رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القتل بزى فلسطينى.. ضحايا «المستعربين» يروون لـ«الدستور» فظائع الوحدة الإسرائيلية الأكثر رعبًا فى الأراضى المحتلة

المستعربين
المستعربين

- تعمل تحت مظلة جيش الاحتلال.. وتنفذ عمليات تصفية وتخريب مستمرة

- وحدة نخبوية تضم جنودًا ورجال شرطة من «حرس الحدود»

- عناصرها من «ذوى الملامح الشرقية» و«شبيهى الفلسطينيين»

- يرتدون الزى الفلسطينى ويتحدثون اللغة العامية بدقة شديدة 

فى الظلام الدامس يتسللون بين الأزقة والمنازل، يحملون هويات فلسطينية، ويتحدثون اللهجة العامية للبلد الشقيق، ويرتدون ثيابًا عربية، يبدون كأنهم من أبناء الشعب المُحاصر، لكنهم فى الحقيقة من أعدائه.

إنهم «المستعربون»، وهم عبارة عن مجموعة قتالية سرية، تستخدمها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية فى تنفيذ عمليات سرية وخطيرة داخل الأراضى الفلسطينية، ومنذ الحرب الأخيرة فى قطاع غزة ازداد دور عناصر هذه الوحدة بشكل كبير.

ويعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلى على هذه المجموعة القتالية الخاصة، التى تضم عددًا من العملاء السريين، فى استهداف القيادات والنشطاء والمدنيين الفلسطينيين، لتمثل بذلك الوجه الأكثر رعبًا وقسوة وخداعًا للاحتلال. 

فى السطور التالية، «الدستور» تسلط الضوء على عدد من الوقائع التى ارتكبتها وحدة «المستعربين» الإسرائيلية فى قطاع غزة والأراضى المحتلة، من خلال لقاءات مع ضحايا تلك الوقائع، إلى جانب سؤال خبراء عن مصير وحقوق المختطفين والمقتولين من قبل الوحدة، وكيف يمكن محاسبة عناصرها والمسئولين عنها.

أسستها العصابات الصهيونية فى الأربعينيات.. وشارون أعاد تفعيلها لقمع الحركات الثورية

تعود بدايات هذه الوحدة إلى الأربعينيات من القرن الماضى، عندما أنشأت منظمة «بلماح»، أحد التنظيمات العسكرية الصهيونية، أول فرقة مستعربين كوحدة قتالية لمواجهة الفلسطينيين والجيوش العربية قبل إعلان قيام إسرائيل، وبعد عام ١٩٤٨ أصبحت هذه الفرقة جزءًا من الجيش الإسرائيلى.

وكانت مهمتها الرئيسية الاختراق والاندساس بين صفوف العرب، والحصول على معلومات عن قادتهم وخططهم ونقاط ضعفهم، ولأجل ذلك كان الجنود يقضون أيامًا وشهورًا فى التدريب على اللغة والعادات والتقاليد العربية، ويستخدمون أسماء وهويات مزيفة، ويتعاملون مع السكان المحليين كأصدقاء أو أقارب أو جيران.

ومن خلال هذا النشاط، نجحوا فى كشف العديد من الأسرار وتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال ضد شخصيات فلسطينية بارزة، وبعد أن تم تفكيك الفرقة، عقب قيام إسرائيل، لم تتخلَ المخابرات الإسرائيلية عن فكرة استخدام «المستعربين» كأداة فعالة لمواجهة المقاومة الفلسطينية.

وفى عام ١٩٧٠، أعاد أرئيل شارون، الذى كان حينها قائدًا عسكريًا، بناء جهاز «المستعربين» ليعمل فى قطاع غزة، الذى كان يشهد نشاطًا متزايدًا للحركات الوطنية الفلسطينية، وكانت مهمة هذا الجهاز قمع هذه الحركات وملاحقة عناصرها وقتلهم أو اعتقالهم، ولهذا الغرض كان الجنود يرتدون ملابس مدنية ويحملون أسلحة خفيفة ويتنقلون بين السكان بسيارات مدنية أو دراجات نارية أو حتى راجلين.

وظل هذا الجهاز سريًا لسنوات طويلة، حتى عام ١٩٨٨، عندما كشف عنه صحفيون إسرائيليون وأطلقوا عليه اسم «وحدة الاغتيالات»، وذكروا بعض العمليات الدموية التى نفذتها ضد الفلسطينيين.

