رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء أيمن حب الدين: خدعنا جهاز إنذار أمريكيًا بستائر الدخان وأسرنا طيارين إسرائيليين «2»

اللواء أيمن حب الدين
اللواء أيمن حب الدين

كشف اللواء أركان حرب أيمن حب الدين، قائد الكتيبة ٤١٨ دفاع جوى خلال حرب أكتوبر، عن أن أول طائرة أسقطها فى حياته كانت يوم ٣ أغسطس عام ١٩٧٠.

وقال «حب الدين»، فى الجزء الثانى من حواره لبرنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، إن الجيش المصرى نجح فى خداع العدو، واستطاع إسقاط عدد كبير من الطائرات.

■ كيف جرى التعامل مع أمور مثل الكمائن وبناء حائط الصواريخ؟

- بعد الاشتباك الأخير للكمين الفاشل أدركنا أننا يجب أن نكون أكثر حذرًا فى الاشتباكات، وحرصنا على عدم ترك الأمور تسير بالطريقة الآلية، وتأكدنا من ضرورة تدخل العامل البشرى، لذلك غيّرنا أسلوب الاشتباك بالأسلوب المصرى.

استطعنا بعد ذلك، سواء فى حائط الصواريخ أو الاشتباكات، العمل بالأسلوب المصرى، وكانت النتيجة جيدة، وبدأنا فى التفكير فى إنشاء حائط الصواريخ للدفاع عن الجيشين الثانى والثالث.

مصر كانت لا تمتلك العدد الكافى أو المستوى القتالى العالى؛ كانت لدينا ٢٨ كتيبة أمام ٢٥٠ طائرة من العدو، وبدأنا بالأسلوب المصرى أو أسلوب الزحف «الخروج من القاهرة على ٣ خطوط تدافع عن بعضها البعض».

الخط الثالث كان ينقل كل ليلة كى يكون الأول، وبالتالى نعمق الدفاع فى اتجاه الشرق، وفى ليلة ٢٩ يونيو عام ١٩٧٠ كانت ليلة البداية، واخترت أحسن الكتائب من جميع أنحاء الجمهورية، وتم تدريبها جيدًا ولم أعلمها ماذا ستفعل.

بدأت أجمعها يوم ٢٥، قريبًا من الاتجاه الشرقى لقناة السويس، وفى ليلة ٢٨ تحركت ٤ كتائب من أجل النسق الأول فى حماية تشكيل القاهرة، ولم يشعر بها العدو، لأن التعليمات تقول تحرك فى صمت، لكن كانت كل المعدات جاهزة.

الروس كانوا يقولون لنا إن الفواصل ما بين الكتيبة والأخرى تكون حوالى ١٧ كيلومترًا، لكننا قللنا طول الفواصل، وتعمدنا أن تكون الكتائب قريبة من بعضها.

جهزنا ٤ كتائب حقيقية وبجانبها ٨ كتائب هيكلية من أجل خداع العدو، لكى يتوهم أن هناك ١٢ كتيبة وليس ٤ فقط، وفى الليلة التالية خرجت الأربع كتائب الأخرى لعمل نسقين، والثالث كان فى القاهرة، والعدو شعر بها الساعة العاشرة صباحًا يوم ٣٠ يونيو.

■ وكيف كان رد فعل إسرائيل؟

- كان رد فعل إسرائيل فى تمام الساعة السادسة والثلث مساء يوم ٣٠ يونيو؛ فهجموا بـ٢٤ طائرة على ٨ كتائب ومعها كتائب هيكلية، وقتها استطعنا إسقاط طائرتين فانتوم وأسرنا طياريها وطائرتين إضافيتين.

العدو رأى أسلوبًا غريبًا وطريقة جديدة فى الدفاع، وضرب كتائب هيكلية، وفى اليوم التالى حاول العدو الهجوم، وأيضًا أسقطنا عددًا من الطائرات، واشتباك يوم ٣٠ يونيو أعطى جنودنا قوة كبيرة.. يومها خسرنا كتيبتين.

