رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة الكاثوليكية تحيي ذكرى القديس كلود دي لا كولومبير

الكنيسة الكاثوليكية
الكنيسة الكاثوليكية

تحيي الكنيسة الكاثوليكية ،  اليوم الخميس، ذكرى القديس كلود دي لا كولومبير رسول القلب الأقدس.

ونستعرض أبرز المعلومات عنه وفقًا الأب وليم عبد المسيح سعيد – الفرنسيسكاني:

  • ولدَ "كلود" في 2 فبراير 1641م بمقاطعة سان سامفوريان دي زون بجنوب شرق فرنسا، كطفل ثالث لأبٍ هو "برتراند دي لا كلومبيير" ينحدر لأسرة نبيلة ويعمل محاميًا وأمٍ هي "مرجريت كواندات".
  • سرعان ما انتقلت الأسرة بعد ميلاده للعيش بمدينة "ﭬـيان" بغرب فرنسا، حيث تلقّى كلود تعليمه الإبتدائي قبل أن يلتحق بالمدرسة اليسوعية الثانوية بـ "ليون".
     
  • وبعد أن أنهى دروسه الأساسيّة والتكميليّة، عكف على درس الفلسفة والمنطق. أثناء هذه الفترة شعر كلود بميل نحوَ خدمة الله، وشُغف قلبه بحبّ يسوع المسيح، فعقد العزم على أن يكرّس حياته للربّ، ودخل دير الإبتداء اليسوعيّ في مدينة أڤينيون وهو في السادسة عشرة من عمره، وأمضى فيه سنتين، قضاها في التدرّب على الصلاة والعيش بحسب روحانيّة القدّيس إغناطيوس دي لويولا مؤسّس الرهبنة اليسوعيّة. ثم أبرز نذوره الرهبانيّة في الفقر والعفة والطاعة.
  • ومكث في تلك المدينة عامًا كاملًا ليُنهي دروسه الفلسفيّة.
     
  • لم يكن كلود ليظهر تفوّقًا ملحوظًا في دروسه علمًا أنّه بذل جهدًا قويًا في سبيل النجاح. لكنّه عاش نذوره الرهبانيّة على أكمل وجه، خصوصًا فيما يتعلّق بالطاعة.
  • وكانت حياته الداخليّة سعيًا دائمًا للعمل بحسب إرادة الله، والتعمّق على وجه أفضل في معرفة المسيح وحبّه.
     
  • درس اللاهوت في جامعة كليرمون الپاريسيّة، ثم رُسم كاهنًا في 6 إبريل 1669، وعاد إلى مدينة ليون، حيث درّس علم البلاغة في المعهد اليسوعيّ حيث كان طالبًا من قبل.
  • وكان يعِظ في كنيسة اليسوعيّين الملاصقة للمعهد أيّام الآحاد والأعياد.
    عام 1684، توقّف عن القيام بنشاطاته الرسوليّة، وأمضى سنة كاملة يدرس فيها قوانين الرهبانيّة وروحانيّتها مرّة أخرى، وهي ما يسمّيها اليسوعيّون سنة الإبتداء الثالثة.
  • وقام برياضة روحيّة صامتة دامت شهرًا كاملًا، كما يفعل اليسوعيّون. وفي أثناء هذه الرياضة، شعر أنّه مستعدّ لكي يقدّم لله نذرًا خاصًا يُلزمه بتطبيق قوانين الرهبانيّة في حياته تطبيقًا دقيقًا جدًا، لكي يزداد فضيلة. ونذر هذا النذر بعد أن نال موافقة رؤسائه.
     
