رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا حق لهم بفلسطين.. "ناطوري كارتا" قصة حركة يهودية لا تعترف بإسرائيل

حركة ناطوراي كارتا
حركة ناطوراي كارتا

لم يكن العرب ومن يعلمون التاريخ جيدًا وحدهم هم من لا يعترفون بدولة إسرائيل، بل المفاجأة أن من بين أبناء هذا الاحتلال نفسه ومن يدينون بدينه من لا يعترف به كدولة، ومن يرى أنه كٌتب على أهله الشتات بين البلدان، كما كانوا في أول التاريخ وذكرهم كتاب الله.

 

هؤلاء هم جماعة "ناطوري كارتا" اليهودية التي ربما لم يسمع عنها الكثيرون حيث تحاول إسرائيل قمعهم وإسكات أصواتهم بل ومطاردتهم وضربهم بالعصي لكي يتوقفوا عن معارضة ممارساتها الوحشية.

 

"وناطوري كارتا" (Neturei Karta) تعني بالآرامية "حارس المدينة"، وهي حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، ولا تعترف بدولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

تعتبر ناطوري، أن قيام دولة لليهود لا يكون بسلب شعب آخر أرضه، ولا يكون إلا بإذن من الرب، وذلك  بعد أن يرجع اليهود إلى تطبيق شريعتهم التي عاقبهم الرب لمخالفتها، وشتتهم في البلدان وبين شعوب الأرض بسبب تضييعها.

 

وجماعة ناطوري كارتا كانت جزءً من حزب "أغودات يسرائيل"، وهو ذلك الحزب الذي أُنشئ في بداية القرن العشرين لمواجهة الصهيونية.

 

إلا أنه وبعد عام 1917، وهو ذلك العام الذي أصدرت فيه الحكومة البريطانية وعد بلفور، دعم الحزب هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين، ولكنه مع ذلك رفض إقامة دولة يهودية.

 

وانشق جزء من هذا الحزب عنه عام 1935، نتيجة تقاربه مع الحركة الصهيونية، لينشئوا فيما بعد الحركة، وبدأت جماعة "ناطوري كارتا" تستخدم هذا الاسم أول مرة عام 1938 كتعريف بها بين الأوساط العالمية.

 

نشأتها

تأسست هذه الجماعة في القدس على يد الحاخام "أمرام بلاو"، الذي كان رئيسها حتى وفاته 1974، وسعى مع جماعته إلى تأكيد إنكار صلاحية إسرائيل دولة قومية يهودية، كما رفضت هذه الجماعة اعتبار الصهيونية الوكيل المزعوم لمصالح اليهود حول العالم.

 

في الوقت نفسه أدانت حركة ناطوري كارتا منذ تأسيسها القبول الدولي بإنشاء دولة إسرائيل عام 1948، والوضع الذي أفضى إليه من ممارسات تعسفية ضد الشعب الفلسطيني بشقيه المسلم والمسيحي.

 

بل عبرت حركة ناطوري عن وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة "الظلم الصهيوني"، مؤكدة أن هذه الممارسات مستهجنة في الديانة اليهودية التي تنص على تحريم القتل والظلم.

 

عدد أفرادها

وحول العالم يقدر عدد المنتمين للحركة بعشرات الآلاف، يعيش أكثرهم في الولايات المتحدة، وتحديدا في حي بروكلين الشهير بنيويورك.

بينما في فلسطين يعيش حوالي 5 آلاف يهودي من أعضائها في حي "مئة شعاريم" وسط القدس، وبسبب معارضتهم للصهيونية فإنهم يتعرضون للملاحقات المستمرة على يد السلطات الإسرائيلية.

 

مبادئها

ويرى أعضاء "ناطوري كارتا" أنه على اليهود ألا يستخدموا القوة في العودة الجماعية إلى أرض إسرائيل، وأنهم يجب أن يبقوا موالين لدول الشتات حتى يأتي المسيح ويخلصهم ويطهرهم.

ترى جماعة "ناطوري كارتا" أن الحق في السكن على الأرض المقدسة قد سحب من اليهود نتيجة إخلالهم بإقامة الشرائع التوراتية، ففرض عليهم الشتات بين شعوب العالم.

