رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناهد إمام: الانتماء إلى جماعات الإسلام السياسي إساءة للروح والنفس

ناهد إمام مع الدكتور
ناهد إمام مع الدكتور محمد الباز

كانت ولا تزال امرأة شجاعة تتحمل مسئولية أخطائها وتسعى لإصلاح نفسها وتحذير المجتمع من جماعات الإسلام السياسى.. ناضلت ورفضت المال وتعرضت للوصم والاستغلال والظلم، لكنها أصرت على أن تقول الحقيقة وتفضح الإخوان بعد تجربة معهم عاشتها الكاتبة الصحفية ناهد إمام لمدة 18 عامًا.

منذ ١٩٩٠ حتى ٢٠٠٨، ارتقت «ناهد» فى سلم الجماعة الإرهابية لدرجة أنها أصبحت مقربة من الإرهابية زينب الغزالى، ثم ثارت كاتبتنا الصحفية وتركت كل شىء من أجل حريتها، قبل أن تقع فى براثن جماعة التبليغ والدعوة، وتعانى من جديد من زوج جديد يحاول أن يقتل داخلها الحرية.

تحدثت «ناهد» مع الدكتور محمد الباز، خلال برنامج «الشاهد»، المذاع عبر قناة «إكسترا نيوز»، ووثقت شهادتها وأكدت أن الجماعات الإسلامية تستغل ضحاياها لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية.. «كل أحلامى مع الإخوان كانت فشنك».

■ بداية.. كيف جذبتك جماعة الإخوان إليها؟

- كان سنى آنذاك ١٩ عامًا، وكنت طالبة جامعية جديدة أريد أن أشعر بالانتماء والهوية وهذا أمر طبيعى فى تلك المرحلة العمرية.. كنت أبحث عن دور يليق بى فى المشهد.

اكتشفت أن هناك كثيرون مثلى خاضوا نفس التجربة خلال مرحلة صعبة تاريخيًا فى مصر؛ ففى هذا الوقت كان حضور الجماعات الإسلامية وجماعة الإخوان قويًا، خاصة فى الجامعات.

رأيتهم لطفاء؛ رحبوا بى عندما دخلت الجامعة، وقابلت الأخوات الموجودات فى كل الكليات، لاستقبال الطالبات الجديدات.

جرى استقبالنا بحفاوة شديدة من زملاء يبدو أنهم متدينون ودائمو الابتسامة، يقدمون الورود وكنت ارتدى الحجاب المصرى العادى.

تغيرت أحوالى وبدأت فى الذهاب مع الأخوات للدروس فى «اليوم الإسلامى»، وكنا أخوات وصحبة فى الله، وبعدها بدأت تعليقاتهن على حجابى وملابسى، وقدمن لى هدايا تساعدنى فى التحول لأكون شبيهة بهن.. أعطونى القماش فى عيد ميلادى.

الجماعة الإرهابية تعتمد فى استقطابها للسيدات على وجود علاقات صداقة، تصل بالمنضمة الجديدة إلى الإيمان بقضية بشكل معين، والدفاع عنها، وأبرز القضايا بالطبع هى الأقصى وفلسطين، ثم يجرى إقناع المنضمين الجدد بالخلافة وتطبيق الشريعة.

شعرت بقيمة وإشباع لنفسى وقتها، أحسست بأن هناك من يقبلنى ويهتم بى، فسألت نفسى: «ليه لأ؟».. وأنا كنت البنت التى تسمع وتطيع.. كنت أقول حاضر ونعم طوال الوقت.

■ هل الجماعة الإرهابية انتقائية فيما يخص الاستقطاب؟ 

- يستقطبون المتميزين بالطبع ويسعون لضمهم للجماعة.. أنا اتخضيت عندما علمت حقيقة كيف تسير الأمور.

أول مرحلة فى عملية الاستقطاب عند الإخوان هى الاستكشاف، أى البحث عن الأطفال والشباب المناسبين للانضمام، وهناك تركيز ضخم بلا شك على طلاب الجامعة.. وتنتهى العملية بغسيل مخ.

