رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهل الشتات.. متمسكون بـ«حلم العودة» إلى أراضينا مهما طال زمن الاستعمار

أهل الشتات
أهل الشتات

مع استمرار المآسى فى غزة والضفة والقدس، ما زال «حلم العودة»، يراود الفلسطينيين المهجرين من أراضيهم منذ عام ١٩٤٨، وأبناءهم وأحفادهم، الذين يعلنون كل يوم عن تمسكهم بأرضهم، فى مواجهة محتل غاصب، لا يزال يروى أرضهم الطاهرة بدمائهم الذكية، وسط صمت دولى وتواطؤ من العالم المتحضر.

وحول تمسك الفلسطينيين فى الشتات بأراضيهم وحلمهم فى تأسيس دولتهم والعودة إليها، تواصلت «الدستور» مع عدد من الأُسر الفلسطينية التى تهجرت منذ عام ١٩٤٨، سواء إلى مخيمات اللجوء فى الداخل فى قطاع غزة والضفة الغربية، أو فى الخارج، فى مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق، لتتذكر معهم مآسى النكبة، وتكشف حقيقة تمسكهم بأرضهم، التى يحاول الاحتلال الإسرائيلى منذ عقود قضمها قطعة قطعة، بالتزامن مع حرب الإبادة التى يتعرض لها ذووهم حاليًا داخل القطاع.

محمد اسبيته: مصر منحتنا أكثر مما نريد.. ودماء الأبرياء فى غزة ستجعل الأجيال الجديدة أكثر شراسة

عاش القبطان محمد اسبيته، القيادى فى حركة «فتح» ومستشار سلطة الموانئ الفلسطينية السابق، حياة من هاجروا من حيفا وبئر السبع والمجدل ويافا، وذهبوا إلى غزة والضفة الغربية، ثم مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق، فاللجوء الأول للفلسطينيين بعد انتهاء حرب عام ١٩٤٨ كان إلى غزة والضفة، وهناك من بقى منهم، فيما تهجر آخرون إلى الدول المجاورة.

وقال «اسبيته»: «بعد حرب ١٩٤٨ كان من نصيبى أكون من سكان غزة، وبقيت تحت الحكم المصرى، ولم أغادر غزة حتى بعد انتهاء حرب ١٩٦٧، وبعدها ذهبت إلى الكويت وإلى البحر لمدة ١٢ عامًا، قبل أن أستقر بمصر فى عام ١٩٨٦، والتى أنشأت بها شركة خاصة بالملاحة، وهى مجال تخصصى».

وأوضح القيادى الفلسطينى أن «النكبة» تنطبق بوضوح على من خرجوا من أراضى ٤٨، من مدن مناطق حيفا ويافا وبئر السبع إلى غزة، وعاشوا فى ١١ مخيمًا للاجئين، منتشرة من رفح وحتى بيت لاهيا، فيما انتشر باقى المهجرين فى الأردن فى ١٢ مخيمًا للاجئين، وفى لبنان فى ١٣ مخيمًا، وفى ٨ مخيمات بسوريا، بينما لم يعش من تهجروا إلى مصر والعراق فى مخيمات، بل انخرطوا مع الشعبين.

وأضاف: «أُعطى للفلسطينيين بمصر، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كل الصلاحيات وكل الامتيازات الممنوحة للمصريين، من التعليم والصحة مجانًا، والعمل، وكل شىء، وكان الفلسطينى يعامل كالمصرى، بل ويكرم زيادة عن المصرى أحيانًا، وكما نرى، فمصر الآن بها نحو ٩ ملايين لاجئ وضيف، ولا يوجد بها مخيم واحد للاجئين».

