رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حيوانات الجيزة تستغيث

أشوف الودع وأقرأ الكف، فريسكا فريسكا.. نداءات توحى بوجودك فى الليلة الكبيرة لأحد الموالد بعد حلقة ذِكر على أنغام وكلمات الشيخ ياسين التهامى، ولكن الحقيقة غير ذلك.

فاجعة أكثر منها حقيقة، أنت الآن فى حديقة الحيوان بالجيزة، تلك الحديقة التى كانت بمثابة قِبلة لنا جميعًا، باختلاف العُمر والجيل، فى فصل الصيف، حيث إجازة آخر العام الدراسى المزدحم، كانت متنفسًا للجميع، حيث حيوانات من كل بقاع الكرة الأرضية سكنت الحديقة الجميلة، ولكنّ الوضع الآن تبدل، حيث سكنتها الأشباح تارة، والقمامة تارة أخرى، وأصبح محظوظًا من يعثر على حيوان واحد، يشبه المشاهد التى تربينا عليها، وارتبطنا بها، وشكلت ذكرياتنا.

القطط تصول وتجول ترحب بالزائرين وتنتظر عطاياهم، حيوانات بلغت من العُمر أرذله، وطيور أكل الدهر عليها وشرب، نظراتها كنظرة صاحب بيت استقبل ضيوفًا ثِقالًا فى منتصف ليل شتاء بارد، وإن لم تخل تلك النظرات من نظرة استغاثة أحيانًا، وتردد: إيه اللى جبكوا هنا؟! سيبونا فى حالنا.

الحديقة- وإن لا يوجد بها ما يستحق هذا الوصف والمسمى، ولكن احترامًا للذكريات ننعتها بذلك الوصف- تحولت إلى بيوت حيوانات فارغة، المتسولون والباعة الجائلون يسيطرون عليها، أشجارها الكثيفة والمُذهلة أضحت تتسول الاهتمام، لوحة إرشادية تحمل تنويهًا بأن القفص به ضباع، لتجد القفص بها نعام أو غزلان، ولوحة أخرى تدعى كذبًا وافتراءً عن أن هذا بيت الغزلان، وبتحديق النظر، تجد الغزلان تردد «نو نو»! نعم إنها «قطط» وليست «غزلان».

مرافق متهالكة، حمامات لا تصلح للاستخدام الآدمى، أغانى المهرجانات تصُم الآذان، حيوانات ضئيلة الحجم نحيلة القوام، قادها حظها العثر إلى هذا المكان، أبواب عديدة للحديقة، ولكن أغلبها مغلق، إن لم يكن كلها، فهل هذا عقاب على بساطة ثمن التذكرة التى لا تتخطى الخمسة جنيهات؟!

وحتى نمنح الحديقة من الإنصاف شيئًا، عثرنا على بارقة أمل، رنه الطفطف المتطور، الذى يعمل بالكهرباء، وينقل الزائرين ليشاهدوا الحيوانات «اللى مش موجودة أصلًا»، قطار كهربائى شيك ولطيف وحضارى، لكن حظه لم يختلف عن الحيوانات شيئًا، حيث تردّد عجلاته «أنا بعمل إيه هنا؟!».

ختامًا، نوجه استغاثة لكل مسئول، نداءً لأصحاب القلوب الرحيمة، من حيوانات لا حول لها ولا قوة، «أنقذوا ذكرياتنا، أنقذوا حديقة الحيوان».