رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتبة العراقية رغد قاسم: "دكاكين النشر" لا تعى شيئًا عن إنتاج المعرفة

رغد قاسم
رغد قاسم

ما بين أول الكتب المنشورة وصولًا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكُتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضًا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها، في سلسلة حوارات يقدمها "الدستور" يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.

رغد قاسم

ومن العراق تكشف لنا المترجمة الكاتبة رغد قاسم حكايتها مع دور النشر والصعوبات التي واجهتها. ورغد قاسم، كاتبة ومترجمة عراقية، صدرت لها العديد من الترجمات، من بينها:  "موجز تاريخ الدماغ والروح"، "تفاصيل المربع الأسود"، "البقاء للأشد مرضًا"، "قبل آدم"، التمييز الجنسي والعلم"، "مشاكل تحرير المرأة .. رؤية ماركسية"، "هل هم أغنياء لأنهم أذكياء"، "جاك لندن .. سنوات التكوين"، "الجنة والنار .. النعيم والجحيم في الثقافة الإسلامية" وغير ذلك من المؤلفات والترجمات.

 

ــ ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟

 في الحقيقة لم أسع لنشر عملي الأول، لعلمي أن دور النشر لا تطبع بلا مقابل مادي يدفعه الكاتب، بدل أن تدفع هي! وكان ذلك مخالفًا للمنطق في رأيي الشخصي. لذا لم أسع لنشره، وحين قرأت إعلان اتحاد الأدباء والكتاب في العراق عن مسابقة للكتاب الشباب، قدمتُ مجموعتي القصصية الأولى، وأغلب قصصها مضت عليها عشر سنوات أو أكثر في درجي، وفازت المجموعة ونُشرت على نفقة الاتحاد.

ــ ما المشاكل التي واجهتِها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

انتبهت لهذا الموضوع متأخرة للأسف، وذلك بعد نفاد نسخ بعض ترجماتي، وعدم تمكني من إعادة طباعتها لعدم امتلاكي لحقوق النشر، أمّا فيما يخص الملكيّة الفكريّة فحدث ولا حرج، لا يتورع سُراق الجهود عن شيء، ولثقتي ببعض معارفي، وعدم لجوئي للتوثيق معهم، فوجئت أكثر من مرّة بمصادرة حقوقي الفكريّة، حتى صرتُ لا أتحدث عن أيّ مشروع لأيّ كان، إلا بعد توثيق حقي في العمل كمؤلفة، رغم شكيّ في أن يكون ذلكَ رادعًا لكل من لا موهبة له سوى مصادرة مواهب الآخرين.

ــ كيف تواجهين هذه المشكلات مع الناشر؟ وما أصعب موقف تعرضت له؟

الأمر يختلف من ناشر لآخر، فبعضهم متعاون للغاية، حريص على الكتاب وأشيد هنا بحسن التعامل بالذات من دار الرافدين ومنشورات تكوين، وكلاهما يدقق العمل بمحبة واهتمام البعض الآخر لا هم له سوى أن يبخس حق الكاتب والمترجم، بأيّ شكل من الأشكال، أو يقصي الكاتب والمترجم بمجرد انتهاء الكتاب وتسليمه لا يرد على أي استفسار أو اتصال، وكأن علاقتي بالعمل انتهت بمجرد تسليمه للناشر، فلا أعرف أين هو العمل ولا أماكن بيعه لإرشاد القرّاء إليه، ووجدتُ من يضنّ عليّ بنسخي المجانية من الكتاب، رغم الاتفاق السابق بيننا، مع أن هذهِ النسخ تُهدى للقرّاء والنقاد لزيادة انتشار العمل.

أما أصعب موقف فهو اضطراري لفسخ علاقة شراكة مع إحدى الدور في منتصف العمل على أحد الكتب، بعد أن شهدت منها مواقف كثيرة مثيرة للإحباط، وتسويفًا، وتأخيرًا كبيرًا في طباعة الكتاب أو تسليم أجوره، حتى أنني انتظرت لأكثر من سنة لأنال أجر كتاب، فوجدت الناشر بعد كل هذا، لا يرضى بدفع المبلغ كاملًا.

ــ هل سبق ووصلت خلافاتك مع ناشر ما إلى ساحات المحاكم؟

 في الموقف الذي ذكرته في السؤال السابق، نصحني الكثيرون بالتوجه للمحاكم، حتى إن عددًا من الأصدقاء المحامين تطوعوا لخوض معركة قانونية في سبيل نيل حقوقي بشكل كامل، فموقفي سليم منذ البداية، والمؤاخذات على الدار كثيرة، إلا أنني فضلت احترام صداقة قديمة بيننا، ورفضت رفع قضية ضدهم، واكتفيت بإنهاء التعامل معهم. وقد قطعت عهدًا على نفسي، بألا أسمح بتكرار مثل هذهِ الحالة، لأي مسوغات كانت، وأن تكون كل شروط العقد واضحة منذ البداية، ويتم تنفيذها على أتم وجه.

ــ هل قمتِ يومًا بسداد كلفة نشر كتاب لك؟

 كلا، ولن أفعل لأي سبب كان، حتى لو عنى ذلك عدم صدور أي كتاب لي.

- ما الذي حلمتِ به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأملين أن تتداركيه مع مؤلف جديد؟

أن أصمم غلاف كتابي بنفسي.

ــ في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

لا يبدو أن ثمة جوابًا نهائيًا لهذا السؤال، فبعض الدور تعمل بحرص وإتقان، فيبدو أن الصناعة تتقدم بين أيادٍ أمينة، لكن في أحيان كثيرة يساورك الإحباط أمام قلة هؤلاء مقابل "دكاكين النشر" التي لا تعرفُ قدر الكتاب، ولا قيمته، ولا تعي شيئًا عن عملية إنتاج المعرفة والثقافة الحقيقية، مستخفة بالمسئولية الكبيرة، والدور المهم للكتاب في صناعة وعي الفرد بذاته ومعرفته بالعالم، وما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة، ونحن إذ نعي أن دار النشر، تنشد الربح بلا شك، وهذا ليس عيبًا، لكن لدار النشر خصوصية أكبر، ورسالة أعظم، فالسعي للربح، لا يعني انعدام الأمانة، وإذا كان الربح هو الدافع الوحيد لمن يطلق على نفسه تسمية "ناشر" ويتعامل برأسمالية السوق، وقوانين العرض والطلب، فالأجدى بهِ البحث عن مهنة مُربحة، وترك هذهِ الصنعة لأهلها.