رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية.. وأزمة تفجير الطائرة الروسية!


أشرت فى المقال السابق إلى أن تفجيرات باريس تعتبر من أكثر المتغـيرات تأثيـراً فى المعادلتين الدولية والإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط، إذ ستؤدى تفاعلاتها إلى إحداث كثير من التحولات الجذرية فى علاقات الفعـل ورد الفعـل بين القوى العالمية والإقليمية، وذكرت أنه إذا كان تنظيم داعش قد تمدد نفوذه، وتنامت مقدراته إلى الحد الذى أصبحت فيه الدول العـظمى والكبرى ليست بمنأى أو بمعـزل عن عملياته النوعـية، فقد أصبح العالم إزاء حرب عالمية ذات نمط جديد فى مواجهة هذا التنظيم.

أما وإن العالم قـد عـجز «متعـمدا» حتى الآن فى التوصل إلى تعـريف جامع مانـع متفق عـليـه لمفهوم الإرهاب، خشية أن ينطبق هذا التعـريف على ممارسات بعـض القوى العالمية والإقليمية من ناحية، ومن ناحية أخرى تُشير الانتقائية الشديدة بانتقاء تنظيم إرهابى واحد، يتمركز ويُمارس نشاطه فى منطقة محددة من بين المناطق والتنظيمات الإرهابية المتعـددة، فإذا كانت هذه القوى العالمية والعـظمى والإقليمية جادة حقا فى القضاء على هذا التنظيم بما تمتلكه من قدرات فكرية وقتالية وتكنولوجية هى الأكثر تفوقاً فى العالم، لقاموا ببناء تحالف يضم داخله قوة برية متفوقة «على غرار تحالف عاصفة الصحراء الذى لم تشهده البشرية من قبل»، لتم تصفية هذا التنظيم فى أيام معـدودات، مثلما تم مع جيش العـراق الذى كان يُعـد أقوى جيش فى منطقة الخليج آنذاك، بدلا من التحالف الجوى الذى تم بناؤه، والذى لا يحسم معركة ولا يمكنه السيطرة والتمسك بأرض، الأمر الذى يُشير إلى أن جميع هذه القوى لا ترغـب فى تصفية هذا التنظيم لاتخاذه ذريعـة لتحقيق أهدافها فى المنطقة من ناحية ثالثة.

إذن يُمكننا القول إننا إزاء تنظيم تم زرعه وتوطينه فى المنطقة، ليُحقق أهدافا محددة لقوى عالمية وإقليمية معـلومة، خاصة أن تفجيرات فرنسا قد سبقها تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، ولحقها إسقاط تركيا للطائرة الروسية (سوخوى 24) داخل الأراضى السورية المتاخمة لتركيا، فتأثر النشاط السياحى فى مصر الذى يُعـتبر رافداً رئيسياً لإجمالى الدخل المحلى لها، بعـد تقويض أفضل توقيت للموسم السياحى «عـطلة رأس السنة، وأعياد الميلاد المجيد للسيد المسيح، وعـطلة نصف السنة الدراسية»، بقيام رئيس الوزراء البريطانى والرئيس الأمريكى باستباق التحقيق وأعـلنا أن انفجار الطائرة جاء نتيجة عمل إرهابى، ثم أعلنت روسيا عن إيـقاف رحلاتها السياحية إلى مصر وتركيا، وإجلاء مواطنيها من شرم الشيخ (حوالى 80 ألف سائح)، وهو ما سيؤثر بالسلب فى شركاتها السياحية إلى حد إفلاس بعـضها، فضلا عن عدم رضا شريحة عريضة من المواطنين الروس الذين اعـتادوا الاستمتاع بأجازاتهم بهاتين الدولتين.

كما يُمكن القول أيضاً إننا إزاء حرب معـلوماتية استخباراتية مخطط لها بدقة، قائمة أساساً على التنصت والتلصص والتجسس، تُستخدم فيها الحرب الإلكترونية والرقمية، تهدف إلى إسقاط وتفتيت الدول بعـد أن تكون قد دمرت نفسها بنفسها «استراتيجية تدمير الذات»، تبدأ بتدمير البنى التحتية الأساسية على نحو عام، وثروتها العـقارية على نحو خاص لتشتيت شعـوبها حتى يتخلواعن أوطانهم ويكونوا مجموعة من اللاجئين، فاقدى الإنتماء والولاء لأوطانهم، حتى إذا عادوا لأوطانهم يوما حملوا معـهم شعـور الحقد والانتقام والكراهية، وقد بدأت الحرب المعلوماتية ضد الاتحاد السوفييتى السابق، حين جرته الولايات المتحدة إلى سباق تسلح يفوق كثيراً قدراته الاقتصادية، أدت إلى إحداث حالة من عدم الرضا بين مجتمعاتـه متعـددة الأعـراق والألوان والمذاهب والملل والنحل، التى استطاع يوما أن يجعلها تلتف حول معـتقده الجديد الذى بشر به ليُحقق الرفاهية والازدهار لها، وهكذا تركته الولايات المتحدة غارقاً إلى حد كبير فى حل مشكلاته الاقتصادية والعـرقية والانفصالية، ثم بدأت بتوطين الجماعات الإرهابية على حدوده «تنظيم طالبان، وتنظيمات إرهابية أخرى أطلقت عليها «المجاهدون» حتى إذا انقلب هؤلاء المجاهدون على الولايات المتحدة سمتهم «الإرهابيون» وقد تحول هؤلاء المجاهدون أو الإرهابيون أيا ما تدعـو الولايات المتحدة إلى تنظيم القاعـدة الإرهابى، بعـد أن نجحت فى تفكيك الاتحاد السوفييتى وجعـلته أنقاض دول وبقايا شعـوب، وأسقطت أنظمة دول حلف وارسو وضمتها إلى الاتحاد الأوروبى وإلى حلف الناتو.

فهل تدخل حادثة تفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، وإسقاط تركيا للقاذفة الروسية داخل حدود سوريا المتاخمة لحدودها، وتفجيرات فرنسا فى حيز حرب المعلومات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هى التى يمكنها تـدبيـر ذلك؟ وما أهدافها وكيف ومتى يُمكن أن تتحقق؟.. وهو ما سأتناوله فى الأسابيع القادمة بإذن الله.