رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"كذب المنجمون ولو صدفوا".. هل يصدق الناس توقعات المتنبئين؟

الابراج
الابراج

يتزايد الاهتمام بمدى دقة ما يقدمه المنجمون والعرافين والسحرة خلال الفترات القادمة، هل يمكنهم تقديم ما يرضي تطلعاتنا؟ أم أنهم يستغلون جهلنا وضعفنا لبيع الأوهام والخرافات؟

في هذا التقرير، نستعرض بعض الحقائق والأدلة التي تكشف عن كذب المنجمين، ونوضح خطورة الاعتماد على هذه الأساليب في تحديد مصائرنا وقراراتنا، كما سنسلط الضوء على موقف الدين من هذه الظواهر، وكيف يحثنا على التوكل على الله والاستعانة به في كل أمورنا.

ادعاءات "عبداللطيف" مقابل المال

ذلك الجدل الدائر عن الفرق بين المنجمين وعلم الفلك، تسببت به  توقعات ليلى عبداللطيف، التي عرّفت نفسها بأنها خبيرة التوقعات، وهي تحمل الجنسيتين اللبنانية والمصرية، والتي تحدثت عن العديد من الأحداث التي وقعت بالفعل؛ كان آخرها قي نهاية 2023 وتوقعاتها عن انفصال الثنائي ياسمين عبدالعزيز وأحمد العوضي خلال عام 2024.

ولكن تلك التوقعات الخاصة بالمشاهير من الوارد حدوثها، أما التوقعات السياسية والمتعلقة بالحروب والأمراض كيف يمكن التنبؤ بها؛ ولعل ضمن تلك التوقعات هجمات مفاجئة ضد جماعة الحوثيين في اليمن، والتي تحولت لحقيقة بعد الضربة التي وجهتها أمريكا وبريطانيا وروسيا ضد أهداف جماعة الحوثي في اليمن منذ أيام.

وتوقعت أيضًا وقوع زلزال مدمر في عدد من الدول، من ضمنها اليابان، وهو ما وقع في الأيام الأولى من العام الجاري، وهناك توقعات أخرى تم تداولها وحدثت بالفعل، ما جعل "عبداللطيف" تكتسب مصداقية كبيرة بين الجمهور، إلا أن التساؤل كيف تصل إلى تلك التوقعات الصحيحة، وهل تتقاضى أجرًا للإفصاح عن تلك التوقعات أم لا؟

في لقاء تلفزيوني لها، عبر قناة "صوت بيروت" اللبنانية، برنامج "الموجهة"، في أغسطس 2022، وجه لها المذيع سؤالًا مباشرًا عما إذا كانت تتقاضى أموالًا مقابل تسريب تلك التوقعات التي هي في الأساس تكون حقيقة، لكن يتم التمهيد لحدوثها، أو طلب منها أحد السياسيين الحديث عنه بشكل إيجابي في مقابل منحها الأموال، إلا أنها نفت الأمر بشكل قاطع، وعندما عرض المذيع على الشاشة "شيك" بتاريخ 8 نوفمبر 2012، باسمها موجه لها بشكل مباشر من أحد السياسيين بمبلغ 150 ألف دولار، أرادت الانسحاب من الحلقة.


ونرى أن هذا الحديث تغير كليًا، عندما ظهرت منذ 11 شهر تقريبًا، في برنامج "كتاب الشهرة" المذاع عبر قناة "الجديد" اللبنانية، فقد سألها المذيع على نفس "الشيك"، لكنها هذه المرة حافظت على هدوئها، رافضة الإفصاح عن مرسله، معترفة أنه شخصية سياسية لبنانية أراد منها التنبؤ باختيار إحدى صفقتين، وعندما نجحت في تنبؤها أهداها هذا "الشيك" شكرًا منه على توقعاتها.

وردًا على المصداقية التي يكتسبها هؤلاء عند الجمهور، تواصلنا مع عدد من المتخصصين للحديث عن صحة تلك التوقعات من عدمها، وأيضًا إدراجها تحت مسمى التنجيم.