وتابع: «مصر تعاملت مع الفلسطينى مثل المصرى بالضبط، وعندما كانت غزة تحت الحكم المصرى من عام ١٩٤٨ حتى ١٩٦٧ كانت تدار بحكومة مصرية، يترأسها لواء من الجيش المصرى، ويطلق عليه لقب (الحاكم العام لقطاع غزة)، وعنده حكام لرفح وخان يونس ودير البلح وهكذا، ولا يزال مبنى إدارة الحاكم العام لقطاع غزة موجودًا فى مدينة ناصر حتى الآن، يرعى مصالح من تبقى من الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر مصرية».

وعن تفاصيل ما حدث أثناء التهجير، قال «اسبيته»: «الفلسطينيون من الشمال، أى من صفد وحيفا وأهل الجليل، ٩٠٪ منهم تهجروا إلى لبنان وسوريا، وكان من بينهم رسام الكاريكاتير ناجى العلى، لأنهما كانا الأقرب لهم، خاصة أن الهجرة كانت مشيًا على الأقدام، فهم قد حملوا بعض ما لديهم واتجهوا فى أفواج إلى سوريا ولبنان».

وحول معاملة المهجرين فى الدول المختلفة، قال القيادى الفلسطينى: «تعامل معنا العراق وسوريا كعرب ومنحا كل المميزات الممكنة، لكن مصر ظلت أكثر دولة ميزت الفلسطينيين، وقدمت لنا دعمًا معنويًا كبيرًا، وعاملتنا معاملة المصريين، حتى إن الفلسطينيين أسسوا نادى فلسطين فى الإسكندرية، والذى كان نواة لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى أن مصر سمحت بوجود قوات فلسطينية، وهى (قوات اليرموك)، وكانت معسكراتها بأول طريق السويس، وتتدرب وتتعامل كوحدة من وحدات الجيش المصرى، استعدادًا لما كنا نحلم به، وهو يوم العودة».

وأكد «اسبيته» أن مصر أعطت للفلسطينى أكثر مما يريد، مضيفًا: «هذه ليست مجاملة ولا رياء، لكنها الحقيقة، فهى عاملتنا كالمصريين وربما أكثر».

وعن مدى تمسك الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم فى المهجر بـ«حلم العودة»، قال القيادى الفلسطينى: «هذا الحلم نعيشه ليل نهار، وأنا من غزة وأبكى عليها يوميًا، وأتمنى العودة إليها، فهى من قبل كانت كقطعة من سويسرا».

وأضاف: «يستغرب البعض ما أقول، لكنى أؤكد أن الأجيال الحالية من الشباب الفلسطينى، حتى أبناء الذين هاجروا إلى تشيلى وأمريكا والبرازيل وكندا، عندهم انتماء لفلسطين أكثر من فلسطينيين كثيرين موجودين حاليًا فى غزة والضفة، وحلم العودة يراودهم، وهذا ينطبق حتى على الذين ذهبوا إلى أمريكا الجنوبية ووصلوا لمنصب رئيس الجمهورية فى دول مثل الأرجنتين والإكوادور».

وتابع: «كيف سينسى الفلسطينى ما جرى فى مذابح دير ياسين والطنطورة، وما حدث فى ٤٨، والآن هو يرى ما يجرى فى غزة، يومًا بيوم، ومن كل هذا يظل حلم العودة موجودًا، نرضعه لأطفالنا مع الحليب، الذين يجدون فى كل بيت فلسطينى خريطة لفلسطين، أو مفتاحًا مكتوبًا عليه (هذا مفتاح بيتنا فى فلسطين)، هذا غير التمسك بالزى والعادات والتقاليد الفلسطينية».

واختتم «اسبيته» تصريحاته بالقول: «أتوقع أن الأجيال الفلسطينية القادمة ستكون أكثر شراسة مما يتخيل العالم، لأن الدم الذى سقى أرض غزة سينبت على أرضها أجيالًا لن تترك إسرائيل، فأكبر نسب الولادات فى العالم هى لنساء غزة، والعائلات فيها تضم ١٠ أو ١٥ فردًا، وهم يتزوجون بعمر الـ١٥، ولا يعرفون ما يسمى بمنع الحمل أو تنظيم النسل، فهم لديهم قناعة مطلقة بأنهم يجب أن يلدوا أكثر كى يحافظوا على البقاء الفلسطينى ويعوضوا ما يسقط منهم من شهداء».