  • لم يُبدِ الأب كولومبيير أيّة حماسة للرسالة خارج البلاد، ولم يتميّز عن سواه إلاّ بحسّه المُرهف وقدرته العالية على التمييز، وسداد رأيه. عيّنه رؤساؤه رئيسًا على دير صغير في بلدة باريه لومونيال. وقد أراد الله هذا الأمر لأنّه سوف يوكِل إليه مهمّة في غاية الصعوبة.
  • ففي تلك البلدة حدث بدير الزيارة للراهبات أمر يثير القلق ويحيّر النفوس: لأنّ راهبة شابّة اسمها الأخت "مرجريت ماري الآكوك" – القديسة مارجريت ماري ألاكوك فيما بعد - قالت بأنها تنال نعمًا من السماء، ويظهر لها السيّد المسيح له المجد، ويكشف لها عن كنوز قلبه الأقدس. وقد تعرضت هذه الراهبة بسبب ذلك الى سخرية رفيقاتها وتعنيف رئيستها، واتُّهمت بالكذب أو الهلوسة.
  • وأصّرت على أنّ ما تقوله ليس وَهمًا، وأنّه لابد للحقيقة أن تظهر يومًا. وفي إحدى الظهورات، سمعت صوت سيّدنا يسوع المسيح يقول لها: "سأرسل لكِ خادمي الأمين وصديقي المثاليّ". ففهمت أنّ الله سيرسل لها عونًا يساعدها ويرشدها. وبدأت تترقّب ذلك بفارغ الصبر. 
     
  • وصل الأب لاكولومبيير الى مقرّه الجديد في باريه لومونيال في فبراير 1675. وذهب بعد بضعة أيّام لزيارة دير الراهبات ليتعرّف إليهنّ. وحين قدّمته الأم الرئيسة الى أعضاء ديرها، سمعت الأخت مرجريت ماري ألاكوك صوتًا داخليًا يقول لها: "إنّه هو من أرسلتُ إليكِ". فتهلل وجهها، وارتاحت نفسها، وطلبت أن تتحدّث إليه حديثًا خاصًا. وفتحت له قلبها، وعبّرت له عن مكنونات نفسها، وطلبت منه النصح والإرشاد. فشعر في قرارة نفسه أنّ ما تناله هذه الراهبة من نِعم ليس خيالًا أو أوهامًا بل إلهامًا من الله، ونعمة خصّها بها المسيح. لكنّه لم يفصح عن رأيه، وما كشفته له نفسه الحسّاسة، ونظرته الروحيّة الثاقبة التي روّضها بالمواظبة على الصلاة، بل فضّل التروّي. وطلب من الراهبة أن تلتزم الصمت قدر الإمكان، وأن تعيش حياتها الرهبانيّة على أكمل وجه، كما لو أنّ شيئًا من هذا لم يحدث، وأن تسلّم أمرها كليّة لله، فهو قادر على تدبير أمور عبيده.
  • وفي أحد الأيّام، بينما كان الأب لاكولومبيير يحتفل بالقدّاس الإلهي، نال نعمة من عند الله، ورأى يسوع المسيح وقلبه الأقدس يلتهب كأتون من نار، ويحوي في داخله قلبين آخرين. وسمع صوت المخلّص يقول له:" إنّ حبّي النزيه هو في هذه القلوب الثلاثة إلى الأبد". فعرف حينذاك تدبير العناية الإلهية وسرّ وجوده في هذه البلدة.
    وفي شهر يونيو سنة 1675م، ظهر السيد المسيح للأخت مرجريت ماري في الأسبوع المخصّص لإكرام جسد الربّ، وأظهر لها قلبه، وطلب أن يخصّص يوم الجمعة، الذي يلي أسبوع عيد جسد الربّ، لإكرام قلبه الأقدس.
  • فسألته كيف يُمكنها نَشر هذه العبادة وقد نذرت أن تعيش حياة رهبانيّة نسكيّة، وأن لا تغادر الدير حتى آخر أيّام حياتها؟ فأجابها: "إذهبي الى خادمي الأب كلود لاكولومبيير، وقولي له باسمي أن يبذل قصارى جهده لينشر هذه العبادة، ويعطي قلبي بهجةً وفرحًا".
     
