رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعانى لبيته «4»

تختلف رحلة حج هذا العام كليًا، ففى تجربتىّ السابقتين كانت عبادتى كلها مركزة على الصلاة وقراءة القرآن والدعاء، وأداء المناسك.. كان كل تركيزى على نفسى وحالى، فى هذه الحجة كنت خلف الكواليس، شاهدت ما خلف إتمام هذه الشعيرة العظيمة من جهود تبذل كى يتمكن ملايين الحجاج من إتمام نسكهم.

بدأ الاختلاف من مقر الإقامة قبل الإحرام للحج يوم التروية، اعتدت أن تكون المدينة المنورة هى مستقرى لعدة أيام قبل يوم التروية والتوجه إلى مكة المكرمة عبر الطيران حتى مطار جدة ثم الانتقال بالحافلات من جدة إلى مكة. 

هذه المرة إقامتى فى جدة، وهى إحدى محافظات منطقة مكة المكرمة، بل إنها تعتبر بوابة مكة، حيث تبعد عنها ٧٩ كم، وهذا الطريق صرت أقطعه بالحافلة ذهابًا وعودة كل يوم، لم يتح لى حتى الآن التجول فى جدة وزيارة أهم معالمها السياحية أو الثقافية مثل: كورنيش جدة، نافورة الملك عبدالعزيز، قبر أمنا حواء، وقد تتاح الفرصة فى الأيام المقبلة بعد الانتهاء من شعائر الحج، بشكل عام تبدو جدة مدينة بسيطة، غير مزدحمة، معظم مبانيها لا تزيد على الستة أدوار، وإن كان بها بعض الأبراج المرتفعة لكنها قليلة، وقد شاهدت من الحافلة فى أحد الأحياء مجموعة من الفلل الأنيقة بحدائق كبيرة المساحة، لم أمر فى طريقى بحدائق عامة ولكن شاهدت دار عرض سينمائية ومبانى لعدد من ماركات السيارات المعروفة ومبنى لمكتبة جرير.

جاءت إقامتى مع وفود الإعلاميين فى فندق جلوريا، وقد أعجبنى طراز المبنى بعد أن بحثت عنه على موقع بوكينج وقد تعودت على البحث عن أماكن إقامتى عند السفر داخل مصر أو خارجها على هذا الموقع المفيد جدًا. 

وقد أعجبنى الفندق الذى تم تصميمه على غرار الفندق الإيطالى الشهير «غاليريا فيتوريو إيمانويل الثانى» الموجود فى ميلانو بإيطاليا، والذى صممه المعمارى الإيطالى «جوسيب منجونى» عام ١٨٦١، وتم بناؤه ما بين عام ١٨٦٥ حتى ١٨٧١. يمتد الفندق على مساحة كبيرة، فهو مكون من ٢٦٤ غرفة و١٠٠ جناح فى وسط شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز، المعروف بشارع التحلية، وقد أشعرتنى واجهته وتصميمه بالألفة، وكأننى فى منطقة وسط البلد، كما أشعرنى العاملون فيه بكل الود والترحاب، وأظهروا محبة عظيمة لكوننا من مصر أم الدنيا، فلهم الشكر جميعًا، خاصة موظف الاستقبال عبدالله الفحام الذى ونتيجة للانشغال بتصوير رحلة الحج لم يتح لى التسوق فى متاجره أو المتاجر المحيطة به، حيث يجاوره جدة مول، كما لم أدخل الجيم، فلم أكن بحاجة لممارسة الرياضة، فجولتنا الإعلامية والتنقلات اليومية كافية جدًا، حيث نظمت لنا وزارة الإعلام السعودية برنامجًا حافلًا للتعرف على جهود المملكة فى خدمة حجاج بيت الله الحرام، فزرنا مصنع شركة الزمازمة المسئولة عن توفير مياه زمزم للحجاج القادمين من خارج المملكة، ومجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، ومتحف برج الساعة، حضرنا ندوة الحج الأكبر، وشاركنا فى فعاليات الملتقى الأول لإعلام الحج، وصعدنا لعرفات لرؤية ممر المشاة المرن، ومركز حراء الثقافى، وهى مشاهدات سأكتب عنها فى المقالات المقبلة. 

