رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مطران الغربية: الحسد لا يتسبب في إصابة المحسود والإنجيل تحدث عنه

نيقولا انطونيو
نيقولا انطونيو

أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة الرسمي، ووكيلها للشؤون العربية، نشرة تعريفية حول (الحسد في المسيحية)، قال خلالها إن الكتاب المقدس يتكلم عن الحَسَد، والحَسَد لا يتسبب في إصابة المحسود ما لم يقوم الحسود بأذى الشخص المحسود جسديًا. فقايين حسد أخيه هابيل البار، لكن شر حسده زاد فتحول حسده إلى فعل وقام بقتل أخيه. 

الانجيل يحذر من الحسد

وكذلك بسبب حسد إخوة يوسف له قاموا ببيعه للمصريين وصار عبداً. وأيضًا أسلم رؤساء كهنة اليهود يسوع المسيح إلى بيلاطس حسدًا، كمل يقول مرقص الإنجيلي عن بيلاطس: "لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا" 

كما أن الكتاب المقدس يحذرنا من الحسد كثيرًا كونه من الخطايا التي تمنعنا من دخول الملكوت، كما يقول بولس الرسول: "لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلًا أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا" 

إن الكنيسة تؤمن أن إبليس هو الحسود الأول الذي أدخل هذا المرض الروحي إلي العالم، فعن طريقه دخل الحسد والغيرة إلي قلوب الأشرار، وما زال يشغل قلوبهم حتى الآن وفي كل زمان وكل مكان، "أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ بَاطِلًا، الرُّوحُ (روح الشر - الشيطان) الَّذِي حَلَّ فِينَا يَشْتَاقُ إِلَى الْحَسَدِ". فالإنسان الحسود غائب عنه الروح القدس. 

تبدأ قصة "الحسد" الأول من إبليس بسقوطة من رتبته السماوية بسبب تكبره على الله، كما ذُكر في في الآية في النص العبري ورد قول الرب في وحيه لإشعياء النبي: "كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ"، وفي نص اليوناني السبعيني ورد قول الرب: "كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يا إِوُسْفُورُوس و"إِوُسْفُورُوس أو كما يُسمى بالعربية "يوسيفوروس"، معناه "حامل النور"، أو "مُجلب النور"، وكانت هذه رتبة أحد الملائكة قبل سقوطه. لكن بعد سقوطه، بسبب تكبره على الله، سقط من رتبته ومجده وصار ملاك الظلام وسُميّ بـ"لشَّيْطَان". وفي العهد الجديد يقول يسوع عن سقوطه لتلاميذه: "رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ"، وفي سفر الرؤيا يقول يوحنا: "فَرَأَيْتُ كَوْكَبًا قَدْ سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ"، وبسبب سقوطه حسد آدم وحواء علي النعمة التي أصبغها الله عليهما في جنة عدن، وظل عدو الخير يعمل على إغرائهما، حتى سمعا لأفكاره فسقطا بحسده وورثت ذريتهما هذا المرض الروحي، "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ".

 واستطرد الأنبا نيقولا أنطونيو، لهذا امتلى العالم بالقلوب الحاسدة الحاقدة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، وأصحاب هذه القلوب هم أتباع الشيطان الذين يحزنون عندما يمنح الله الخيرات للآخرين، ويفرحوا لخسارتهم، "نَفْسُ الشِّرِّيرِ تَشْتَهِي الشَّرَّ. قَرِيبُهُ لاَ يَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ".

 وتابع أن الحسد كشعور موجود، وهو بشكل عام هو تمني زوال نعمة الآخرين. الحسد مهما إختلفت صوره وأشكاله هو مكروه من قِبَل الله لأنه يحطم كل الذين يقعون في شِركه. لهذا يقول القديس بطرس الرسول: "تَخَلَّصُوا مِنْ كُلِّ أَثَرٍ لِلشَّرِّ وَالْخِدَاعِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَالذَّمِّ". في هذا يقول القديس باسيليوس: "إن الحسد هو غذاء المرض وألم إضافي للشخص الحسود. وعادة ما يكون الشخص الحسود قلقًا ومغلوبًا بحزن لا يحتمل، ليس لأن أمرًا سيئًا أصابه، لكن لأن أمرًا سعيدًا حدث لقريبه الإنسان، إنه لا يلتفت إلى بركاته الشخصية، ولا يشكر الله على الخيرات الممنوحة له كل يوم، لكنه بدلًا من ذلك، يتعذب بسعادة أخيه. إنه حزين لأن أخاه سعيد ويمتلك أشياء أكثر منه".

