رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عام على الصراع»| محللون يتوقعون سيناريوهات للأزمة الروسية الأوكرانية: تسوية سياسية.. حرب استنزاف.. اللجوء للسلاح النووي

الأزمة الروسية الأوكرانية
الأزمة الروسية الأوكرانية

عام مر على الحرب الروسية الأوكرانية، سقط خلاله حتى الآن آلاف القتلى والمصابين فى صفوف جيشى وشعبى البلدين، فضلًا عن الدمار الذى أصاب البنى التحتية لدى الطرفين، وسط غموض كبير يكتنف نتائج الحرب وموعد انتهائها، والتغييرات التى ستحققها فى خريطة العالم والسياسة الدولية.

 ورأى عدد من الخبراء والمحللين السياسيين أن تلك الحرب ستؤدى لكثير من التغيرات الدولية، وستخلق الكثير من التحالفات، كما ستكون لها تداعيات أخرى على مستوى صناعة السلاح والنفط فى المستقبل.

مهدى عفيفى:  الشرق الأوسط تأثر سلبيًا.. وموسكو فى مأزق بعد أن أقنعت حلفاءها بالنصر

قال مهدى عفيفى، المحلل السياسى، وعضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، إن الحرب الروسية الأوكرانية خلقت بعض التحالفات، حيث دفعت الولايات المتحدة على سبيل المثال لتنويع علاقاتها، مضيفًا أن الحرب قد تستمر لفترة أطول، خاصة بعد الدعم منقطع النظير من الدول الأوروبية لأوكرانيا، وتصميم الولايات المتحدة على الوصول إلى نجاحات إيجابية لكييف.

وذكر أن روسيا حاليًا فى مأزق لا تستطيع الخروج منه، حيث أقنعت شعبها وبعض المتحالفين معها بأنها ستنتصر، ولكن بعد نحو عام لم تحقق التقدم المطلوب، فى ظل استمرار الدعم الأوروبى والدولى والأمريكى لأوكرانيا.

وتابع: «روسيا اعتمدت على مد فترة الحرب، ظنًا منها أن هذا سيؤدى لضغط شعبى من الدول الغربية على حكوماتها، ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن، والحكومات الغربية مصممة على الاستمرار، وروسيا الآن فى ورطة، خاصة أن لها سقفًا فى أسعار النفط والغاز، الذى تبيعه لدول معينة، واستمرار الحرب يجعلها تنفق كل ما تجنيه من مبيعات النفط».

وأشار إلى أنه لا يعتقد دخول دول أخرى فى دائرة الحرب، مضيفًا أن الدول الأوروبية تتجنب أى استفزاز، كما أن الدول التى تحاول دعم روسيا لا يمكنها المشاركة معها فى الحرب بشكل مباشر، لافتًا إلى أن الحرب ستستمر بشكل استنزافى لوقت طويل.

وذكر أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على منطقة الشرق الأوسط بشكل متفاوت، حيث يعتمد بعض بلدانه على منتجات روسية وأوكرانية، ما أثر سلبيًا على اقتصادها، كما ينذر بحدوث مزيد من الاضطرابات الاقتصادية فى السنوات المقبلة.

خلفان: الخوف من الاضطرابات الداخلية

قال الكاتب الصحفى والمحلل السياسى الإماراتى، محمد خلفان الصوافى، إن الجانب السلبى لهذه الحرب قد يستمر على المستوى العالمى، مشيرًا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية خاصة القمح، وهى الارتفاعات التى لم يستطع الكثير من دول العالم استيعابها.

وحذر من أن استمرار الحرب ستكون له تداعيات سلبية كثيرة، ومنها استمرار زيادة أسعار الطاقة على المستوى العالمى، وزيادة الضغوط على الأوضاع الداخلية للدول، ما قد يؤدى إلى اضطرابات مجتمعية داخلية، وهذا ما يقلق الكثير من المراقبين.

منذر الحوارات: التعاون العربى هو الحل

رأى المحلل السياسى الأردنى الدكتور منذر الحوارات، أن الاستقرار السياسى والاجتماعى فى المنطقة مرهون بالاستقرار الاقتصادى، خاصةً بعد الحرب، مشيرًا إلى أنه أصبحت هناك حاجة ماسة لأن تعتمد المنطقة على نفسها.

