رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى كتاب "القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية" لـ هنري كسينجر (خاص)

هنري كيسنجر
هنري كيسنجر

"القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية" الكتاب الأخير لـ هنري كيسنجر، أحدث ترجمات، المترجم المصري محمد عثمان خليفة والذي خص “الدستور” بالتفاصيل الكاملة لآخر مؤلفات وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر.

التفاصيل الكاملة لآخر مؤلفات هنري كيسنجر 

وقال “خليفة”: كتاب "القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية" لـ هنري كيسنجر هو الكتاب الأخير لرمز الدبلوماسية الأميركية، ويصدر قريبًا عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في لبنان، وهي واحدة من دور النشر العربية العريقة، التي تعاونت معها في ترجمة أكثر من كتاب في العلوم السياسية، من بين أكثر الكتب مبيعًا حول العالم، وتصدر الدار أكثر من 50 عنوانًا سنويًا، تتناول شتى المجالات، من الأدب إلى السياسة فالتاريخ والاقتصاد والقانون والطب والغذاء والفنون والعلوم الإنسانية والتربوية.

وأوضح “خليفة”: خلال هذا الأسبوع، استحضر العالم الإرث الدبلوماسي لــ هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي تُوفي عن مائة عام. ورغم غياب هنري كيسنجر، تستمر السياسة "الكيسنجرية" مرجعًا للدبلوماسيين عبر العالم. 

لم يترك هنري كيسنجر حجرًا لم يقلبه في الدبلوماسية الناجحة عالميًا. لكنه واجه طيلة عمره المديد تهمة "هندسة الخراب" في العديد من بلدان العالم، بما في ذلك لبنان عربيًا، وتشيلي والأرجنتين في أمريكا الجنوبية، وفيتنام وكمبوديا في آسيا، وصولًا إلى بلدان عدة في إفريقيا.

المترجم محمد عثمان خليفة

 ولولا هذه وتلك، ما كان نجم هنري كيسنجر ليلمع منذ أكثر من نصف قرن، ثم يطبع اسمه على السياسة الخارجية الأميركية، وربما الغربية عمومًا. وقد صنع كيسنجر "أيقونة" نفسه أيضًا في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت "الدبلوماسية المكوكية" التي اعتمدها كوزير للخارجية الأميركية خلال عام 1973 بمثابة الحجر الأساس ليس فقط لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، بل أيضًا لاحتكار الولايات المتحدة رعاية ما صار الآن عملية السلام المترنحة بين الفلسطينيين والعرب من جهة، والإسرائيليين من الجهة الأخرى. فمن الصعب أن تفتحَ صفحات الأحداث الكبرى من النصف الثاني للقرن العشرين من غير أن يكون لهنري كيسنجر مكانٌ بارزٌ في صناعتها أو التأثير فيها.

واستكمل “خليفة”: أما عن الكتاب الذي ستصدر ترجمتي العربية له عن شركة المطبوعات اللبنانية خلال العام 2024، فهو في اعتقادي من أكثر المؤلفات أهمية في دراسة القيادة أو الزعامة، ويتضح منه مقدرة هنري كيسنجر الكبيرة على التفكير والابتكار حتى في أواخر سني عمره، حيث يمكنه الإبداع في صياغة المعلومات وتقديمها بطريقة مبدعة. وقد اختار ست شخصيات رآها نموذجًا لفن القيادة في القرن العشرين؛ وهي محمد أنور السادات والمستشار الألمانى أديناور والرئيس الفرنسى ديجول والرئيس الأمريكى نيكسون ورئيس وزراء سنغافورة لى كوان يو ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر. 

غلاف الكتاب في نسخته العربية

مارجريت تاتشر ضغطت للمشاركة بحرب تحرير الكويت

ولفت “خليفة” إلى: فيما يتعلق باهتماماتنا، يلفت النظر أن هنري كيسنجر قدم الزعيم العربي أنور السادات باهتمام كبير، وفي الفصل الخاص به ترتفع الدرامية السردية إلى ذروتها. ومن بين الستة سيدة واحدة هي مارجريت تاتشر. ويكشف هنري كيسنجر شيئًا أو حقيقة غير معروفة من قبل، وهي أن المرأة الحديدية هي من ضغط على أميركا للمشاركة في حرب تحرير الكويت، وأن جورج بوش الأب لم يكن في البداية متحمسًا لذلك. ويحيط كيسنجر القادة الستة بإعجاب وتقدير غير مألوفين كثيرًا في أعماله السياسية. ويدافع عن رئيسه ريتشارد نيكسون برغم ما حل به في التاريخ الأميركي الحديث. ويمهد كيسنجر لكتابه بمقدمة من أرقى الأبحاث في علم القيادة. وبعكس "الواقعية" التي طغت على أعماله السابقة، فإن الميزات الأخلاقية، والسلوك الإنساني، والتضحية، وسعة الأفق والفكر، هي الملامح الأساسية في عملية الانتقاء.

