رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نشأ في أسرة فقيرة وعمل أجيرًا.. حكايات من طفولة حنا مينة

حنا مينة
حنا مينة

4  أعوام مرت على وفاة الكاتب السوري حنا مينة، الذي رحل عن عالمنا في 21 أغسطس لعام 2018، ويعد أحد رموز الرواية في العالم العربي، إذ انتشرت أعماله على نطاق واسع، وتناول فيها القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية، من منظور كاتب اختبر وعاش حياته في الأحياء السورية الفقيرة.

مكونات ومؤثرات عديدة صاغت شخصية الكاتب حنا مينة، وهو ما كشفه في حوار له في جريدة "القاهرة" بعددها الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 2001، قائلا: المكونات الثقافية كلها، تحصلت لي من المطالعة، وهي عديدة، متنوعة، لأنني مدرسيا لم أتجاوز الشهادة الابتدائية "السرتفيكا" عام 1936، وفي مدينة إسكندرونة، في اللواء العربي السليب، وبعد نيل هذه الشهادة خرجت إلى دنيا الناس، بحثا عن الرغيف، لأنني من عائلة فقيرة فقرا أسود، وكان علي، لمساعدة العائلة والأم والأخوات خصوصا، أن أعمل خيرا في مهن كثيرة، وأن أكتوي بنار التجارب، كما الحديدة التي تلقى في النار، إن التجارب، بغير معاناة هي تجارب لا تذهب في العمق، ولا تمس الروح وتدميها، ويشاء حظي، أو الظروف الاجتماعية التي كانت سائدة في ثلاثينيات القرن العشرين، أن أعاني في تجاربي معاناة قاسية، فالعمل أجيرا في أماكن مختلفة ليس بالأمر السهل وليس بالذي يمر بالجسد دون أن يهدمه، وبالروح دون أن يجرحها، ورغم هذا كان علي أن أواصل الكدح، وأن أعمل حمالا في المرفأ، وبحارا على المراكب الشراعية لفترة قصيرة، وأن أشهد العواصف، التي يطل الموت غرقا من بين أمواجها المصطخبة، محدقا بي بعيون باردة عيون أفعى وهي تثبتها على فريستها.

وتابع: قبل ذلك، وفي حرب "السفر برلك" كانت العائلة تعيش في ريف مرسين بتركيا، وقد رزقت الوالدة ثلاث بنات بالتتابع، وفي عرف ذلك الزمن كان هذا معناه فاجعة، ولشد ما تضرعت الوالدة إلى الرب ليرزقها ولدا، ويبدو أن الرب استجاب لها، فرزقت بي، وجئت إلى الدنيا عليلا، مهددا، كذبالة الشمعة، بالانطفاء في أي لحظة، ومن جراء أية نسمة تهب عليها، وهذا ما ملأ الوالدة خوفا، وبقيت عليلا، ناحلا، مهددا بالعودة إلى العدم الذي خرجت منه، حتى سن اليفاعة.

واستطرد: يمكن القول إذن، إنني ولدت بالخطأ، وعشت بالخطأ، وكتبت بالخطأ، وأن المقاومة كانت قدري، ولا تزال، وفي ثلاثية "بقايا حور - المستنقع - القطاف" سيرة ذاتية لي، تروى حكاية شقاء عائلة من خلال عيني طفلها الصغير الذي هو أنا، إن هذا التكون الشقي، بين جسم عليل، وروح مرهفة، وسعي دؤوب، هو البحث المضني عن لقمة الخبز، قد كان تكونا تراجيديا، جعل حياتي طافحة بكل أنواع التجارب، التي ستكون، بعد الأربعين من عمري، بئرا أغرف منه أحداث روايتي التي تجاوز المطبوع منها، حتى الآن الثلاثين رواية، عدا القصص وبعض الدراسات.

وأوضح: في طفولتي، يأتي التشرد بعد الفقر، ليكون مكونا آخر، فقد هاجرت عائلتي من بلدة السويدية، إلى بر أرسوز، حيث ضاعت طوال سنوات، ولما عادت إلى إسكندرونة، سكنت حي المستنقع "الصار" الحي الأفقر في هذه المدينة، والذي بلغ من عوزه أن بعض سكانه، وأنا منهم، كنا نبحث في مكب الزبالة عن كسرة الخبوز، وتزاحم الخنازير عليها، أنه الجحيم الحقيقي، الذي لم يعرفه المعرى أو دانتي، وفي وسط أمي، جاهل، متخلف، وعائلة، الأم فيها والبنات يعملن خادمات في البيوت، والأب يلهث على الدروب ليبيع المشبك في القرى، في هذه العائلة، وهذا الوسط، تكونت واكتويت، وتعرفت إلى المناضلين في سبيل العدالة الاجتماعية وصرت في يفاعتي والشباب واحدا منهم.

وأضاف: لقد تأثرت بالتجارب ودروسها المرة، بمثل ما تأثرت بالمطالعة، وقرأت كتبا كثيرة، كان أحبها إلى قلبي "ألف ليلة وليلة" ثم مذكرات مكسيم جوركي، وروايته "الأم" ثم روايات تشارلز ديكنز وتوفيق الحكيم وتوفيق يوسف عواد وجبران خليل جبران، والقائمة طويلة، إلا أن التأثر الأكبر أتاني من حكايات والدي المشوقة عن البحر والحياة، فقد كان قصه ممتعا مشوقا، ويدور حول حياة البحر، باعتبارنا من عائلة بحارة، وباعتبار الحي على جوار من البحر، وسكانه من البحارة والصيادين.