وأثار هذا الكشف غضب الحكومة الإسرائيلية، التى قررت تجميد بطاقات اعتماد هؤلاء الصحفيين، ومنعتهم من العمل فى الأراضى الفلسطينية، ومع ذلك لم يتوقف نشاط «المستعربين»، بل ازداد بعد توقيع اتفاقيات أوسلو فى عام ١٩٩٣، وانسحاب الجيش الإسرائيلى من مراكز المدن والبلدات الفلسطينية، التى أصبحت مسرحًا لعمليات الدهم والاعتقال والاغتيال التى نفذها «المستعربون» ضد كبار قادة الفصائل الفلسطينية فى أرجاء الضفة الغربية.

وفى عام ٢٠٠٠ اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وواجهتها وحدات «المستعربين» بحملة عنيفة ضد النشطاء والمطلوبين الفلسطينيين، واستخدمت فى ذلك أساليب متطورة ومتنوعة، مثل التنكر بزى نسائى أو صحفى أو طبيب أو مسعف أو حتى متظاهر، وأصبحت هذه الوحدات من أهم وحدات «الكوماندوز» فى الجيش الإسرائيلى، لتظهر مرة أخرى بشكل أشرس منذ السابع من أكتوبر الماضى.

تيسير عبيد: خطفونى من جوار منزلى.. وعذبونى حتى صرت قعيدًا على كرسى متحرك 

فى أحد أحياء مدينة الخليل بالضفة الغربية، يجلس الأسير الفلسطينى المحرر تيسير عبيد على كرسى متحرك، بعدما تعرض للتعذيب من قِبل وحدة «المستعربين» الإسرائيلية، التى أفقدته قدميه وحريته وكرامته، وفق ما روى لـ«الدستور».

وقال «عبيد»، متذكرًا ما حدث: «كانت ليلة ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣، عندما خرجت من منزلى لشراء بعض الاحتياجات من البقالة القريبة، كنت أسير فى الشارع، وفجأة سمعت صوتًا ينادينى من سيارة مدنية، نظرت حولى، ورأيت ٣ رجال يرتدون ملابس تشبهنا، ويحملون حقائب، ظننت أنهم جيران أو أصدقاء، فتوجهت نحوهم، لكن عندما اقتربت منهم شعرت بشىء حاد يخترق رقبتى».

وأضاف: «كانوا يحملون سكاكين ومسدسات، وقالوا لى: أنت مطلوب من قبل (الشاباك)، ثم أرغمونى على ركوب السيارة بقوة، حاولت الصراخ والمقاومة، لكنهم ضربونى بالسكاكين والعصى فوق رأسى، لأفقد الوعى من جراء الضرب».

وواصل: «استيقظت فى زنزانة صغيرة ومظلمة وأنا مقيد بالسلاسل، كان هناك رجال يرتدون زى الجيش الإسرائيلى، ويحملون عصيًا وسياطًا وأجهزة كهربائية، بدأوا يسألوننى عن اسمى وعنوانى وهويتى، ثم عن نشاطاتى السياسية».

أخبرهم «عبيد» بأنه مواطن فلسطينى عادى، وأنه لا ينتمى إلى أى حركة أو فصيل، ولا يعرف ما الذى يريدونه منه، لكنهم لم يصدقوه، وبدأوا فى ضربه بشدة، إلى جانب صعقه بالكهرباء، وسكب الماء البارد عليه، مع تهديده بالقتل والاغتصاب والتشويه.

وأكمل الأسير المحرر: «كانوا يصرخون فى وجهى، ويقولون: (اعترف، أنت إرهابى، أنت تعمل لصالح حماس، وتخطط لتنفيذ تفجيرات، أنت تعرف مكان القيادات الفلسطينية)، ورغم أننى كنت أنفى كل شىء، لم يرحمونى، وواصلوا تعذيبى أيامًا طويلة، دون أن يعطونى طعامًا أو شرابًا أو دواءً، أو حتى يسمحوا لى بالنوم».

وتابع: «لقد كسروا عظامى، وحرقوا أجزاء من جلدى، وجعلونى أفقد قدمى، وأشعر بالألم والخوف، كنت أتمنى أن أموت، لكنهم لم يمنحونى هذه النعمة، كما أننى لا أعرف لماذا اختارونى، وماذا حققوا منى، فقد تركونى بعد ٣٤ يومًا من التعذيب دون أى فائدة منى».

وأتم بقوله: «عدت إلى منزلى عاجزًا لا أستطيع السير دون مرافق، والآن لا أعرف ما هو مصيرى إذا امتدت الحرب الدائرة إلى بيتى، أنا لا أعرف إلا أننى فلسطينى، وأنهم إسرائيليون، وأن هذا هو الصراع الذى لا نهاية له».