رافقنا فى كل خطواتنا فى جدة ومكة عدد من الشباب السعوديين المتميزين العاملين فى وزارة الإعلام، الذين كانوا متواصلين معنا طوال الوقت، ويسعون بكل الجهد لتوفير الراحة لنا، ومن حظى الطيب أن المرافق لمجموعتى العزيز أنس العمرى وهو إنسان دمث الخلق ولا تسمع عند أى طلب منه سوى عبارة: على رأسى، فى خدمتكم أى ساعة أو وقت، ويشرف على هذه المجموعة المتميزة الأستاذ محمد مدنى، نائب مدير إدارة الوفود الإعلامية الدولية بوزارة الإعلام السعودية.

وقد تكلمت كلمة سعودية من كثرة ما سمعتها من المرافقين وهى: أبشر، أى كل شىء سيكون تمامًا.

من الأشياء الجيدة فى الحج الصحبة الطيبة، وأن تكون الصحبة فى الله للإعانة على الذكر والتشجيع على الصلوات وقضاء كل الوقت فى معية الله، وقد صحبنى فى رحلتى عدد من الأصدقاء من إعلامى الشركة المتحدة: سمر مدكور، جابر القرموطى، محمد الرميحى، د. محمد معبود، أحمد بشتو، محمد مصطفى، وبطل التغطيات والمهام المستحيلة المصور عبدالرحمن السنباطى وعم جمال المسئول عن الصوت، ومحمود علوان وأحمد نديم من المجلس الأعلى للإعلام.

ومن المواقف الطريفة التى حدثت لى فى حجتى الأولى وتدل على كرم العناية والرعاية الإلهية وأهمية الصحبة المباركة؛ أنى بعد أن أحرمت من المدينة وتوجهت إلى مكة لأداء طواف القدوم والسعى بين الصفا والمروة، ثم تحركنا إلى عرفة لنشهد هذا اليوم العظيم، تركنا أمتعتنا لتنقلها الشركة المنظمة بمعرفتها، وحملنا معنا حقيبة صغيرة بها حاجتنا الضرورية للمبيت ليلة فى عرفات، كنا نجلس فى جزء السيدات دون غطاء للرأس وقد اكتشفت أنى نسيت المشط فى الحقيبة الكبيرة، فظللت بضفيرتى وكنت أمسح رأسى عند الوضوء وأنا أستغفر الله، لأنى نسيت ولم أحضر المشط كى أسرح شعرى وأردد: الحمد لله قدر الله وما شاء كان. وأشكر الله وأستغفر لوالدى وأحمد لهما أن جيناتهما أورثانى شعرًا يمكن التعامل معه دون مشقة، وعندما عدنا لمكة وأدينا طواف الإفاضة، وبعدها شرعنا فى التقصير، حكيت للحاجة هدى رفيقتى فى الغرفة الموقف، ولا أنسى دفعتها وهى تقول لى: «يا سلام وكنت عايزة تسرحى شعرك فى الإحرام؟» وأنا أجيبها بجهل فاضح: نعم. فأخبرتنى أننا طوال الإحرام لا نسرح شعرنا بالمشط، نكتفى بتسويته بيدنا. 

فأدركت أن نسيانى للمشط كان نعمة من الله وعناية، فرغم أنى قرأت كثيرًا، لكن هناك أشياء يمكن أن تفوتك، وتكون الصحبة الطيبة خير مرشد ودليل. 

أكتب لكم الآن وأنا أتجهز للإحرام والانتقال إلى منى للمبيت، وعندما تقرأون مشاهداتى، سأكون على صعيد عرفات، فادعوا لى بالقبول، وسأدعو لكم بالرحمة والمغفرة وصلاح الحال.