وخلال حرب الاستنزاف، كانت قوات الدفاع الجوى تنقل كتائب الصواريخ من الخط الخلفى إلى الخط الأمامى لتعميق الدفاع شرقًا لمسافة من ١٠ إلى ١٥ كيلومترًا.

أسقطنا العديد من الطائرات الإسرائيلية، وسلاح الطيران الإسرائيلى كان يتآكل كما قال موشيه ديان، واستنجدوا بأمريكا.

وزير خارجية أمريكا فى هذه الفترة قال: «نريد وقف إطلاق النار لمدة ٣ أشهر.. ونحاول تقريب وجهات النظر، وتنسحب إسرائيل من سيناء»، وهذا الكلام المنطوق، أما الكلام الفعلى شىء آخر.

وزير الخارجية الأمريكى كان قد تقدم بمبادرة فى ديسمبر ١٩٦٩، قبلتها مصر ورفضتها إسرائيل، لأنها كانت قوية فى هذا الوقت، وإسرائيل كانت تريد عدم تحريك كتائب الصواريخ من موقعها شرقًا، وأن تقوم أمريكا بتعويض إسرائيل بـ٣٤ طائرة فانتوم.

القيادة السياسية كانت لديها رغبة فى إعطاء هدنة للقوات التى تحارب، لكن فى الوقت نفسه عليها أخذ رأى الاتحاد السوفيتى كحليف، وبالفعل القيادة السياسية سافرت إلى روسيا فى أوج إسقاط الطائرات الإسرائيلية.

الروس كانوا يقولون لجمال عبدالناصر: «سنعطيكم السلاح، لكننا نعلم أنكم لن تستطيعوا استخدامه حاليًا».. لكن بالتزامن كنا نحارب ونسقط الطائرات الأمريكية بالأسلوب والتعديلات المصرية، فكانت النتيجة أن روسيا تحفظت ورفضت وقف إطلاق النار، لأنها كانت تريد أن تكون المبادرة منها وليس من أمريكا.. لكن فى النهاية وافقت بعد إصرار القيادة السياسية المصرية، وبالفعل تم إعلان قبول مبادرة وقف إطلاق النار فى ٢٥ يوليو عام ١٩٧٠.

وفى يوم ٣ أغسطس عام ١٩٧٠، خرج كمين بكتيبتين غرب الإسماعيلية، واصطاد طائرة، وسقطت عندنا، وإسرائيل اتجننت، وأول طائرة أُسقطها فى حياتى كانت فى ٣ أغسطس ١٩٧٠ الساعة ١:٤٥ دقيقة ظهرًا.

وفى أيام ٤ و٥ و٦ أغسطس، كانت هناك كتائب منتشرة على الجبهة، ويتم الاتصال بينها عبر أسلاك ميدانية، وهذه الأسلاك تنقطع فى حالات، فكان يتم الطلب ألا يتم وقف إطلاق النار ليلًا حتى يتمكنوا من إرسال البلاغ العسكرى لكل النقاط على الجبهة، وطالبنا بأن يكون وقف إطلاق النار الساعة ٦ صباحًا، وفى هذه الساعات الـ٦ تم نقل ١٢ كتيبة صواريخ من على مسافة ٤٠ كيلومترًا غرب القناة، إلى ١٠ كيلومترات غرب القناة، بإجمالى ٨٦٢ مركبة على طرق القاهرة السويس الصحراوى، والإسماعيلية الصحراوى، والإسماعيلية الزراعى، على ٣ محاور، حيث تحركت بدءًا من آخر ضوء لتصل إلى غرب القناة، حتى تكون جاهزة لأى هجوم من العدو.

هذه المعجزة ثمرة التدريب والالتزام وتحمل المسئولية، وهذا الأساس لنجاح العملية؛ أن نكون على مسافة ١٠ كيلومترات، وقالت إسرائيل وقتها إن مصر خرقت وقف إطلاق النار بعد هذه العملية، واستمرت القوات البرية فى التدريب على العبور فى النيل وفى الترع وممرات المياه العذبة، وفى يوم ١٧ أغسطس عام ١٩٧١، كان الجميع يجهز للحرب على الضفة الغربية، وهناك جنود باقون لمدة ٦ سنوات فى التجنيد ينتظرون الحرب.