وأشار إلى ضرورة التعاون العربى بما يخدم جميع الأطراف، مضيفًا أنه على سبيل المثال لدى مصر طاقة بشرية كبيرة، وثروات طبيعية مثل المياه، والعمالة الممتازة والمؤهلة، والأردن لديه كفاءات بشرية على درجة عالية من الخبرة، أثبتت كفاءتها، كما أن دول الخليج لديها حوكمة رشيدة، وبالتالى لو قدمت كل دولة للأخرى ما تحتاجه، فسوف تعود الفائدة على الجميع.

نزار الجليدى: مناطق كثيرة تعانى

أشار المحلل السياسى التونسى، نزار الجليدى، إلى أن الحرب الحالية يمكن تسميتها بالحرب العالمية الثالثة، حيث ألقت بظلالها على العالم كله، وليس المنطقة وحدها، مضيفًا: «الشرق الأوسط مرتبط بالسوق العالمية، والتجارة الدولية، والمنطقة منقسمة بين دول منتجة ودول مستهلكة، وبعض الدول استفاد اقتصاديًا، لكن مناطق كثيرة تعانى، خصوصًا بعد عامين من جائحة كورونا، وعام الحرب». ورأى أن الحل الوحيد أمام المنطقة هو الاصطفاف فى الجبهة الأقوى، ومع العالم الجديد الذى يضم روسيا والصين، لافتًا إلى أن المنطقة تعتبر مكانًا مهمًا فى العالم، والجميع يحتاج لها، وعلينا استثمار ذلك فى تسريع العمليات التنموية.

مختار غباشى: العالم فى حيرة

شدد الدكتور مختار غباشى، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، على أن العالم أجمع أصيب بالحيرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع داخل الساحة الأوكرانية بالتحديد، وكذلك الموقف الصينى من الحرب، كما أن العالم الغربى وواشنطن يدركان جيدًا أهمية تايوان بالنسبة للصين.

وأوضح «غباشى»: «دول قارة آسيا بجانب الصين فى هذا الصراع، باستثناء اليابان والفلبين، كما أن الوضع متوتر للغاية وقد يمتد الصراع إلى دول أخرى مستقبلًا، خاصة فى بولندا ودول بحر البلطيق الثلاث وربما فنلندا والسويد.. إذا أرسل الناتو أسلحة».

على الصاحب: تعتبر حرب استنزاف

أكد المحلل السياسى العراقى، على الصاحب، أن المنطقة حدث فيها اضطراب غير مسبوق نتيجة تأثرها بالحرب، خاصة أن الكثير من الدول يعتمد على روسيا وأوكرانيا من ناحية المواد الغذائية كالقمح والزيت وغيرهما.

وأوضح «الصاحب»: «هذه حرب استنزاف، والدليل هو حدوث أكثر من هدنة ووقف لإطلاق النار»، مؤكدًا: «دول كثيرة، منها أوروبية، تضررت من هذه الحرب، بعدما توقف الغاز الذى كان الجزء الأكبر منه يأتى من روسيا، وشهدنا انقطاع الكهرباء والطاقة فى تلك البلدان».

أحمد السيد: عمقت الزيادات الإضافية فى الأسعار الأزمات الإنسانية

أوضح أحمد السيد، الباحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن أوكرانيا تُصدر ٩٥٪ من حبوبها عبر البحر الأسود، وذهب أكثر من ٥٠٪ من صادراتها من القمح إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى عام ٢٠٢٠.

وتابع: «عمقت الزيادات الإضافية فى الأسعار الأزمات الإنسانية فى عدد من دول المنطقة، ومع قرب مرور عام على الحرب بات العديد من الدول يكافح من الناحية الاقتصادية، بينما بات بعضها أكثر ضعفًا وعرضة للضغوطات الخارجية». وأضاف أن الصراع الروسى مع الغرب وواشنطن حول أوكرانيا أدى لأخذ الأنظار بعيدًا عن القضايا الحاسمة، مثل: الحد من التسلح، والأمن السيبرانى، ومنع انتشار الأسلحة النووية، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، وأزمة المناخ. وبيّن: «رغم تداعيات الحرب السلبية من الناحية الاقتصادية على المنطقة، إلا أنها أثبتت خطأ ما قيل عن تراجع أهمية الشرق الأوسط، فهناك مؤشرات على تنافس أمريكى روسى حاد على جذب دول الشرق، واختفاء لهجة التعالى تجاهها، واتضح ذلك من زيارات كبار المسئولين الروس والأمريكان لدول المنطقة».

