رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة الأمة الفكرية


دعيت إلى مؤتمر بهذا العنوان، أزمة الأمة الإسلامية،وإعادة تقويم الحلول التقليدية، عقد المؤتمر فى يومى 6-7 أبريل فى الهند برعاية جامعة «عليكرة» الإسلامية فى منطقة «أوترابرادش» وقام بالدعوة والتنظيم، مركز ترقية وتطوير تقدم المسلمين تعليميًا وثقافيًا فى الهند إدارة البروفيسور راشد شاذ بالمعنى الحسن أى المتميز أو المتفرد بين القوم.

كانت الرحلة مرهقة لعدم وجود رحلات مباشرة إلى دلهى من مصر، وكانت الجلسات مكثفة جدًا لاستكمال دراسة جوانب الأزمة، حضر أساتذة وباحثون من جميع المذاهب الإسلامية، ولم يكن هناك إقصاء بسبب المذهب أو الموقف السياسى، فالموضوع يهم الجميع، والقاعات تضم سلفيين وصوفيين وسنة وشيعة وغيرهم، والموضوع يشغل الجميع، أثار خطاب الدعوة أربع نقاط كلها مهمة، النقطة الأولى: ما الإسلام ومن يتحدث باسم الإسلام، أما النقطة الثانية: فعن إمكانية عودة أمة الإسلام الواحدة، والنقطة الثالثة: تتناول موضوع التجديد «الإصلاح» أو ضرورة عمل تفسيرات جديدة. أما النقطة الرابعة فتحدثت عن أمل عريض، وأثارت شجون المشاركين. هل يمكن أن يقود المسلمون العالم فى المستقبل؟ كانت المداخلات عديدة، وتنم عن التنوع الثقافى والفكرى، والآمال العريضة تكاد تحرك الجميع. ولكن الأمر – كما اتفق الحضور- يحتاج إلى مزيد من الإنضاج، فهو مفتاح التقدم والخروج من التخلف.. حاولت جهدى فى تلخيص أهم أسباب الأزمة الفكرية، حسب فهمى وحسب الوقت المتاح، فوجدتها تتلخص فى خمس نقاط، كلها تتعلق بالتفكير خارج الصندوق بعيدًا عمن قالوا «إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا»، وفى الإطار نفسه الاستفادة من الصالح ولو كان قديمًا، «فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها».

النقطة الأولى، تتمثل فى ضعف الوقت والجهد والمال المخصص للتفكير، حيث لا توجد مراكز دراسية تختص بهذا الأمر، وهو أمر جليل، مما جعل الأمة تستسهل أن تستورد، فهذا أيسر من البحث والدراسة والتصدير، حتى استوردت السلاح، وظنت أنها يمكن أن تستخدمه لمواجهة كل التحديات.

والنقطة الثانية: أننا نحمل فوق أكتافنا أكثر مما نستطيع أن نحمل «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، نحمل باسم الجهاد قضية فلسطين والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال، وهناك من يئن تحت هذه القضايا وبسببها، ولكنه – ومع هذا - يبحث عن الدخول فى قضايا أخرى علىالطريقة الداعشية.

أما النقطة الثالثة، فتتمثل فى جهاد الوقت أو العصر وقد أهملناه، ذلك الذى أراه فى الخروج من التخلف بكل معانى الكلمة. فكما يقول ابن الجوزى فى صيد الخاطر «ينبغى لمن كان له أنفة أن يأنف من التقصير الممكن دفعه عن النفس... ولو كانت النبوة تنال بالاجتهاد لعد المرء مقصرًا إذا قنع بالولاية»، وفى هذا يقول ابن القيم أيضًا ينبغى للمسافر «طبعًا إلى الله والتقدم» أن تكون له همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه».

أما النقطة الرابعة: فهى عن مفهوم العبادة فى الإسلام، إذ يراه بعضهم فى الفروض فحسب، ويهمل بذلك عمارة الأرض، ولكن العبادة نوعان، عبادة دينية وهى الفروض وما يتعلق بها وبأدائها، وعبادة كونية كما قال ابن تيمية، تتمثل فى أن يعرف المسلم أسرار الكون المحيطة به، فأين الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامى والحركات الإسلامية، والشعوب الإسلامية من هذا المفهوم؟

والنقطة الأخيرة التى طرحتها فى إطار مؤتمر « أزمة الأمة الإسلامية الفكرية» فهى عن النموذج الذى ينبغى أن يقدمه المسلمون للعالم، هذا النموذج الذى يجب أن نشتقه من قوله تعالى عن المصطفى صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّه ِبِإِذْنِه ِوَسِرَاجًا مُّنِيرًا»، أتمنى أن نشهد هذا النموذج قريبًا، وأن يكون كل منا أو معظمنا سراجًا منيرًا فينير حيث كان، ولا يمكن أن ينير إلا بالقيم والعمل بعد العقيدة.