وفى هذا الوقت، أعطت أمريكا طائرة استطلاع إلكترونية لإسرائيل، وكانت تمر كل يوم جمعة بعد الصلاة وتصور الجبهة، ويحول التصوير لخريطة للمواقع العسكرية المصرية على الجبهة، وطالبت القيادة السياسية بضرورة ضرب هذه الطائرة، وطائرة استطلاع إسرائيل كشفت لنا عن أن بعض قادة الروس كانوا يقومون بتسريب المعلومات.. ظهر ذلك فى هذه العملية.

تم إعداد مأدبة غذاء للقادة الروس لتمويه هذه العملية، وتم ضرب الطائرة من كتيبة الصواريخ، وكانت تحمل ٢٢ فنيًا إسرائيليًا، تم قتل ٢١ وسقط واحد بالباراشوت، وتم إجراء حوارات صحفية أجنبية مع هذا الفنى الذى نجا من هذه العلمية.

■ كيف كانت العمليات على الأرض؟

- ليس هناك شك فى أن حائط الصواريخ الذى عمل منذ ١٩٧٠، وتم تدعيمه من كتائب ثانية، استطاع حماية الجيشين الثانى والثالث أثناء العبور فى أكتوبر، ولم يستطع العدو الإسرائيلى أن يكسر هذا الحائط بالقوات الجوية.

وتم إصدار تعليمات للطيران بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة ١٥ كيلومترًا، وتقدم الحائط ووصل لمسافة ٣ كيلومترات على قناة السويس، وأصبح يغطى مسافة ٢٠ كيلومترًا على الجبهة الشرقية لقناة السويس، وسقطت طائرات كثيرة للعدو يومى ٦ و٧ أكتوبر، وأصبح الطيران الإسرائيلى خائفًا من الدخول قرب قناة السويس.

واستطعنا حماية الجيشين فى عملية العبور، ولذلك لا توجد كبارى تم ضربها لقواتنا، وأوقعت ١٠ طائرات إسرائيلية من يوم ٦ حتى ١٣ أكتوبر ١٩٧٣، وإسرائيل لم تستطع أن تؤثر على القوات البرية المصرية فى العبور، ولم تكن خسائر الدفاع الجوى كبيرة فى حرب أكتوبر على الجبهة، وإنما كانت خسائر السلاح كبيرة فى بورسعيد.

ركزت إسرائيل الضرب على بورسعيد لأنها كانت تضم ٦ كتائب دفاع جوى، وتم إخراج هذه الكتائب من واجب العمليات، وصدر أمر بتحرك كتائب أخرى بدلًا منها.

وفى يوم ١٠ أكتوبر ٧٣، عندما تحركنا من أنشاص لبورسعيد، كان هناك التحام شعبى كبير مع الجيش، وأثناء التحرك كان يقدم الشعب لنا دعمًا معنويًا واستراتيجيًا كبيرًا، مثل الغذاء والماء والجرائد.

وفى قرية الغنيمية، التى مررنا بها أثناء التحرك دعا لنا عمدة القرية بالنصر، وعندما وصلنا لدمياط كانوا يقدمون لنا المشبك والحلويات كهدية وكنوع من التلاحم، ووصلنا لبورسعيد. كان العدو يركز على بورسعيد، لأن الرئيس السادات هدد بضرب العمق الإسرائيلى فى حالة ضرب العمق المصرى، وكانت بورسعيد المنطقة الوحيدة التى نستطيع أن نصل منها بصواريخ أرض أرض لعمق تل أبيب، ومن جهة أخرى كانت هناك نقطة حصينة شرق بورسعيد بـ١٤ كيلومترًا، ولم تستطع مصر أن تسيطر عليها حتى وقف إطلاق النار، نظرًا لطبيعة الأرض الطينية، وإنما استطاعت سرية الصاعقة أن توقف أى إمداد لهذه النقطة من إسرائيل.

وأسقطت ١٠ طائرات إسرائيلية ببورسعيد، ويوم ١٢ أكتوبر فى تمام الساعة الثامنة و٣ دقائق وجدت طائرات تحاول دخول النقطة الحصينة ببورسعيد.