أستاذ بالبحوث الفلكية: التنجيم دجل وشعوذة

بداية، تحدثنا مع الدكتور ناصر محمد، الحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء الفلكية، وأستاذ بقسم الفلك المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، قال إن علم الفلك هو العلم الذي يدرس الأجرام السماوية مثل النجوم والمجرات والكون  من حيث كافة النواحي الفيزيائية والكميائية ووضع النماذج الرياضية،كما أن الكون معمل فزيائي ضخم يُستخدم لدراسة النظريات العلمية واختبارها، أما التنجيم فليس بعلم وهو محض دجل وشعوذة وخرافات وجهل، وليس له علاقة بعلم الفلك.

وأوضح "محمد"، في حديثه مع "الدستور"، أن الأبراج والحديث عنها ما هي إلا وهم ليس له وجود مثلما نحدد خطوط الطول ودوائر العرض، مؤكدًا أن النجوم لا تتحرك لنربط بين حركتها وحياة الأشخاص على الأرض، وذلك بناء على أرصاد مؤكدة، فالأبراج عبارة عن نجوم متفرقة، وليس لها أشكال كما يصفها المنجمون أنها على شكل أسد أو دلو أو غيرها.

وأكد أن أي تنبؤات يصدرها المنجمون هي محض صدفة، لذا نجد أنهم يطلقون عشرات التنبؤات ولا يحدث منها سوى حدث واحد، وعلى أساسه يصدرون الوهم للناس على أن لهم القدرة على التنبؤ بالأقدار، والأقدار لا يعملها إلا الله وما دون ذلك هو دجل ينتشر بسبب الجهل وقلة الوعي بين الناس.

دار الإفتاء: لا دليل يُحرِّم علم الفلك 

ولم يختلف الرأي العلمي عن الرأي الديني، فقد نشرت دار الإفتاء المصرية، عبر الحساب الرسمي لها على "الفيسوك"، أنه لا يوجد في الشرع ما يُحرِّم علم الفلك أو منعه؛ إنما المحرم مذكور في النصوص التي تذم علم النجوم المبني على الظن والتخمين الذي لا يتحقق، بل يترتب عليه ضرر بالناس، أما الفلك باعتباره علمًا فليس كذلك، لأن له تخصصه وعلماؤه ومنهجه المقرَّر، وهو من فروض الكفايات، التي تأثم الأمة جميعًا لو عُدم فيها مَن يعلمه؛ فعلم الفلك تتوقف عليه جملةٌ من مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بمعرفته ودراسته.

أمين لجنة الفتوى: لا مانع من "الأبراج" باعتبارها ظنية

وفي فتوى مسجلة عبر الحساب الرسمي لدار الإفتاء المصرية عبر "فيسبوك"، دعا الشيخ أحمد وسام، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إلى التفريق بين العلم وبين الدجل، فالنجوم علم له أدواته، استخدمه العرب قديمًا في معرفة المواقيت، لكن مع التطور التكنولوجي اندثر ذلك.

وأوضح "وسام"، أن متابع الأبراج للتعرف على بعض الصفات فلا مانع فيها، قائلًا: "هذه الدلالة هي ظنية فغالب الظن أن الذي يولد في برج كذا فـطبعه كذا فهذا ليس على سبيل القطع"، أما الدجل هو ادعاء معرفة علم الغيب، وهو ممنوع شرعًا، فالله عز وجل هو عالم الغيب.

الكنيسة الإنجيلية: المسيحية ترفض هذا الدجل

ولم نغفل إدراج رأي الدين المسيحي في تلك المسألة، فتواصلنا مع القس رفعت فكري، رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية، قال إن التنجيم هو درب من دروب الدجل، وهو يعتمد على ربط الأحداث والوقائع ببعضها، وله تأثير على نفسيات البشر القلقة دومًا من المستقبل وتتطلع لمعرفته، 

وأوضح "فكري"، في حديثه مع "الدستور"، أن التنجيم أمر غير علمي، فالغيب لا يعلمه إلا الله، وتحقق تلك النبوءات تكون صدفة، مؤكدًا أن المسيحية ترفض هذا الدجل، حتى وإن تَلَبّس بثوب الدين، مثل: "أنا بصليلك وربنا باعتلك رسالة معايا"، فلا وسيط بين الناس والرب.