بل وأقسم أعضاء الحركة على عدم إقامة أي بلد موحد لهم، سواء في الأرض المقدسة أو في أي مكان آخر، وعلى تبعيتهم للبلدان التي يعيشون تحت سلطتها، ولذلك ترى هذه الجماعة أن الدولة الصهيونية لا تنتمي إلى الديانة اليهودية ويجب رفضها ومحاربتها.

وجماعة "ناطوري" لها 3 معابد رئيسية في الولايات المتحدة الأميركية هي منظمة أصدقاء القدس في نيويورك، وميثاق الحقوق، وبارك وليامزبرغ.

 

رموزها

كما أن للجماعة عدد من الشخصيات والرموز التي تتصدرها للتعبير عن رؤيتها وموقفها من الاحتلال الصهيوني والقضية الفلسطينية.

من بين هؤلاء الحاخام أمرام بلاو والذي كان أحد زعماء حزب "أغودات يسرائيل" البارزين، والذي حارب الصهيونية منذ بداية شبابه، ونجح بالتعاون مع الحاخام سوننفلد في الحصول على قرار فصل جماعة اليهود الأرثوذكس عن أحياء الصهاينة من حكومة الانتداب البريطانية.

ومع إعلان قيام دولة إسرائيل قاد "بلاو" مظاهرة مع الآلاف من اليهود الأرثوذكس رفضًا لقيامها، وبعد أن قامت أعلن بلاو رفضه التعامل مع الحكومة الصهيونية، ورفض الخضوع لقوانينها، لذلك تعرض بلاو وأتباعه للمضايقات الأمنية عدة مرات، واعتقلته سلطة الاحتلال الإسرائيلي عشرات المرات جراء ذلك.

وبعد وفاة بلاو تولى زعامة "ناطوري كارتا" الحاخام موشيه هيرش عام 1974، وسار على نهج سلفه في رفض التعامل مع الحكومة الصهيونية ودعم القضية الفلسطينية، كما تولى منصب وزير الشؤون اليهودية في حكومة ياسرعرفات عام 1995، إذ اعتبرت المنظمة الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسًا لجميع سكان أرض فلسطين، ومن ضمنهم اليهود.

وكان للجماعة عضو مراقب في هيئة الأمم المتحدة، وهو ما جعلها تسهم بدور فعال أثناء مناقشة قرار الأمم المتحدة رقم 3379 عام 1975، الذي عدَّ الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية.

وفي عام 1992، حضر قادة من ناطوري كارتا مؤتمر السلام في الشرق الأوسط في واشنطن، وأكدوا في بيان صادر عنهم أن "الشعب اليهودي مكلف بالقسم الإلهي بعدم السعي للاستقلال والتخلص من نير المنفى الذي فُرض عليه".

كما أكد البيان، أن الصهاينة تمردوا على هذا المرسوم الإلهي باحتلالهم فلسطين وإقامة "دولتهم" عليها، وبهذا الاحتلال استحقوا العقاب الإلهي المنصوص عليه في التلمود.

وشاركت المنظمة في قافلة تحيا فلسطين الثانية في منتصف عام 2009، وقابل 4 أعضاء منهم حركة حماس وقادتها برئاسة إسماعيل هنية، وحينها شكر هنية ناطوري كارتا لمعارضتها الاحتلال، وقال إن "حركة حماس ليست ضد اليهود، ولكن ضد الاحتلال الإسرائيلي القائم على الصهيونية".

كما شاركت "ناطوري كارتا" في مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس عام 2018، وعبّر زعيم الحركة يسرويل دوفيد وايز عن امتنانه لإقامة مثل تلك الفعاليات، قائلًا: "نحن نعلن أنه ليس هناك حق إسرائيلي، ولا يوجد ارتباط لهؤلاء، حيث هم ليسوا يهودا على الإطلاق، ويجب على قادة العالم الإسلامي ألا يلقبوا هؤلاء باليهود أو الإسرائيليين، حتى لا يعطوهم الشرعية".

وقد عبّر الحاخام الزعيم وايز عن أسفه لقبول الرواية الصهيونية عقب القرار الأمريكي عام 2018 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقال إن "هذه الخطوة لا تضر فقط بالمسلمين، بل باليهود أيضا".