■ ما الذى ينتظر عضو «الإرهابية» الجديد بعد انضمامه؟

- الخطوة التالية هى الزواج، لكن قبل الوصول لهذه المرحلة التقيت عصام العريان، القيادى الإخوانى، بحكم السكن، وكنت أعرف زوجته ونصلى معًا فى الجامع.

عندما علم عصام العريان بمجموعى وبأننى التحقت بكلية الإعلام، بدأ ينتبه ويعرض علىّ أن يوصلنى للجامعة كل صباح.. وقتها لم أكن أعرف توجهات جماعة الإخوان.

سألنى «العريان»: «مَن قابلت فى الجامعة؟»، فقلت: «ناس لطيفة جدًا»، فشعر براحة حينما رآنى على الطريق بالفعل، وبدأ يؤكد لى أنهم يدعمون حقوق المرأة، ويطبقون ذلك ولا يكتفون بالتحدث.

عرض علىّ الإخوان التدرب كصحفية والعمل فى الصحافة الإسلامية، وبالفعل تدربت، وكان صلاح عبدالمقصود هو المسئول عن تدريب الأخوات فى قسم الإعلام.

بدأ «العريان» يوجهنى للقراءة لأشخاص معينين، فبدأت فى القراءة وكنت أحبها جدًا، ووجدت أنهم يحاصروننى من كل الجوانب.

■ ما حقيقة وجود منافسة بين سيدات الإخوان فى ملف التجنيد؟

- هذا صحيح، فقد تصارع على تجنيدى مثلًا عزة الجرف وزوجة عصام العريان، كل منهما تريدنى فى أسرتها، فترفض الأخرى.

وحينما أصبحت القيادات راضية عنى وواثقة فىّ، جرى اصطحابى إلى زينب الغزالى.. ولا أحد يذهب إلى «زينب» إلا إذا كانت مرتبته عالية.

كانوا يعتبرونها من الشخصيات العزيزة، يذهب إليها من وصل وأصبح مرضيًا عنه فقط، وبالفعل ذهبت وكنت مبسوطة جدًا.

■ كيف كانت خطوة الزواج؟

- جماعة الإخوان الإرهابية لا تترك أى فتاة تابعة تتزوج من شخص خارج الجماعة.. الأخوات يتزوجن الإخوان.. هكذا تسير الأمور.

يبدأ الأمر بسؤال الشاب عن مواصفات الفتاة التى يريد الزواج منها، ولا أحد يسأل الفتيات.

عرضوا علىّ أكثر من صورة، ووقع الاختيار على زميل وتزوجته.. وبالمناسبة الإخوان لا يهتمون بدين الزوجة كما يدعون، بل يركزون على شكل الجسد ولون الشعر ويفضلون العروسة الغنية، وهذا تناقض جلى رأيته حينها، فالخطاب الذى يجرى تصديره مختلف تمامًا عن الحقيقة.

كل الأحلام طلعت فشنك، قالوا لى: «سنساعدك وستكونين كاتبة الإخوان العظيمة».. وكنت أرى حولى شخصيات شاطرة جدًا.

صدقت الأمر، ومنعونى من العمل فى إصدار آخر، وحصرونى فى صحافتهم فقط، الزوج أولًا لا يسمح بالعمل فى إصدار آخر، وهم يدعمونه وأنا طبعًا أقول: «سمعًا وطاعة».

■ سافرت مع زوجك الكويت.. ماذا حدث هناك؟

- عندما سافرنا الكويت، عملنا هناك، وكان زوجى يأخذ منى أجرة توصيلى إلى العمل، ويقول لى: «هذا وقت ضائع من عملى».

كان يجد مبررًا لأى شىء، ويقنعنى بأن وقت توصيلى مستقطع من عمله.. ويقول إن البديل أن أعيّن سائقًا.. زعلت جدًا وانفعلت وكان معى طفلان، فاضطررت للرضا والاستمرار.

■ لماذا حدث الانفصال عن زوجك الإخوانى؟

- الانفصال حدث حينما بدأت أستيقظ وأرى الحقيقة.. كانت الضغوط تزداد على كاهلى.. قررنا العودة إلى مصر، واشترينا شقة على كورنيش النيل، وصنعنا حياة جميلة جدًا.. لكن أنا كنت شايفة إنى صحفية كويسة وعاوزة أشتغل فى مصر.