الطائرات كانت تنخفض لتضرب القوات، وخلال ذلك شاهدها الناس فى المعدية وكانوا يصرخون حتى وجدوا الصاروخ خرج وفجر الطائرة.

الطائرة الثانية كانت فى تمام الساعة الثامنة و٣ دقائق، وبدأت تشن هجومًا على الكتيبتين، والخسائر جعلت إمكانياتى فى القتال أعلى واستطعت إسقاط الطائرة بمساعدة الكتيبة والأفراد.

هذا اليوم كان صعبًا علىّ، وكان لدىّ قاذف صاروخ واحد فقط، ولذا لجأت للخداع الإلكترونى، وعندما ظهر على أجهزة الطيار الإسرائيلى قفز من طائرته.

أمريكا قامت بإعطاء إسرائيل أجهزة إنذار، وكان الجهاز يخبر الطيار بوجود كتيبة صواريخ، وأنها تصوب نحوه، وأطلقت عليه وأن الصاروخ سينفجر، الطيار كانت تأتيه التعليمات من الجهاز، وينظر بنظارته ليرى غبار الصاروخ وهو خارج، ووقتها قمنا بتشغيل ستائر الدخان، وكان الطيار عندما يراها يعتقد أن الصاروخ تم إطلاقه، فيقفز من طائرته ويتعرض للأسر.

■ متى غادرت بورسعيد؟

- غادرت بورسعيد يوم ١٦ أكتوبر، وتوليت مهمة أخرى وهى الانتقال للجبهة وعمل كمائن للطائرات التى تحمل الصواريخ المضادة للرادارات، وتم تنفيذها ونجحت.

■ ما ملخص الخديعة والمعاناة والانتصار من ٦٧ وحتى ٧٣ وبم تصف كل كلمة؟

- الخديعة فى حرب ١٩٦٧ كانت من أمريكا، ودعمها الاتحاد السوفيتى بقصد أو دون قصد. 

■ ما ملامح المعاناة؟

- المعاناة الحقيقية فى حرب ١٩٧٣ كانت عدم وجود أساسيات ولا اتصالات، ومن ضمن المعاناة الشخصية هو أن نجلى حسام، ولد يوم ٣ أكتوبر ١٩٧٠، وكنت أنزل إجازة كل ٢٦ يومًا وبعد فترة كبر نجلى وأصبح لا يعرفنى، وكان يبكى عند رؤيتى، وخلال أيام الإجازة يعتاد علىّ ويبكى وقت سفرى، وهذا الأمر أثر فى نفسيًا بشكل كبير. 

كما أن استشهاد الجنود كان مؤثرًا، فقد تركوا الكثير من الأرامل والأطفال، وكذلك المصابون، وأحد مصابى حرب أكتوبر أُصيب بشلل نصفى وظل بمستشفى المعادى حتى توفى العام الماضى، فالحروب تخلف مآسى كثيرة جدًا.

■ ما الدرس الكبير من هذه الحرب؟

- العسكرى المصرى فى ٧٣ دعا الله بصدق، ووقف الله بجانبنا، والجندى المصرى فى ٧٣ أحب وطنه وأعطى له شبابه وتفكيره.. فقد التحقت بالجيش فى ٦٧ وكنت بعمر ٢٧ سنة واستمر النضال حتى حرب أكتوبر، وكل الجنود فى الجيش كانوا يحبون بعضهم ولم يكن يقول «أنا» بل كان يقول «نحن»، وكذلك تبادل الحب مع الشعب.

■ ماذا يعنى الانتصار لك؟

- الانتصار فى الحرب أن تفرض إرادة دولة على إرادة القوى الأخرى، برغبتك أنت، وهذا ما حدث فى حرب ١٩٧٣.

وفى أكتوبر ٧٣، قمنا بحرب عسكرية وبعدها حرب دبلوماسية، وانتصرنا وأخذنا أرضنا كاملة من إسرائيل، التى لم تكن تتخيل يومًا أن تترك سيناء، وإسرائيل نقلت الحرب خارج أرضها بعد ١٩٦٧، وأقامت دفاعها الكامل على القناة.