رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عهدًا لن ننسى

غزة
غزة

كيف لى أن أنسى وقفتى بباب دارنا والخال «فاروق» يصل إلينا يقود دراجته النارية، أمضى معه عبر ممرنا الطويل حيث شرفة مطبخنا الزجاجية، يأخذ مقعده، ينفث دخان سيجارته وأمى قد جهزت ركوة القهوة، تحمل فنجان قهوته وهو ماضٍ فى سرد حكايات تعلق قلبى بها، لم ينتبه أنى أرهف السمع لحديثه، وترنيمة شدو تصلنى حين ينادى أمى باسمها «شريفة»، تبدأ أمى تسأله:

- ما الجديد يا أخى؟

- لا أعرف يا شريفة ماذا أقول لك، ذهبنا بعيدًا حيث مشارف «غزة» نبحث عن الشهداء، الجثث ملقاة فى كل مكان، القلب حزين، صرنا نبحث عن قلائد تحمل الأسماء كى نستدل على ابن عمنا «شريف» وآمل أن نجده بين الجثث المترامية من حولنا، هى مأساة لن تنسى ولن تسقطها الذاكرة.

- هل وجدتم شريف؟

- لم نجده، والبحث عنه أوجع قلوبنا من هول ما رأينا، جثث المقاتلين تحللت، غابت ملامح وجوههم، لا أحد يصل إليها ليسكنها التراب.

يمضى الخال فاروق وهو لا يعرف أن الحزن سكن قلبى، أشلاء متقطعة، جثث متفحمة، قلائد نُقشت عليها حروف الأسماء وشريف لن يعود، لن يعود.

دومًا يذكرنى اسم الخال فاروق بمأساة حرب الأيام الستة ٦٧، وكيف كان يأتى إلينا وجدتى تجلس خلفه على الدراجة النارية كى يستطيع الوصول إلينا عبر الطرقات الضيقة تحت وابل من القذائف فوق رءوسنا، رحلت أمى، رحلت جدتى، وعاش الخال «فاروق» فى «غزة» حيث أسرته وأبنائه وأحفاده، اليوم لحق به غدرهم وصار تحت الردم هو وزوجته «سعاد»، أبناؤه وأحفاده، هو لم يكن يعرف أنه سيكتب الفصل الأخير من مأساة شعبنا، وما قبل الفصل الأخير يوم كان يبحث عن شريف بين الأشلاء، اليوم من سيبحث معنا عن الخال «فاروق» من تحت الركام والردم؟!... عهدًا لن ولن ننسى.