بدأت المشاكل حينما نزلت للبحث عن عمل، وبدأ تناقضه يظهر أمامى، واتضح أن التدين مجرد ستار.

كنت أشكو لمسؤول الحى فى الجماعة أو زوجته، فيقال لى إن طاعة الزوج واجبة أيًا كان ما يفعله، ثم تطور الأمر إلى العنف المنزلى والتطاول، فوصلنا للطلاق، وقبل ذلك كتبت مقال «الزواج من ملتزم كارثة».. وده اللى قلب الدنيا علىّ.

الدكتور صلاح سلطان كان مسئول الأخوات فى الجامعة، هاتفنى بعد نشر المقال، وسألنى: «ليه تنشرى غسيلنا أمام الناس؟ خليه داخل البيت الإخوانى»، فقلت له: «البيت الإخوانى كان حلمًا بالنسبة لى وأصبح كابوسًا».

■ من خلال تجربتك.. كيف يرى الإخوان المرأة؟

- تجربتى هى محاولة الكتابة فى المناطق المسكوت عنها، مثل علاقة المرأة بالمجتمع، فكتبت مقالًا، وكانت بداية الطريق للخروج من الجماعة.

المرأة بالنسبة للإخوان مهمة فى الانتخابات، فهى تطرق الأبواب وتنزل الشارع وتقنع الناخبين، وفعلت ذلك فى ٢٠٠٥، عندما حصل الإخوان على ٨٨ مقعدًا فى مجلس النواب.

يستغل الإخوان المرأة تحت ستار الدعوة، والحقيقة أن ما يحدث هو تجنيد.. نعم المرأة مهمة للإخوان فى الانتخابات وتغذية الأطفال على أدبيات التنظيم فقط، ولا توجد حقوق للمرأة داخل الجماعة.

ومن يجرى تصعيدهن هن بنات الأسر الإخوانية القوية داخل التنظيم، فهناك طبقية وعنصرية داخل الجماعة.. سترتقى من خلال عملك فى مؤسسات الدولة ومقدار الاستفادة التى ستقدمها للجماعة، وقوة الأسرة ليست مادية فقط، بل اجتماعية واقتصادية كذلك.

جماعة الإخوان طبقية وعنصرية، ولا تلتفت للقادمين من أسر بسيطة، ولا يوجد تجانس داخل الجماعة، فكانت مجموعة مدينة نصر والمعادى «كريمة» الجماعة الإرهابية، ولا تجتمع مع باقى عناصر الجماعة.

■ ما الفرق بين الأخوات داخل تنظيمات السلفيين والإخوان والتبليغ والدعوة؟

- الأدبيات هى الفرق، فكل جماعة لها كتب وأدبيات، وتتصارع فيما بينها، ولا تنظر لبعضها البعض بشكل منسجم ومتناغم، وينطبق عليها قول الله تعالى: «تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى».

كل جماعة تريد أن تكسر عظام التنظيم الآخر بالتقليل من شأنه طوال الوقت، وكانت صدمة بالنسبة لى لأننى كنت أراهم رجال الله، ولكن وجدت استقطابًا فى المساجد وبين التنظيمات.

■ ما وسائل العنف التى مارسها عليك الإخوان حينما قررت الخروج من التنظيم؟

- خلال فترة اتخاذ إجراءات طلاقى من زوجى الإخوانى، تنازلت عن كل حقوقى المادية والمعنوية.

فى هذا الوقت عُرض علىّ اتفاق، ولم أعتقد أنه سيكون عقد إذعان، وكانت بنوده التنازل عن الشقة والحضانة، ولم يكن يليق بأبنائى الذين كانوا يعيشون فى مستوى اجتماعى معين، وأنا شاركت بشكل كبير فى الارتقاء بالمستوى الاجتماعى لزوجى.

قلت لوالدى إننى لا أستطيع أن أقبل بهذا العقد، فقال لى أن أقبل حتى أبدأ صفحة جديدة.