أحمد هلال: عائلتى تهجرت مرتين والقاهرة احتضنتنا

روى أحمد هلال تفاصيل هجرة أسرته من يافا إلى بنى سهيلة فى غزة ومنها إلى مصر، وقال هلال: «تخرجت فى معهد الخدمة الاجتماعية عام ١٩٨٤، اشتغلت مع والدى بمعرض سيارات خاص بنا فى حى العجوزة، وحاليًا أنا فى سن ٦٥ عامًا ولكن ما زال يراودنى حلم والدى بالعودة لديارنا مرة أخرى فى يافا».

يضيف: «هجرت أسرتى عام ٤٨ من يافا إلى بنى سهيلة فى خان يونس بقطاع غزة، وعقب حرب ٦٧ خرجنا إلى مصر، أى نحن تهجرنا مرتين، مرة بسبب النكبة، والأخرى سببها النكسة».

وتابع: «قدم لنا والدى فى شئون المهجرين، ومنها انتقلنا إلى مديرية التحرير بمحافظة البحيرة، ووفرت الحكومة المصرية آنذاك السكن لأسرتى وصرفت إعانة من قبل الشئون الاجتماعية مقدارها ١٥ جنيهًا، تساوى ١٥ ألف جنيه الآن، واستمر بنا الحال حتى عام ١٩٨٠، ثم انتقلنا من مديرية التحرير إلى القاهرة وحصلنا على إقامات مصرية وعشنا مثل المصريين نعشق ترابها وأرضها».

يسرد «هلال» قصته بصوت يملؤه الشجن والشوق لدياره ويقول: «كان حلمنا أن نرجع لوطننا وبيتنا ولكن الاحتلال لم يعطنا الفرصة، وحتى الآن ما زال حلم العودة يراودنا، وما يهون علينا أنه ليس هناك فرق بين مصر وفلسطين، فمصر بلدنا وموطننا الثانى، ولم نشعر بالفرق أبدًا، خاصة أن الجميع، قادة ومواطنين، وكل فئات المجتمع يعاملوننا كأننا أشقاء لا فرق بينا».

وواصل: «عقب انقطاع دام أكثر من ٢٠ عامًا وبعد توقيع اتفاقيات السلام، تمكنا من زيارة غزة عدة مرات، وكنا نسافر كل فترة من عامين إلى ٣ أعوام للاطمئنان على الأهل ومشاركتهم الأفراح والمناسبات، خاصة عقب زواجى من فلسطينية من قطاع غزة عام ١٩٨٠، ولكن لم نتمكن من العودة إلى يافا مرة أخرى، وفقط نراها عبر الشاشات والإنترنت».

وتابع: «ذهبنا فى زيارة هذا العام إلى غزة، وخلال زيارتنا اندلعت الحرب الأخيرة والمستمرة حتى الآن، وعشنا ويلات الحرب لمدة ٥ أشهر، شاهدنا ما لم نشاهده من قبل، تمنينا الموت مرارًا وتكرارًا، عشنا بالخيام، رأينا الموت والدمار بكل شىء، وتمكنا من العودة للقاهرة مرة أخرى ووصلنا فقط قبل شهر ونصف الشهر»، مستدركًا: «ما نشاهده عبر القنوات ووسائل الاعلام لا يمثل جناح بعوضة مما يحدث هناك».

وأضاف: «والدى ووالدتى تمنيا العودة لديارهما مرة أخرى والموت فيها، ولكن الموت والاحتلال لم يمكنهما من تحقيق حلمهما، وها أنا ما زال يراودنى حلم العودة إلى يافا، خاصة أنها بلد والدتى وأهلى وحلمى نشوفها ونشوف جمالها، لكن للأسف الاحتلال موت كل حلم لنا بالعودة مرة أخرى».