يقول هنري كيسنجر في كتابه الأخير هذا: "يتمركز فكر القادة وسلوكهم عند تقاطع محورين؛ المحور الأول ما بين الماضي والمستقبل؛ والمحور الثاني ما بين القيم الراسخة وتطلّعات من يقودهم. والتحدّي الأوّل هو التحليل، والذي يبدأ بتقييم واقعي للمجتمع بناءً على تاريخه وأعرافه وقدراته. ومن ثمّ يجب أن يوازن القائد بين ما يعرف، والمستمدّ بالضرورة من الماضي، وما يتخيّل عن المستقبل، وهو تخميني وغير مؤكّد بطبيعته. إن هذا الإدراك الحدسي للاتجاه هو الذي يمكّن القادة من تحديد أهداف ووضع استراتيجية، وكلاهما مَهمّتان جوهريتان".

 

غلاف الكتاب في نسخته الإنجليزية

 

مقتطف من الفصل الخاص بالسادات:

الأمر مختلف مع أنور السادات، رئيس مصر في الفترة من 1970 إلى 1981. فقد كانت انتصاراته ذات سمة مفاهيمية في جوهرها، ولكن منوالها انقطع باغتياله؛ وهذا لأن من أتوا بعده في المنطقة، وهم قلة، تبنوا الجوانب العملية لا الفكرية من جهوده ولم يُظهروا تلك الشجاعة التي بثها فيهم. ونتيجة لذلك، فإن إنجازه العظيم المتمثل في تحقيق السلام مع إسرائيل لم يعد محل حفاوة إلا من قلة، وتجاهل الغالبية غايته الأخلاقية الأعمق أثرًا، على الرغم من أن جهوده تلك هي أساس وجوهر فك الاشتباك بين إسرائيل وسوريا، اتفاقات أوسلو الإسرائيلية الفلسطينية، السلام بين إسرائيل والأردن، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

خلال حقبة من الصراع الإقليمي المستعصي على الحل والطريق الدبلوماسي المسدود، ساهم السادات بتبني رؤية جريئة للسلام، غير مسبوقة في تصورها وجسورة في تنفيذها. لم يكن السادات لافتًا للأنظار في بدايات حياته، ولكنه أظهر طباعًا ثورية في سنوات تكوينه، وبدا أنه شخصية ثانوية حتى بعد توليه مناصب وطنية رفيعة، حتى أن من حوله لم يأخذوا توليه سدة الرئاسة على محمل الجد، وقد طرح السادات مفهومًا للسلام، قدّر له أن يبقى دومًا في طور التحقيق. ولم تفصح أي شخصية أخرى في الشرق الأوسط عن تطلعات مماثلة أو أظهرت قدرة على تحقيق تلك التطلعات. وهكذا، تبقى حقبته القصيرة علامة تعجب مذهلة في سجلات التاريخ.

كان السادات الرئيس نسيجًا وحده بين معاصريه في المنطقة؛ فهم القادة الوطنيون المخلصون لقضية "وحدة واحدة تحت راية واحدة". وعلى النقيض من سلفه صاحب الكاريزما جمال عبد الناصر، أو جاره الليبي مسرحي الأداء معمر القذافي، أو العسكري الراسخ حافظ الأسد في سوريا، فقد تبنى السادات، بعد أن درس نهجهم في النظام الدولي، أساليب الدبلوماسية التي يمارسها الغرب. فكانت أولوية استراتيجيته هي السيادة الوطنية والتحالف مع الولايات المتحدة، وقدمها على سياسات القومية العربية وعدم الانحياز التي سادت العالم العربي والإسلامي. وصبغ السادات خياله الاستراتيجي، الفريد في منطقته، بصفات إنسانية غير عادية؛ الثبات والفطنة والجرأة والجاذبية، فكان مزيجًا من العملية والصوفية. لقد نبعت سياساته جوهريًا من تأملاته الشخصية وتحولاته النفسية.

وما هذا الفصل إلا جهد اقتفاء أثر تطورات شخصيته، وفهم الكيفية التي نأى بنفسه من خلالها عن التيار السائد في عصره والإيديولوجيات التي اختطفت الشرق الأوسط بأسره واستنزفت مصر حتى النخاع.