وبعدها علمت أن الجماعة زوجت طليقى من إحدى الأخوات، من بنات قيادات المنصورة، وحدث ذلك فى شهور العدة، كنوع من الإضرار النفسى لى، وكانوا يقولون إن ابن الجماعة لا يترك فى العراء، فزوجوه.

بعدها بحثت عن شقة إيجار فى المنطقة، وبدأت صديقاتى فى الابتعاد عنى، بعد خروجى وتطليقى من أحد أعضاء الجماعة الإرهابية.. فمَن يخرج من الجماعة يمارس ضده مثل هذا العنف.

■ ما رأيك فى تجربة الكاتبة الصحفية ميرال الطحاوى؟

- ميرال كانت مقربة جدًا من زينب الغزالى، وكانت تكتب لها المقالات، بعدما تحدد لها «زينب» الأفكار الرئيسية.

استغلت موهبتها فى الكتابة لتكتب أفكار زينب الغزالى بطريقة صحفية، وبعدها خلعت الحجاب وانضمت للعلمانيين، وطُلب من عناصر التنظيم من الأخوات أن نقاطعها ولا نتحدث معها بعدما خلعت الحجاب وخرجت من الجماعة.

■ لماذا خرجت من جماعة التبليغ والدعوة؟

- تزوجت من شخص بعد طلاقى، لم أكن أعلم أنه أحد أعضاء جماعة التبليغ والدعوة، ولم أكن أعلم أن هناك جماعة للتبليغ والدعوة، فقد كنت أعلم فقط بوجود الإخوان والسلفيين.

بدأ زوجى الجديد يطلب منى أن أرتدى النقاب، فقلت سمعًا وطاعة، وبدأت فى الدخول معه فى كواليس الجماعة، وحضور حلقات وجلسات، وعلمت وقتها أنها جماعة للتبليغ والدعوة.. كانت جماعة إسلام سياسى مختلفة، تستقى أفكارها من جنوب شرق آسيا.

اكتشفت أن جماعة التبليغ تستخدم كلمات من شرق آسيا، باللغة الأوردية، فكنت أشعر بغربة، وكان لديها موسم حج لشرق آسيا.

ضم التنظيم رجال أعمال وأطباء ومهندسين، وكانوا يقبلون جميع الأطياف، ويحبون الاقتراب من المشاهير واستقطابهم، مثلما حدث مع محمود الجندى.

■ لماذا انتهت التجربة مع جماعة التبليغ والدعوة؟

- مثلما حدث مع جماعة الإخوان، اتضح أن الظاهر غير الباطن، فكانت السمة العامة وطرق التفكير متشابهة، وكانت هناك تشابهات معرفية، فالموضع نفسى، وكأنه نسيج واحد ويتم تقطيعه بين كل الجماعات.. أثواب مختلفة من نفس القماشة، والتبليغ والدعوة عباءتها واسعة.

■ كيف كان زواجك الثانى؟

- اكتشفت أن زوجى الجديد تزوج ١١ مرة، ويجمع فى زيجاته بين الرسمى والعرفى.. هذا ما حدث. 

بعد زواجى منه طلب منى مساعدته فى العمل، فأرسلته إلى بعض صديقاتى لتحفيظهن القرآن، وعندما تكون صديقتى أرملة أو مطلقة يعرض عليها الزواج، ولأنها صديقتى تخبرنى بالأمر، لكن هناك من أخفى عنى الأمر.

كان زوجى من جماعة التبليغ والدعوة يمنعنى من زيارة أصدقائى، وألقى أجندة مصادرى الصحفية من البلكونة، لأنها كانت تضم أرقام مصادر رجال، كما غيّر شريحة التليفون الخاصة بى، وعمل شريحة أخرى باسمه، فقلت ربما تكون غيرة، لكنه فى النهاية كان شكًا.

■ كيف اكتشفت أنه تزوج ١١ مرة؟

- فى البداية كنت أعتقد أننى الزوجة الخامسة فى ترتيب زوجاته، لأنه أنجب أطفالًا من أربع سيدات، فقلت ربما يكون طلق إحدى زوجاته، لكنه قال لى إنه تزوج ١١ سيدة.