  • وأخبرت الأب لاكولومبيير بهذا النبأ، فطلب منها مرّة أخرى ألاّ تقول لأحد شيئًا ريثما يحين الموعد المناسب. وحين حلّ يوم الجمعة الذي يلي أسبوع عيد الجسد، وكان يوم 21 يونيو 1675، إحتفل الأب لاكولومبيير والأخت مرجريت ماري وحدهما بعيد القلب الأقدس. وكان ذلك أوّل احتفال يتمّ لهذه العبادة التقويّة.
  • ولمّا رأى الله استعداد خادمه لسماع صوته وتلبية رغباته، ألهم رؤساءه بإرساله الى انجلترا. ففي ذلك الوقت، كانت الحكومة الإنجليزيّة تضطهد الكاثوليك في بلادها، وتزجّ الكهنة في السجون أو تعدمهم. ولذلك رأى الرؤساء أن يرسلوا كاهنًا فرنسيًا لخدمة الكاثوليك، نزولًًا عند رغبة دوق منطقة يورك اللندنيّة، وهو أخو الملك شارل الثاني، وكان الدوق قد حصل على إذن استثنائيّ من أخيه لكي تكون كنيسة قصره كاثوليكيّة، ويخدمها كاهن أجنبي.
     
  • لم يبدِ الأب لاكولومبيير أيّة معارضة على قرار نقله، وحقّق بالعمل ما نذره أمام الله في حفظ قوانين الرهبانيّة وتنفيذها بحذافيرها دون تردّد أو تذمّر. فترك البلدة التي تعلّق قلبه بها، وسافر الى إنجلترا، وراح يخدم كنيسة القصر، ويعظ في موضوع العقائد المسيحيّة، ويعلّم الناس أصول الإيمان، ويزور المرضى، ويتحدّث عن قلب يسوع والأمور التي تحدث في باريه لومونيال. وكان لكلماته الأثر الحسن في قلب الدوقة، فتوسّطت لدى البابا، لكي يخصّص عيدًا لإكرام قلب يسوع الأقدس. ولبّى البابا اينوشنسيوس الثاني عشر هذه الرغبة، بعد أن أحيِط بالأمر علمًا واستشار الأساقفة، وأعلن يوم الجمعة الذي يلي أسبوع عيد الجسد المقدّس في شهر يونيو من كلّ سنة عيدًا للقلب الأقدس.
     
  • وفي شهر نوفمبر 1678، وشى مواطنٌ فرنسيّ بالأب لاكولومبيير الى السلطات الإنجليزيّة، طمعًا بالمكافأة المخصّصة لكلّ من يشي بأمرِ كاهنٍ كاثوليكيّ. وكان الأب لاكولومبيير قد ساعد هذا الفرنسيّ مرّات عدّة وعطف عليه. لكنّ الطمع أعمى عينيه وجعله يخون من أحسن إليه مقابل مبلغ مائة جنيه استرليني. وفي الساعات الأولى من صباح يوم 24 نوفمبر 1678، حضرت قوّات الجيش إلى بيته، وقبضت عليه بتهمة إلقاء عظة مناوئة للملك والبرلمان.
  • وزجّ به في السجن داخل زنزانة رطبة تحت الأرض، ترعى فيها الفئران والحشرات. فتدهورت صحّته، وأصيب بمرض السلّ، وبدأ يبصق دمًا. فخاف المسؤولون عن السجن من أن يموت في المعتقل، فتُسبّب وفاته مشكلة سياسيّة بين انجلترا وفرنسا، أو بين الدوق والحكومة، فأطلقوا سراحه وأعادوه الى بلاده. عاش الأب لاكولومبيير حياةً روحيّةً عميقة، وتميّز بالتواضع. ففي سجنه، 
     
  • وتدهورت صحّته أكثر، فسمح له الرؤساء بأن يذهب الى باريه لومونيال، لعلّ جوّ الريف يساعده على الشفاء. ووصل الى البلدة الغالية على قلبه وهو مُنهّك لا يقوىَ على الحِراك. وبعد فترة، استعاد شيئًا من قوّته، وصار قادرًا على السير بمساعدة أحد يسنده. فذهب الى دير الزيارة، وقابل الأخت مرجريت ماري ألاكوك، وتحدّثا مدّة طويلة من الزمن، وصلّيا الى القلب الأقدس، ثمّ عاد الى دير الآباء اليسوعيّين، وتمدّد على سريره وسلّم روحه مع قلبه إلى الله. وكان ذلك في 15 فبراير 1682، وهو في الحادية والأربعين من عمره.
     
  • أعلنه البابا بيوس التاسع عشر طوباويًا في 16 يونيو 1929. وفي 31 مايو 1992 أعلنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني قديسًا. وصار شفيع مُكرِّسي القلب الأقدس.