رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة عيد القيامة المجيد للبطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي

 عيد القيامة
عيد القيامة

تحتفل الكنائس التي تتبع التقويم الغربي، غدًا الأحد بعيد القيامة المجيد لعام 2024.


وبالتزامن مع احتفالات عيد القيامة 2024 وفقًا للتقويم الغربي ننشر رسالة عيد القيامة المجيد للبطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي:
 

1. يسعدنا أن نلتقي ككلّ سنة، صباح سبت النور، بمبادرة من قدس الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات والإقليميّن والإقليميّات، للصلاة معًا وتبادل التهاني بعيد الفصح المجيد، بمشاركة السادة مطارنة الكرسيّ البطريركيّ وسواهم. وأوجّه الشكر لحضرة الأمّ نزهة الخوري التي تكلّمت ياسمكم وعبّرت عن تهانيكم وتمنياتكم، ونحن بدورنا نبادلكم إيّاها. ونقدّمها للرهبانيّات والأبرشيّات المتواجدة في النطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار.


2. عندما إنقضى السبت، أتت في الأحد باكرًا مريم المجدليّة، ومريم أمّ يعقوب، وصالوما، إلى القبر ليحنّطن جسد يسوع. فرأين الحجر قد دُحرج. فدخلن القبر، فرأين شابًا متوشّحًا حلّةً بيضاء فانذهلن. أمّا هو، فقال لهنّ: "لا تخفن. أتطلبن يسوع الناصريّ الذي صلب؟ لقد قام، وليس هو هنا. إذهبن وأعلمن تلاميذه أنّه يسبقهم إلى الجليل وهناك ترونه" (مر 16: 6-7). حدثان تاريخيّان مترابطان ومتكاملان: موت يسوع وقيامته


3. شرح قداسة البابا فرنسيس معاني "الذهاب إلى الجليل" بعد قيامة الربّ من الموت.


أ- الذهاب إلى الجليل يعني البدء من جديد. ففي الجليل كان أوّل لقاء بين يسوع والتلاميذ. هناك بحث عنهم ودعاهم لإتّباعه، فتركوا الشباك وتبعوه. هناك كان مكان حبّهم الأوّل. هناك سمعوه وشاهدوا آياته، ومع ذلك لم يتمكّنوا من فهمه تمامًا. بعد القيامة يعود بهم إلى الجليل لكي يبدأوا من جديد، ونحن، بقوّة النعمة المعطاة لنا من القائم من الموت نستطيع أن نبدأ من جديد. هذا هو نداء الفصح: يمكن دائمًا البدء من جديد.


