصل: «ما تعلمته إسرائيل أنه لا يوجد أخطر من الثقة المفرطة فى النفس، لذا أصبح الأمر المهم للغاية هو الاستعداد للحرب دائمًا وفقًا لقدرات العدو، وليس بحسب تقييمك لنواياه».

وأكمل «ديان»: «من ضمن الدروس الأخرى التى تعلمتها إسرائيل، هو ضرورة أن تكون قويًا وجاهزًا للمعركة بصفة مستمرة، إلى جانب الاستعانة بالحدود الدفاعية، بأن ترسم إسرائيل حدودًا واضحة مثل وادى الأردن».

ورأى ضرورة «الاستفادة من دروس أكتوبر فى الأزمات المعاصرة»، متابعًا: «ينبغى مثلًا منع إيران من الوصول إلى القدرة النووية، وهو التهديد الخطير، ومع عدم وجود فرصة لإيقافه من خلال اتفاق دون عقوبات، لا يتبقى سوى الخيار العسكرى، وكذلك محاربة العمليات الفلسطينية، والاستعداد للمعارك فى جبهتى الشمال والجنوب». كما حذر من «عدم تماسك المجتمع فى إسرائيل بسبب الأزمات الداخلية، وعلى رأسها خطة الإصلاح القضائى للحكومة الإسرائيلية، التى أعتبرها خطرًا كبيرًا، خاصة إذا ما علمنا أن المجتمع الإسرائيلى وقت الحرب كان أكثر تماسكًا».

وفى السياق ذاته، نشر موقع «واللا» تقريرًا عن «الدروس المستفادة من حرب أكتوبر»، اعتبر فيه أن «أهم درس سياسى واجتماعى مستفاد من حرب أكتوبر، هو أزمة الثقة التى سببتها الحرب».

وأضاف: «هذه الأزمة انتشرت فى التسلسل القيادى كله، فالجندى الذى يطلب منه إطلاق النار لا بد أن يكون واثقًا أن قائده يعرف أفضل، والقائد يجب أن يثق أن القيادة العليا تتخذ قرارات صحيحة وترى الصورة أكثر شمولًا، لكن ما سببته الحرب هو أن الجميع فقد الثقة فى القيادة».

قائد «الكتيبة 77»: ما زلت أتذكر الموتى.. كانوا يُقتلون بجوارى

تذكر أفيجدور كحالانى، قائد «الكتيبة ٧٧» خلال حرب أكتوبر، تفاصيل المعارك الصعبة التى واجهتها القوات الإسرائيلية أمام بسالة المصريين، خلال لقاء حديث مع أمبر بوحبوط، المحلل العسكرى لموقع «واللا».

وقال «كحالانى» فى هذا اللقاء: «العودة ٥٠ عامًا إلى الوراء صعبة، أتذكر المشاهد الصعبة التى عشناها، كنت وقتها أقول لنفسى: هذه هى الحرب التى ستخسر فيها إسرائيل، على عكس النشوة التى أعقبت حرب الأيام الستة».

وأضاف: «أصعب لحظاتى كانت عندما رأيت الموتى. أعرفهم كلهم بالاسم. يقف مقاتل بجوارى، وفجأة يصاب بقذيفة كان من الممكن أن تصيبنى».