الفكرة الإسلامية التى جرت زراعتها داخلى هى التى جعلتنى بهذا الخضوع، وكان زوجى مدربًا على شيئين؛ استخدام الدين فى جذب الضحية، حيث كان يبدو كأنه الرجل التقى، وفى نفس الوقت مدرب على التعامل اللطيف مع النساء، وبالتالى وقعت أنا فى فخ عظيم جدًا.

■ هل المراجعات الفكرية كافية للتخلص من فكر جماعة الإخوان وسيطرتها؟

- المراجعات الفكرية التى يعدها المنشقون عن الإخوان ليست كافية للتخلص من فكر هذه الجماعة وسيطرتها.. لو المراجعات الفكرية كافية للتخلص من فكر الإخوان وسيطرتها كنت عملتها، بما أننى صحفية وقارئة، لكن المشكلة فى أن الأفكار متغلغلة فى المشاعر، والمشاعر هى النفس.. يعنى أننى بحاجة إلى الذهاب إلى متخصص حتى يساعدنى، لأن هناك طبقات فى اللا وعى عندى موجود بها هؤلاء الناس بأفكارهم ومواقفهم معى فى كل الأحداث خلال حياتى، مثل الطفل الذى تحفر فى ذاكرته كل أحداث الطفولة. 

جماعات الإسلام السياسى تستخدم فكر الإساءة الروحية، وهى إساءة نفسية مثبتة ومعروفة فى علم النفس، التى تتمثل فى وجود سلطة دينية تستغل الضحية لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية. 

اكتشفت أن ما حدث لى هو إساءة روحية من جماعات الإسلام السياسى، ومن ثم بدأت فى العلاج، وذهبت إلى متخصص وهو الدكتور محمد المهدى، وكنت وقتها فى حاجة إلى دواء لأننى كنت أعانى من اكتئاب حاد، بعد انتهاء كل الأحداث وطلاقى من زوجى الثانى الذى كان عضوًا فى جماعة التبليغ والدعوة، حيث إننى أُصبت بالاكتئاب الحاد، لأننى أُرهقت نفسيًا جدًا وتحملت فوق طاقتى لمسايرة الأمور.

■ هل حاولت الانتحار؟ 

- نعم، عندما أُصبت بالاكتئاب الحاد، إثر تجربة طلاقى الثانى، شعرت بالعدمية التامة، وبأننى لست مهمة ولا يوجد شىء فى هذه الحياة مهم، وأن الموت شىء جميل لأنه سيخلصنى من الألم، وكل هذه المشاعر من اللا وعى دفعتنى للانتحار. 

كنت فى حاجة إلى بناء نفسى جديد بعد الخروج من جماعة الإخوان حتى أتعافى وأستعيد نفسى، فالمسألة ليست مجرد أن تقول إن أفكار هذه الجماعة خاطئة ويجب التخلص منها لكن يجب البناء النفسى.

إن كثرة الدفاعات النفسية والتشوهات المعرفية التى نعيشها أثناء وجودنا فى جماعة الإخوان أو غيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة، تكوّن لدينا ما يسمى بـ«الذات المزيفة»، وهى التى نعيش بها ومن خلالها نتخيل أننا على صواب. 

العقول لديها القدرة على خداع النفس، حيث تخدعنا عقولنا بأننا على صواب وبأن السير فى طريق هذه الجماعات هو النجاة، وبالتالى فإن هذه الذات المزيفة تحتاج إلى علاج نفسى، وهناك الكثير من الطرق للعلاج أغلبها يعتمد على علاج السلوك المعرفى، وقد خضعت لهذه البرامج العلاجية حتى تخرج ذاتى الأصيلة الحرة التى لا تنتمى لأى جماعة أو فكر متطرف. 

■ ما تأثير تعرضك المتكرر للإساءة على أبنائك؟ هل كان الأب الإخوانى يرى أبناءه أم أنهم أيضًا تعرضوا للإيذاء؟

- إن الإساءة التى تعرضت لها من زوجى الإخوانى لم تقتصر علىّ فقط، بل إن أبنائى أيضًا تعرضوا للإساءة من والدهم؛ أول إساءة تعرض لها أولادى من أبيهم الإخوانى هى الطرد من البيت، ومن ثم استئجار شقة أخرى كتب فى العقد أن إيجارها ٣٠٠ جنيه، وهذا غير صحيح، لأنه لم تكن توجد شقق فى المعادى بهذه الأسعار وقتها ولا حتى الآن.