فاطمة عمارين:  ادّعوا أنهم من الأمن الوطنى الفلسطينى لاعتقال ابنى

فى الضفة الغربية أيضًا، وتحديدًا داخل قرية «بير الباشا» التابعة لمدينة جنين، اقتحمت مجموعة من وحدة «المستعربين» الإسرائيلية منزل السيدة الأربعينية فاطمة عمارين، فى الثانية بعد منتصف ليل العاشر من يناير الماضى، واعتقلت ابنها «محمود»، مع ضرب الأم وزوجها وبناتها الثلاث، وتعريضهم للإهانة والترويع والتهديد.

روت السيدة «فاطمة» ما حدث لها، قائلة إنه «فى هذه الليلة المشئومة سمعنا طرقًا على الباب، اعتقدنا أنهم جنود إسرائيليون، فهذا ما اعتدنا عليه، فتح زوجى الباب، لنفاجأ بـ٤ رجال يرتدون ملابس فلسطينية، ويحملون بنادق».

قال الرجال الأربعة للأسرة الفلسطينية بلهجة محلية صحيحة: «نحن من الأمن الوطنى الفلسطينى، نريد التحدث مع ابنكم محمود»، فقال الأب لهم: «ماذا تريدون منه؟ هو طالب جامعى، وليس له أى نشاط سياسى»، لكنهم لم يستمعوا له، ودفعوه جانبًا، ودخلوا المنزل.

انتشر المقتحمون فى كل غرف المنزل، وبدأوا يفتشون ويعبثون بكل الأغراض الموجودة فى المكان، وجدوا «محمود» نائمًا فى غرفته، أيقظوه بالقوة، قائلين له: «أنت مطلوب للتحقيق.. تعال معنا».

حاول «محمود» الاستفسار عن السبب وراء طلبهم، لكنهم لم يجيبوه، وأمسكوه من ذراعيه، وسحبوه خارج المنزل، وفق الأم، التى أضافت: «خرجنا وراءهم، صرخنا، لكنهم لم يلتفتوا إلينا، وأوقفوا سيارة كانت تنتظرهم، وألقوا محمود فيها وانطلقوا بسرعة، ولم نعرف ما حدث بعد ذلك حتى وقتنا الحالى».

وواصلت الأم: «منذ ذلك اليوم لم نسمع عن محمود أى خبر، لا نعرف أين هو، أو كيف حاله، أو ماذا يفعلون به، لا نعرف حتى إن كان حيًا أم ميتًا، لقد اتصلنا بالأمن الوطنى الفلسطينى، وسألنا عنه، لكنهم قالوا لنا إنهم لا يعرفون شيئًا، وإنهم لم يأتوا إلى منزلنا، واتصلنا أيضًا بـ(الصليب الأحمر)، لكنهم أخبرونا بأنهم لا يستطيعون الوصول إليه، وأنهم لا يعرفون مكان احتجازه».

وتابعت: «لقد مر أكثر من شهر على اختطاف محمود، ولم نتلقَ أى معلومة عنه، لا نعرف من اختطفه، أو لماذا، وماذا يريد منه، لا نعرف إن كان ضحية لوحدة (المستعربين) الذين يتنكرون بزى فلسطينى، وينفذون عمليات اغتيال واعتقال وتخريب، أم ضحية للتخابر والتجسس والتنسيق بين الجهات الفلسطينية والإسرائيلية»، وفق تعبيرها.

وأتمت السيدة «فاطمة» بقولها: «أنا لا أطلب من الله إلا أن يحفظ محمود، وأن يعيده إلينا سالمًا، وأن ينصره على أعدائه، لا أطلب من العالم إلا أن ينظر إلى معاناتنا، وأن يسمع صوتنا، وأن يدعم قضيتنا، وأن يوقف الظلم والعنف والحرب».

حقوقى: تستعين بخبراء مكياج.. وعناصرها يتنكرون فى زى تجار خضروات وعمال

قال الدكتور عمر رحال، مدير مركز حقوق الإنسان والديمقراطية «شمس»، إن وحدة «المستعربين» تعمل تحت مظلة الجيش الإسرائيلى، وتنفذ عمليات تصفية واختطاف وتخريب فى الأراضى الفلسطينية. وأضاف «رحال»، لـ«الدستور»، أن «المستعربين» هى وحدة نخبوية، تضم جنودًا وشرطيين من «حرس الحدود»، ويتم اختيارهم بعناية شديدة، بحيث تكون ملامحهم شرقية، ومظهرهم الجسدى مشابه للفلسطينيين، مع استخدام خبراء فى المكياج من أجل التنكر، علاوة على ارتداء زى مدنى شائع فى فلسطين، مثل الزى الذى يرتديه تجار الخضروات أو العمال.