وتابع: «يُمكننا وضع عدد من السيناريوهات واحتمالية تحقق أحدها فى المستقبل القريب، ومنها سيناريو التسوية، نتيجة الاستنزاف الحاد الذى يتعرض له جميع الأطراف، سواء روسيا وأوكرانيا، اقتصاديًا وعسكريًا وبشريًا، أو دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة فى مجال الطاقة والتضخم وارتفاع الأسعار؛ فقد تكون هناك مؤشرات على التوصل لتسوية سياسية تُجنب الجميع التداعيات الكارثية للأزمة، وهذا السيناريو قد يتخلله تنازل أوكرانيا، ومن ورائها الغرب، عن بعض الأراضى التى استطاعت روسيا التمسك والسيطرة عليها».

وأشار إلى أن هناك سيناريو للتصعيد، إذ تُصر روسيا على تحقيق الانتصار وعدم السماح لكييف بالانضمام لحلف الناتو، وفى هذا السياق يواصل بوتين الانخراط فى الحرب، فى المقابل يسلح الغرب والولايات المتحدة كييف، ويرسل مليارات الدولارات من المساعدات حتى تستمر فى مواجهة روسيا وهزيمتها.

وأضاف: «الدعم الغربى والأمريكى لكييف والاستمرار فى تغليظ العقوبات على روسيا، قد يدفع الأخيرة لاستخدام السلاح النووى، حتى ولو بدرجة معقولة، وما يُدلل على ذلك هو تصريح الرئيس الروسى السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسى الحالى دميترى ميدفيديف، عندما قال إن هزيمة أى قوة نووية فى حرب تقليدية يمكن أن تؤدى إلى اندلاع حرب نووية، ولم تخسر القوى النووية صراعات كبرى يتوقف عليها مصيرها». وتابع أن السيناريو الأخير هو إطالة أمد الأزمة، وهو الأقرب للتحقق، مضيفًا أن موافقة البيت الأبيض على إرسال دبابات «أبرامز» أمريكية الصنع إلى أوكرانيا، وموافقة ألمانيا والدول الغربية على إرسال دبابات «ليوبارد»، ستعززان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن أراضيها، وفى المقابل لا تمتلك روسيا، التى بدأت الحرب، رفاهية التردد أو التنازل أو التراجع، وإذا ما تراجعت ستنتقل الحرب للداخل الروسى، وهذا الأمر لن تسمح به موسكو.

حسين راغب: أمريكا عادت لأساليب الحرب الباردة

أكد حسين راغب، النائب السورى، رئيس حزب الإصلاح الوطنى، أن الحرب خلفت وراءها تداعيات وتحديات مختلفة وكبيرة على مجتمعات وشعوب ودول الشرق الأوسط والعالم فى العديد من المجالات. وأوضح «راغب»: «جميع دول العالم تأثر بالحرب اقتصاديًا فى كل المجالات، من حيث ارتفاع الأسعار والبطالة، وإفلاس العديد من الشركات، وتوقف عدد كبير من المصانع، ونال هذا التأثير من الدول الغنية والفقيرة التى تأثرت أكثر من حيث نقص الحبوب والمواد الغذائية».

وتابع: «منطقة الشرق الأوسط بشكل عام تأثرت بشكل كبير بتداعيات الحرب، خاصة أمنها الغذائى، فى الوقت الذى استفادت فيه دول منتجة للنفط والغاز من الطلب الأوروبى على الطاقة فى ظل نقص الإمدادات الروسية». 