ب- الذهاب إلى الجليل يعني إجتياز طرقات جديدة، والتحرّك في اتجاهات تعاكس القبر الفارغ. وهذه دعوة لعدم البقاء في إيمان الطفولة واستذكار عاداتها وماضيها. جديدنا الخروج من إيمان الذكريات، وكأنّ يسوع شخصيّة من الماضي، وصديق الفتوّة. لا، بل هو حيّ هنا والآن. يسير معك في طريقك بحلوها ومرّها، لكي تجتازها بفرح وانشراح وعزاء.
ج- الذهاب إلى الجليل يعني أن نتعلّم أنّ الإيمان يقتضي، لكي يكون حيًّا، معاودة السير من نقطة الإنطلاق، ومن إندهاش اللقاء الأوّل، وانتظار مفاجئات المسيح المذهلة في حياتنا اليوميّة.
د- الذهاب إلى الجليل يعني الذهاب إلى الأماكن البعيدة. هناك يسوع بدأ رسالته. ليست "البعيدة" بالمسافة فقط، بل بشعبها المتنوّع والصعب. المسيح القائم من الموت يسبقنا إليها، وهناك يعضدنا لنتخطّى الحواجز، ونزيل الأحكام المسبقة، ونتقرّب ممّن هم بقربنا كلّ يوم، ونكتشف نعمة العلاقات اليوميّة المتجدّدة. معه الحياة تتغيّر بكلّ ما فيها من عنف وسقطات وألم وموت. فالمسيح القائم من الموت حيّ ويقود وحده مجرى التاريخ. إنّه سيّده وحده ولا أحد سواه من أصحاب المال والسلاح والسلطة والنفوذ. فهؤلاء كلّهم يزولون كرغوة صابون. وهم مدعوّون إلى التحرّر من سيّء مسلكهم وطرق تفكيرهم، ومن تحجّر مواقفهم وأفكارهم، من استعبادهم لفسادهم ومصالحهم.
4. هذه هي ديناميّة الإحتفال بعيد الفصح كعبورٍ من قديم إلى جديد. لا يقف عيد القيامة عند حدود التذكار، بل يتعدّاه إلى قيامتنا نحن، وقيامة كلّ إنسان من عتيق إلى جديد، وعلى الأخصّ كلّ صاحب مسؤوليّة. نحن لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن مآسي شعبنا، ولا أن نصمّ آذاننا عن أنين وجعه، ولا أن نجعل قلوبنا من حجر لئلّا نشعر معه. من واجبنا أن نعطيهم صوتًا من خلال صوتنا، في عديد من القضايا:
أ- فها المجلس النيابيّ بشخص رئيسه وأعضائه يحرم عمدًا ومن دون مبرّرٍ قانونيّ، دولة لبنان من رئيس، مخالفًا الدستور في مقدّمته التي تعلن أنّ "لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة" (ج)، وفي طريقة إنتخابه بالمادّة 49، وفي واجب انتخابه قبل نهاية عهد الرئيس الحاكم بالمادّتين 73 و74، وفي فقدان المجلس صلاحيّته الإشتراعيّة ليكون فقط هيئة ناخبة بالمادة 75. فلا يوجد بكلّ أسف أي سلطة تعيد المجلس النيابيّ إلى الإنتظام وفقًا للدستور. وبالنتيجة مؤسّسات الدولة متفكّكة والشعب يعاني ويفقد الثقة بجميع حكّامه. ونسأل: أين الميثاق، وأين العنصر المسيحيّ الأساسيّ في تكوين الميثاق الوطنيّ؟


ب- وها القطاع التربويّ الذي هو كنز لبنان الحقيقيّ، ما زال يعاند الأزمة الإقتصادية التي هزّت كيانه وأفلست مؤسساته. وإذا بها تضع إدارات المدارس أمام تحدّيين: الأول يكمن في تحسين ظروف العيش للأساتذة لكي يندفعوا في رسالتهم التربويّة ويقوموا بواجبهم المهنيّ تجاه التلامذة، والتحدي الثاني يتمثّل في عدم قدرة جزء كبير من الأهل على دفع ما يتوجّب عليهم وبخاصة موظفيّ القطاع العام والطبقة الفقيرة من المجتمع اللبنانيّ. فضلًا عما يتسبّب به عدم ضمان ثبات سعر صرف الدولار من قلق وخوف على المصير وما خلّفته الموازنة المقرّرة مؤخرًا في المجلس النيابي من ارتفاع في الضرائب والرسوم الماليّة، زادت من أعباء المصاريف التشغيليّة للمدارس. كما أنّه بسبب الأزمة الماليّة، شهدنا ونشهد كلّ يوم هجرةً مقلقة للأساتذة من ذوي الكفاءة والخبرة، الى الخارج أو الى مهن أخرى لتأمين دخلٍ أفضل لهم ولعائلاتهم. وهذا أمر خطير ينعكس سلبًا على جودة التعليم في مدارسنا. هذا ما يوجب على الدولة الإسراع، وقبل فوات الأوان، بإقرار تشريعات جديدة تؤمّن الإستقرار للمعلّم وتضمن له حقّه في تقاعد كريم.
ج- وتضاف في هذا القطاع التربويّ مسألة المدارس المجّانيّة التي علّمت مئات الآلاف في لبنان وقد أصبحوا من أهمّ رجال ونساء وطننا. هذه المدارس ثبّتت الناس في قراهم، وساهمت في توظيف آلاف العائلات. إنّها تعاني من ضائقة ماليّة غير مسبوقة منذ تاريخ إنشائها في خمسينيّات القرن الماضي مع التذكير بأنّ الدولة اللبنانيّة هي التي أرادت الشراكة مع القطاع الخاص لتأمين التعليم لمحتاجيه.