وكان أولادى يسألونى: «إيه إللى بيحصل يا ماما؟»، وفى النهاية خرجت بالأولاد دون عفش ودون أى شىء، كل هذا كان يعتبر عدم استقرار للأولاد، حيث تنقلت كثيرًا بين شقة وأخرى، كما أن النفقة التى كان يدفعها حوالى ٩٠٠ جنيه، كلها مبالغ ليس لها أى علاقة بالمستوى الاقتصادى أو الاجتماعى الذى نعيشه، ولذاك كنت أحارب وأعافر وأعمل كثيرًا حتى أستطيع أن أنفق على أولادى، لكن تظل هذه الإساءات التى تعرض لها أولادى محفورة بذاكرتهم. 

■ بعد طلاقك الثانى طلب منك أولادك العودة إلى والدهم الإخوانى.. كيف كان رد فعل أبيهم؟

- تعرضت لصدمة كبيرة بعدما طالبنى أولادى بالرجوع إلى والدهم الإخوانى بعد طلاقى من زوجى الثانى، عضو جماعة التبليغ والدعوة، وقد أُصبت بالاكتئاب الحاد بسبب هذه الصدمة. 

عندما طلب منى بناتى الرجوع لوالدهن الإخوانى، وافقت وارتضيت أن أكون زوجة ثانية، لأن بناتى كبرن وأصبحن على وش زواج، وقال والدهن وقتها إنه سيأتى بشقة وشبكة، لكنه اشترط أن يعيش البنات معه ومع زوجته وإخوتهن، وبأن عقد زواجى منه سيكون عقدًا عرفيًا، فى السر، حتى لا تعلم زوجته بهذا الزواج، كما اشترط أن تكون وثيقتا الزواج العرفى بحوزته، إضافة إلى أنه كان يريد أن يجعلنى أوقع على إقرار بأننى كنت على خطأ عندما تطلقت منه فى المرة الأولى. 

كما أن هناك إساءة أخرى ارتكبها زوجى الإخوانى مع بناتى، وقت انفصالى عن زوجى من جماعة التبليغ والدعوة، فعندما قرر بناتى ترك والدهن والانتقال معى، جعلهن يوقعن على ورقة تفيد بأنهن كن سعيدات معه.

كما وقعت ابنتى، مثلًا، على أن تفوقها الدراسى سببه أنها تعيش مع والدها لا والدتها، لكن كان سبب تفوق بنتى الحقيقى هو رغبتها فى الحصول على مجموع كبير حتى تدخل مدرسة داخلية وتبتعد عن هذا الجو السيئ وتتخلص من إحساسها بعدم الأمان مع والدها. 

■ كيف كان رد الفعل المجتمعى على زواجك وطلاقك مرتين من عضوين بالإخوان والتبليغ والدعوة؟

- لم يصدق أحد كلامى، أغلب الناس من حولى ظنوا أن زوجىّ «بتوع ربنا»، وأنهما تقيان، وكانت أصابع الاتهام تتوجه لى.

■ بمَ خرجت من تجربتك مع هذه الجماعات؟ وما النصيحة التى تقدمينها للفتيات؟

- أهم شىء خرجت به هو أن القرب من الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى جماعة أو تنظيم أو أى شخص له سلطة فى هذه النقطة، وبالتالى لا يجب تسليم النفس لسلطة أو جماعة تفصلك عن مجتمع وتوهمك بالدخول فى مجتمعها وتحدث بداخلك حالة من التنافر والتشوه المعرفى تجاه مجتمعك الأصلى، يوجد بداخل رءوسنا عقل يفكر ونفس تستحق أن نحافظ عليها بأن نجعلها مستقلة وحرة.

بعد تجربتى مع هذه الجماعات أرى أنها عبارة عن إساءة روحية، والانتماء إلى جماعات الإسلام السياسى إساءة للروح والنفس.