كما أن "الغيرة" تولد للإنسان الإحساس بأن أقل من غيرة، أو من معاملة الآخرين له أنه أقل من غيره. فإنه عامله الآخرين على أنه اقل قيمة تولد لدي الشخص في أعماقه مشاعر الغضب والبغض والكراهية عاطفة الغيرة تجر معها مشكلات عديدة. 

 يوجد ارتباط بين "الغيرة" و"الحسد"

وأوضح أنه يوجد ارتباط بين "الغيرة" و"الحسد" لأن كلاهما يحتوي علي الغل والحقد، "النَّفْسُ الشِّرِّيرَةُ تُهْلِكُ صَاحِبَهَا، وَتَجْعَلُهُ شَمَاتَةً لأَعْدَائِهِ"، "الحسد" ينتج عن إحساس بعدم الكفاية شعور النقص، ولكن "الغيرة" أسوا من الحسد وأقوي منه وأخطر لأنه مرتبط بالخوف. الغيرة تُبني علي الحسد إلا أنه قد يأتي الحسد أولا ثم تتبعه الغيرة، وقد تأتي الغيرة ثم تجر في أذيالها الحسد. والناس عموما يرفضون أن يوصفوا بالغيرة أو بالحسد، لكن مرات تَقبَل تعبير هذا يغار أفضل من أنه حاسد.

مشكلة الغيرة والحسد، أن صاحبهما لا يقدر مطلقًا أن يحوّل عينه عن الشخص المحسود وكل ما نظر إليه ازدادت غيرته المُرّة، "الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصِّدِّيقَ مُحَاوِلًا أَنْ يُمِيتَهُ"

قد يبدو في نظر البعض أن الغيرة بسبب الأشياء الحسنة التي نراها في الغير، وكذلك حسد من هم أفضل منا، خطأ هيّن وبسيط. وعندما نرى أنه هيّن وبسيط، فإننا لا نخشى منه وعندما لا نخشى منه فإننا نستهين به، وعندما نستهين به يصبح من الصعب علينا أن نتجنبه، وبالتالي يتحول إلى وباء خفي ومظلم لتدمير أنفسنا. هذا الأمر إن لم يلاحظه الشخص ليتجنبه، سيتسلل خِفية ليصيب القلوب غير الحذرة. "حَيَاةُ الْجَسَدِ هُدُوءُ الْقَلْبِ، وَنَخْرُ الْعِظَامِ الْحَسَدُ".

الغيرة والحسد هما خطية خطيرة مصدرها الشيطان، وتكون مخفية داخل أعماق النفس المظلمة. وبعد أن يسيطر الشيطان على الشخص فانه يبدأ في تهدئته وراحته بنسيم رطب ورياح هادئة، بعد أن يكون قد أثار داخله عواصف وزوابع الغضب التي تفقده الإيمان. وهذا ما يحذر منه بطرس الرسول، بقوله: "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ".

إن الغيرة والحسد بذار سامة داخل الكنيسة وعندما تتأصَّل فإنها ُتثمِر الكراهية والشقاقات والخصومات، لذلك يحث بولس الرسول كنيسة كورنثوس، وبها كل كنائس المعمورة، قائلاً: "أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ" لذلك يجب علينا أن نكون متيّقظين ونجاهد ألا نقع في هذه الخطية الخطيرة التي مصدرها الشيطان.

الحسد إذن موجود، لكن "ضربة العين" في المسيحية لا نؤمن بوجودها، إن الكنيسة لا تصلي للأشخاص خوفًا من "ضربة العين" المزعومة، وإنما تصلي لكي يمنع الله الشرور من الحَسَد ومن المكائد والمؤامرات  التي قد يقوم بها الحاسدون بسبب قلوبهم الشريرة.