وواصل: «هذه الوحدة تتسبب فى الكثير من الدماء والفوضى فى الشارع الفلسطينى، فهى تقتل القيادات والنشطاء، وتختطف المطلوبين من قبل الأمن الإسرائيلى، بجانب تحريض الفلسطينيين على العنف ضد بعضهم البعض، أو ضد السلطة الفلسطينية». وشدد على أن وحدة «المستعربين» تنتهك القانون الدولى الإنسانى بشكل مستمر، مُذكِرًا باقتحام عناصر منها مستشفى «ابن سينا» فى جنين، لقتل ٣ فلسطينيين بداخله، فى «جريمة حرب بدم بارد»، خاصة أن المرضى والعاملين فى القطاع الصحى لهم حماية خاصة، وغيرها من الوقائع التى تعد انتهاكًا للقانون الدولى واتفاقيتى «روما» و«جنيف».

عاصم قرعان: تدرس عادات شعبنا جيدًا..  ومهامها تتنوع ما بين الاغتيال أو الاختطاف

قال عاصم قرعان، أستاذ القانون الجنائى فى رام الله، إن عمليات وحدة المستعربين تثير غضبًا واستنكارًا واسعين فى الشارع الفلسطينى، الذى يعتبرها انتهاكًا لسيادة الشعب الفلسطينى وحقوقه فى الحرية والاستقلال، واصفًا إياها بأنها «عمليات إرهابية وجبانة».

وكشف عن أن عمليات وحدة المستعربين تؤثر أيضًا على حياة الفلسطينيين العاديين، الذين يعيشون فى حالة من الخوف والشك والانقسام، ولا يستطيعون التمييز بين صديق وعدو، أو بين مقاوم ومتخاذل، أو بين مواطن وعميل.

وواصل: «تتألف الوحدة بشكل رئيسى من جنود، أكملوا خدمتهم العسكرية فى الوحدات القتالية والخاصة، ويستمرون فى الخدمة فى الوحدة حتى سن الخامسة والأربعين، ويجب أن يكون الفرد المنضم إلى الوحدة قادرًا على استخدام جميع أنواع الأسلحة ذات الصلة، ولديه لياقة بدنية جيدة ومهارات تواصل عالية، وقدرة على استيعاب البيانات بسرعة وتطبيقها فى الميدان، بالإضافة إلى المشاركة فى تدريبات شاملة قبل بدء مهامها، واستكمال دورات خاصة تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية والدينية الفلسطينية، بجانب المشاركة فى تدريبات ميدانية وعملية».

واختتم بقوله: «تستغرق فترة التدريب داخل وحدة المستعربين الإسرائيلية ما بين ١٢ و١٥ شهرًا، حتى يكون الجنود قادرين على أداء مهامهم، دون أن يثيروا شكوك المخالطين لهم من الفلسطينيين، وتتضمن مهامهم غالبًا مهام أمنية مثل الاختطاف أو الاغتيال».

أيمن الرقب: أفرادها تسللوا لمناطق النازحين وانخرطوا بينهم لتحديد مكان «رهينتى رفح»

كشف الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، عن تفاصيل العملية النوعية التى نفذتها وحدة المستعربين الإسرائيليين فى مدينة رفح الفلسطينية، يوم ١٢ فبراير الجارى، بهدف تحرير اثنين من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.

وأوضح «الرقب» أن قوات خاصة من وحدة المستعربين نجحت فى التسلل إلى مناطق النازحين بمدينة رفح الفلسطينية، وانخرط عناصرها بين الأهالى بكل سهولة دون أن يلاحظ أحد، كما استخدموا تقنيات حديثة تعمل بالذكاء الاصطناعى، وتساعدهم فى تحديد بصمة الصوت والصورة، بهدف تجميع كل المعلومات المتعلقة بالمحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة.

وقال إن المستعربين تمكنوا من تحديد مكان اثنين من الأسرى الإسرائيليين، فى مخيم الشابورة فى رفح، وشاركت معهم قوات خاصة من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وحصلوا على دعم لوجستى مباشر من الجيش الإسرائيلى، الذى أرسل طائرات استطلاع و«باترول» و«أباتشى» و«سطح»، لتغطية العملية البرية.

وأشار إلى أن تلك العملية تحولت إلى مجزرة، حيث قصفت طائرات الاحتلال المنازل والخيام والمرافق العامة فى منطقة العمليات، ما أدى إلى استشهاد ١٠٠ فلسطينى فى أقل من ساعة، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة.