رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محيى الدين لـ"الدستور": تحالف البريكس يهدد هيمنة الدولار.. وانضمام مصر إليه "فرصة جيدة"

الدكتور محمود محيى
الدكتور محمود محيى الدين

قال الدكتور محمود محيي الدين أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل خطة التنمية المستدامة، إن انضمام مصر إلى تحالف البريكس  مع بداية العام المقبل فرصة جيدة، تتيح تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر والدول الأعضاء، كما أنه فرصة لتوحيد وتنسيق المواقف وزيادة القدرة التفاوضية، وبلورة نظام مالى ونقدي فى مواجهة هيمنة الدولار.
 

انضمام مصر للبريكس

 

وقدم محيي الدين، تحليلًا لعدد من الموضوعات المتعلقة بأداء الاقتصاد المصرى والعالمى وأهمية انضمام مصر إلى تحالف البريكس، وكذا تداعيات الحرب فى غزة وأوكرانيا على الأزمة الاقتصادية ومستهدفات التضخم والدولار، وذلك ردًا على أسئلة "الدستور" على هامش الصالون الثقافى الذى أقامه معهد التخطيط القومي الأربعاء الماضى، وجاءت التفاصيل كما يلى:

 

- بداية كيف ترى مستقبل الاقتصاد العالمى مع بداية 2024 فى ظل التطورات الأخيرة؟
لا شك أن الحروب والنزاعات فى أنحاء مختلفة من العالم لها أبعاد وانعكاسات اقتصادية على دول المنطقة وخاصة الدول المجاورة لنقاط النزاع، سواء بالنسبة لحرب غزة أو أوكرانيا، منها تأثيرات على قطاع السياحة وحركة النقل والتجارة، لكنها جميعًا تأثيرات مؤقتة تزول بعودة السلام والاستقرار الأمنى، ووفق التوقعات المحدثة بعد 7 أكتوبر الماضى، فمن المرجح أن يتراوح النمو الاقتصادى العالمى بين 2.5 لـ 3.5% وهى أقرب من المستويات الأدنى من الأعلى عالميًا، ومن المتوقع أيضًا أن يشهد العام القادم مزيدا من الانخفاضات فى معدل التضخم عالميًا بعدما قفز لأعلى مستوى منذ 40 عامًا، ليتراوح ما بين 5 لـ 6% خلال عام 2024 مقابل 7% فى عام 2023 و9% فى عام 2022، ومع ذلك يجب العمل على ألا يكون هذا التخفيض على حساب التشغيل والنمو وفرص العمل بفعل سياسات تشديد نقدى وأسعار الفائدة معوقة للاستثمار وفرص العمل.

 

- هل هذا يعنى أننا أمام تخفيض كبير فى الفائدة الأمريكية كما يتوقع البعض؟ 
هناك توقعات بعد التثبيت الأخير لسعر الفائدة بأن يبدأ الفيدرالي الأمريكى سلسلة تخفيضات لأسعار الفائدة والتى تتراوح وفقًا لتقديرات البعض بين 50 و75 نقطة أساس تتم على مرتين أو ثلاثة، ولكن أعتقد أنه فى ظل التخوف من ارتفاع معدل التضخم لن تحدث انخفاضات كبيرة فى أسعار فائدة كتلك التى كانت بعد الأزمة المالية العالمية والتى كانت تقترب من صفر%.

 

- هل تمهد تلك الانخفاضات المتوقعة عودة الأموال الساخنة بسبب فرق سعر الفائدة محليًا وعالميًا؟
الحديث عن تخفيض مفرط فى أسعارالفائدة الأمريكية مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية هو نوع من المضاربة السياسية غير الصحيحة نظرًا لاستقلاليه البنك الفيدرالى، لذا لا ينبغى المراهنة على انخفاضات عنيفة فى أسعار الفائدة الأمريكية خلال عام 2024، أو المراهنة على عودة الأموال الساخنة بالطريقة المعتادة وإنما علينا التحوط والعمل على تحفيز الإنتاج والتصدير والاستثمار لضبط سعر الصرف وتحسين قيمة العملة المحلية لتجاوز الأزمة الاقتصادية بنجاح.

 

- وماذا عن تداعيات الحرب فى أوكرانيا وغزة فى عام 2024؟
تم إدخال ما يمكن من خلاله استيعاب التأثيرات السلبية على الوقود والغذاء فى الفترة التى نشبت بها الحرب فى عام 2022، وتم تدبير مصادر أخرى للطاقة فى حالة دول أوروبا والوقود والغذاء فى حالة البلدان النامية، لكن يجب التحوط ضد التغيرات المفاجئة فى هذا الشأن.

 

- هل سيكون هناك مشاركة دولية لإعادة إعمار غزة؟


موضوع إعادة الإعمار أمر سابق لأوانه، فالأولوية الآن لحقن الدماء وعودة السلام والأمن، وبالتأكيد أعمال إعادة الإعمار قياسًا إلى سوابق لدول أخرى تعرضت لمثل هذا الحجم من الدمار يتطلب وقتا طويلا، ونرجو أن يحظى الأمر بمشاركة دولية كبيرة.

 

- انتقالًا للشأن المحلى.. ما توقعاتكم بشأن أداء الاقتصاد المصرى وفرص تجاوز أزمته الراهنة؟


الاقتصاد المصرى أمامه فرص واعدة لما يتمتع به من تنوع اقتصادى كبير وسوق ضخمة وزخم بشري يمكن الاعتماد عليه لتهيئة مناخ جاذب للاستثمار واستعادة تدفق التحويلات النقدية، ودوران عجلة الإنتاج بكفاءة عالية، مع ضرورة العمل فى إطار خطة شاملة ومتكاملة لاستهداف التضخم وضبط سعر الصرف، وتحسين مستوى دخول ومعيشة الأفراد، وذلك من خلال تنسيق بين السياسات النقدية والمالية، مع إفساح المجال أمام القطاع الخاص بما يتماشى مع السياسة الصناعية الجديدة، التى تتدخل خلالها الدولة بتدفق مالى ضخم لكنها لا تتولى الإدارة أو الملكية وإنما تقوم بعملية التمويل والمساندة والمراقبة والإنفاق على بعض المجالات خاصة البحوث المتطورة ومجالات الاقتصاد الأخضر بتنوعه.

 

- ما أولويات الإصلاح الاقتصادى للمرحلة المقبلة من وجهة نظرك؟


لا ينبغى أن تقتصر الإصلاحات على تحقيق الاستقرار الكلى بما يشمله من السيطرة على التضخم وضبط انفلات أسعار الصرف، وإنما يجب البناء على نمو شامل ومستدام يتطلب الاستثمار في البشر من خلال مزيد من الإنفاق العام والخاص على التعليم والرعاية الصحية، والاستثمار فى البنية التكنولوجية جنبًا إلى جنب مع ما تم من تطوير مهم فى البنية الأساسية المادية التى نراها حولنا فى كل مكان فى مصر، مع التوسع فى الاستثمار فى التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى والاستدامة، حتى لا تكون نتائج الإصلاح مجرد إنجاز مؤقت، أو عارض ولكن يبنى عليه بزيادة ناتج وإنتاجية وفتح المجالات التى يتمتع بها الاقتصاد المصري من مزايا تنافسية وإمكانيات هائلة فى الزراعة والتصنيع والسياحة.

 

- كيف ترى أهمية انضمام مصر إلى تحالف البريكس وتوقيت تلك الخطوة؟


الانضمام إلى تحالف البريكس خطوة جيدة تكتسب أهميتها من أنه يضم مجموعة من الدول الكبرى تستحوذ على 25% من صادرات العالم، ويمثل سكانها 46% من سكان العالم، حيث يستهدف التحالف كسر هيمنة الدولار،  لا سيما فيما يخص التمويل والديون، من خلال طرح بدائل وحلول مختلفة في ظل تبنى الحكومة الأمريكية سياسة خارجية متشددة تقوم على استخدام العقوبات الاقتصادية سلاحًا دبلوماسيًا، لكن فى الوقت ذاته لا أتوقع التوصل إلى عملة بريكس موحدة قريبًا، حيث يتطلب الأمر ترتيبات بين الدول الأعضاء لابتكار نظام مالى جديد.


أما بالنسبة لمصر، فإن انضمامها إلى تحالف البريكس مع بداية العام القادم يتيح لها فرصة تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الأعضاء، وتوحيد وتنسيق المواقف وزيادة القدرة التفاوضية، وبلورة نظام مالى ونقدى فى مواجهة هيمنة الدولار.

 

- لكن هل من الممكن نجاح تحالف البريكس فى كسر هيمنة الدولار؟


هناك إطار اقتصادى وسياسى يحكم مسألة العملات، وقد حدث في الفترة الماضية نوع من المبالغة غير الموفقة فى إمكانيات الإحلال محل الدولار بين عشية وضحاها، لكن بالتأكيد الأمر وارد حدوثه بدليل أن الدولار لم يكن هو العملة المعتمدة على مستوى العالم حتى بعد الحرب العالمية الثانية واستمر العالم في استخدام الجنية الاسترليني بنسبة 55% من الاحتياطى، إلى أن تبدلت الأمور وتفوق الاقتصاد الأمريكى بحكم إنتاجه وزيادة تنافسيته، وأصبح الدولار عملة احتياطية دولية بنسبة 60%، ووصلت حصته من عقود الديون الدولية لـ65 % فى عام 2020، رغم أن نسبة الاقتصاد الأمريكى لا تجاوز 25%، ونصيبها من إجمالى حركة التجارة الدولية تقل عن 15%.

 

- أخيرًا.. كيف تتابع الحديث عن إمكانية طرح عملة مشتركة قريبًا بديلة للدولار؟

الحديث عن بدائل الدولار يقترن بتراجع حصة الدولار من الاحتياطى الدولى من 80% لـ 60%، وهناك عملات لاقتصادات ذات سواق ناشئة طواقة للقيام بدور بديل، وهناك بدائل بدأ التعامل من خلالها لتقليل الاعتماد بشكل مباشر على الدولار والتعامل بالعملات المحلية فى التبادل التجارى بين الدول بعضها البعض إلا فى حالات السلع المقومة بالدولار كالبترول، وهذا الاتجاه تصاعد مع التخوف العالمى من الدولار المسلح الذى تم استخدامه فى مواجهات دولية مثلما حدث مع روسيا من استبعادها من نظام سويفت المالى العالمى وتجميد أرصدة دولارية، وكذلك العقوبات المفروضة على أفغانستان وإيران، لكن فى النهاية التوصل إلى عملة مشتركة بديلة أمر يتطلب مزيد من الوقت والمشاروات والمفاوضات بين الدول الأعضاء.