رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف وصف يوسف إدريس ما فعله الفاطميين في شهر رمضان؟

يوسف إدريس
يوسف إدريس

تحدث الكاتب الكبير عن رؤيته لشهر رمضان المبارك، الذي حوله البعض إلى شهر مليئ المهرجانات التي تصاحب هذا الشهر، والتي ظهرت تحديدا خلال الحكم الفاطمي، بحد وصفه، وكتب يوسف فصلا كاملا يستنكر فيه بعض المظاهر التي تصاحب هذا الشهر ولا تمثل "شهر الصيام".


ماذا قال يوسف إدريس عن شهر رمضان؟

ففي كتابه "فقر الفكر وفكر الفقر"، في فصل كامل تحت عنوان "ماذا فعلنا برمضان؟":  فأنا لا أستطيع أن أقول: ماذا فعل رمضان بنا؟ فرمضان شهر عبادة وصيام، ومراجعة للنفس وتبتُّل، شهر السهارى، لا لكي يأكُلُوا إلى آخر ثانية إمساك، ولكن ليعيدوا توازنهم النفسي ويراجعوا ما كان من حياتهم وعامهم وحتى يومهم، ويتبينوا الخط الأبيض من الخط الأسود في علاقاتهم بالمولى سبحانه. وفكرة الصيام نفسها هي فكرة الامتناع عن الاستجابة للحاجات الجسدية العاجلة من مأكل ومشرب ومُتَع، حتى لا ينشغل الجسد بالجري وراء تلك المتع، ويتفرَّغ الجسد والعقل جميعًا لما هو أليَق بالإنسان. الإحساس الشامل بالطهر والرغبة الخالصة في السمو بالذات عن متطلبات الحياة اليومية والتواصُل مع الحق ومع العدل ومع الحقيقة الإسلامية الكبرى وجوهرها.

ويؤكد يوسف إدريس: ذلك هو رمضان، وذلك هو الصيام كما لا بُدَّ أن يَصومه أهل كل كتاب.

يوسف إدريس

مظاهر «الفنطزية» الفاطمية 

ويعزي يوسف إدريس السبب إلى عهد الفاطمين، قائلا: ما كاد الفاطميون يَجيئون إلى مصر، وهم فرقة من فِرَق الشيعة التي دفعها القهر في الجزيرة والشرق العربي إلى الهجرة غربًا وإنشاء مذاهب شيعية كالإباضية والفاطمية وغيرها، ثُمَّ ما لبث الفاطميون في المغرب العربي أن قويَت شوكتهم وغزوا مصر في النهاية، كما هي عادة مصر أن يكون مقياس القوة لدى أي دولة صاعدة أن تجرِّب عضلاتها في غزو مصر. جاء الفاطميون وأنشئوا القاهرة والأزهر الشريف، وجاءوا معهم بالمذهب الشيعي، وجاءوا أيضًا — وهذا هو الأهم في حديثنا هذا — بكثيرٍ من الطقوس والمهرجانات التي تُصاحب المواسم والأعياد الإسلامية؛ مثل مواكب الفوانيس في رمضان، والتواشيح، وصنع الكعك، واستيراد الياميش، والأكل إلى حدِّ التُّخمة.

ويضيف إدريس في كتابه: حين انتهى الحكم الفاطمي انسحَبَ معه المذهب الشيعي تمامًا من مصر، ولم يُخلِّف أثرًا يُذكَر إلا في المساجد الكبرى التي أُقيمت لآل البيت، وكذلك انسحبت مع الحكم والمذهب كل المظاهر الحضارية التي جاءت مع الغزو الفاطمي، ما عدا الأزهر الذي تحوَّل إلى جامعة كبرى أصبحت منارةً للمسلمين في عهود التمزُّق والتخلف التي حاقت بالأمة الإسلامية والعربية. ولكن الشيء الوحيد الذي ترسَّخ في الحياة المصرية، وبقي ولا يزال باقيًا إلى الآن، هو مظاهر «الفنطزية» الفاطمية التي كانت تصاحب حلول رمضان والمواسم والأعياد.
 

ويوضح يوسف إدريس معنى هذه المظاهر الفنطزية، قائلا: هي مظاهر فنطزية؛ لأنها كلها تتعلق بالطعام والشراب والأُنس والسمر، ولا علاقة لها بالمناسبة التي تُقام من أجلها؛ فالمصريون في الريف، وفي كثيرٍ من المدن، يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج مثلًا بعشاء فاخر من البط والإوز والدجاج، ومعجزة الإسراء والمعراج لا علاقة لها البتَّة بطعام أو شراب، ولكن هكذا أراد المصريون.

ويشير إدريس إلى أن "شهر رمضان" هو شهر الامتناع إلا عن الحد الأدنى من الطعام؛ فقد كان المسلم البدوي في صدر الإسلام وفجره وضُحاه يصوم اليوم كله ولا يفطر إلا على قليل من التمر وبعض اللبن المَخضوض إن وُجد، وفي أحيان نادرة يُصيب قطعة لحم حين يتهوَّر أحدهم ويَذبح شاةً ويُوزِّع لحمها على الأهل والجيران والأسباط.

شهر الصيام في مصر

ويختتم إدريس حديثه عن رمضان: هو في مصر هو شهر الطعام لا شهر الصيام، وقد كنتُ أدهش وأذهل حين أقرأ في الجرائد — قبل حلول رمضان من كل عام — عنوانًا رئيسيًّا ضخمًا يقول: استيراد مائة ألف طن من اللحوم بمُناسبة شهر رمضان … أو توفير كذا ألف طن من السمن والأرز بمناسبة شهر رمضان. كنتُ أدهش، لأن المفروض أن تكون العناوين هي: توفير كذا ألف طنِّ لحم بمناسبة شهر الصيام، أو شهر رمضان يُوفِّر كذا مليون جنيه عملة صعبة قيمة ما كان مفروضًا استيراده من المأكولات والأطعمة.