وأشار إلى أن آثار الحرب أكدت أهمية مصادر الطاقة الأحفورية على المديين القريب والمتوسط، رغم الحديث عن الطاقة المتجددة كبديل، وبالتالى فإن هذا سيجعل منطقة الشرق الأوسط التى تستحوذ على نحو ٧٠٪ من احتياجات الطاقة الأحفورية عالميًا محط اهتمام وأطماع الدول الكبرى، فالتوقعات تشير إلى أن منحنى الطلب على مختلف مصادر الطاقة سيستمر بالصعود حتى عام ٢٠٣٠، وسيرتفع معدل استهلاك البترول إلى ١١٦ مليون برميل يوميًا ذلك العام. وأكد أن كل ما سبق دفع أمريكا للعودة إلى الشراكات والتحالفات الإقليمية واستدعاء الوسائل التاريخية فى أثناء الحرب الباردة وتطبيقها على الشرق الأوسط عن طريق استراتيجية التطويق والاحتواء، كما طرحت مشروع إقامة «ناتو شرق أوسطى» لأغراض مشبوهة، مضيفًا أن الحرب أعادت صراع القوى الإقليمية والدولية على المضائق والممرات المائية الدولية فى المنطقة.

ودعا إلى وضع استراتيجية شاملة للأمن القومى العربى، لمواجهة التحديات الإقليمية والوضع العالمى المتغير، خاصة تلك الدول التى تواجه الأزمات وتحتاج إلى ظهير عربى مساند لاستعادة الاستقرار والإسهام فى إحلال التسويات السياسية المطلوبة ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية والخارجية المدمرة

طارق فهمى: ظهور معادلات جيوسياسية جديدة

شدد طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية الدولية، على أن هناك معادلات جيوسياسية جديدة فى الإقليم تشكلت بصورة أو بأخرى بعد مرور هذا العام على بدء الحرب العالمية الروسية الأوكرانية. 

وأضاف «فهمى»: «تغيرت المواقف.. فهناك دول اتبعت مبدأ النفعية المباشرة فى هذا الإطار مثل الصين، أما روسيا فحاولت أن تبنى مواقف مجموعة الآسيان وبناء ترتيبات أمنية واستراتيجية جديدة، وأرغمت الدول الخاصة التابعة لها فى مراحل مثل جمهورية البلطيق وروسيا البيضاء فى تبنى مواقفها المباشرة فى هذا الإطار». وتابع: «أما باقى الدول فاتخذ خطوات أخرى؛ روسيا أعادت تشكيل حلف وارسو جديد، يعرف باسم معاهدة الأمن الجماعى، كما أنها تحاول بناء رؤية وترتيبات أمنية واستراتيجية لمواجهة الناتو، وفى المقابل أعاد الناتو تموضع قواته، وبطبيعة الحال فإن ملف الدعم العسكرى لا يزال فى مراحله الأولى، برغم كل الدعم الحالى لأوكرانيا، وذلك فى ظل تخبط الإدارة الأمريكية ما بين اعتبار الصين عدوًا لها وفق استراتيجية أمريكية أعلنت فى أغسطس الماضى، وجزء ثان مرتبط بمواقف دولية أخرى».

رامى المعادات: قوة أوكرانيا تزيد صعوبة التسوية

قال الكاتب الأردنى رامى المعادات، إنه كلما كان أداء القوات الأوكرانية على أرض المعركة أقوى، زادت صعوبة طرح التسوية التفاوضية، حتى وإن كان من مصلحتها التفاوض من موقع قوة، ومع تنامى خطر التصعيد الروسى ترتفع احتمالية تصوير أى قائد غربى يتحدث عن إنهاء الحرب بأنه غير واقعى، أو أنه رضخ لـ«الابتزاز النووى».

وأكد «المعادات» أنه للوصول إلى التسوية يجب على الساسة الأمريكيين اتخاذ خطوات لضمان عدم تباين المصالح الأوكرانية والأمريكية والأوروبية، مشيرًا إلى أن المصالح الأوكرانية ليست بالضرورة متطابقة مع مصالح شركائها الغربيين إن المخاطر أعلى بالنسبة إلى كييف، وفى ظل وقوع الاقتصاد الأوكرانى فى حالة يرثى لها فلا يمكنها تحمل الخسارة فى حال التصعيد أو استمرار الحرب.

وأوضح أن الخاسر الأكبر من استمرار الحرب هو أوكرانيا، وأن استمرار الحرب يخدم المصالح الروسية.