زاهرالبنا: 6.4 مليون لاجئ فى 58 مخيمًا تابعًا لـ«أونروا»

قال عضو اللجنة المشتركة للاجئين ومسئول بوكالة أونروا، زاهر البنا، فى الذكرى الــ٧٦ للنكبة، إن نحو ٦.٤ مليون من اللاجئين المسجلين لدى أونروا يعيشون فى ٥٨ مخيمًا رسميًا تابعًا لها، تتوزع بواقع ١٠ مخيمات فى الأردن، و٩ مخيمات فى سوريا، و١٢ مخيمًا فى لبنان، و١٩ مخيمًا فى الضفة الغربية، و٨ مخيمات فى قطاع غزة. 

وأضاف لـ«الدستور»، أن الذكرى الـ٧٦ للنكبة تأتى فى ظل حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر متواصلة، والعالم كله يشاهد المجازر اليومية وقتل الأطفال والنساء وإعدام الشيوخ والشباب ودفن العشرات أحياءً، وهدم البيوت على رءوس ساكنيها وحرق الجامعات والمستشفيات والمؤسسات الخدماتية والإغاثية والدولية، ورغم كل النداءات الدولية ما زال الكيان الصهيونى يضرب بعُرض الحائط كل من يعارضه.

وتابع «البنا»: «٧٦ عامًا تمر على شعبنا الفلسطينى وهو يتعرض لنكبة جديدة عنوانها إبادة الشعب وطرده من بلاده، وفى هذه الذكرى الأليمة وفى ظل استمرار ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية واستخدام كل القنابل المحرمة دوليًا لقتل شعبنا الفلسطينى، وخداع شعبنا الفلسطينى من خلال إلقاء منشورات من الطائرات لتوجيههم إلى مناطق آمنة فيضطرون، حسب مزاعم العدو الصهيونى، للانتقال.. وعند وصولهم لتلك المناطق الآمنة يتم قتلهم وارتكاب مجازر جماعية بحقهم، وإلى هذه اللحظة لم يستطع أحد وقف هذه الحرب المسعورة على شعبنا الفلسطينى». وأوضح أن أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير شكلت مأساة كبرى للشعب الفلسطينى، لما مثلته وما زالت من عملية تطهير عرقى، حيث تم تدمير وطرد شعب بأكمله وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه، وتشريد ٩٥٧ ألف فلسطينى من قراهم ومدنهم من أصل ١.٤ مليون فلسطينى كانوا يقيمون فى فلسطين التاريخية عام ١٩٤٨ فى ١٣٠٠ قرية ومدينة فلسطينية. وتابع: «انتهى التهجير بغالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلًا عن التهجير الداخلى للآلاف منهم داخل الأراضى التى خضعت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلى عام النكبة». وأشار عضو اللجنة المشتركة للاجئين ومسئول بوكالة أونروا إلى أن الاحتلال الإسرائيلى سيطر خلال مرحلة النكبة على ٧٧٤ قرية ومدينة فلسطينية، حيث جرى تدمير ٥٣١ منها بالكامل، وما تبقى جرى إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه، كما اقترفت العصابات الصهيونية أكثر من ٥١ مجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد على ١٥ ألف فلسطينى، وما زالت المجازر مستمرة حتى يومنا هذا. 

وأكد أن قضية اللاجئين الفلسطينيين تعتبر أطول قضية لجوء فى التاريخ المعاصر، بدأت من العام ١٩٤٨ ولا تزال قائمة، كما أنها قامت على أساس الاستيطان وإخلاء الأرض من سكانها الأصليين وطردهم وإحلال مستوطنين مكانهم، وهى أكثر قضية صدرت لها قرارات من الأمم المتحدة، ولم ينفذ أى منها، وأهمها قرار ١٩٤ الصادر فى العام ١٩٤٨.