رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القطعان التى تقودها مواقع التواصل

جريدة الدستور

على مدار الأسبوع الماضى تابعت حادثتين لعبت فيهما مواقع التواصل الاجتماعى أدوارًا مثيرة للانتباه، لكنها أيضًا مثيرة للأسى والشفقة، والحسرة على ما آلت إليه الحال فى بلادنا.

حادثتان كان فيهما مبدأ قيادة القطيع هو الأغلب فى الحضور، بصورة غير طبيعية، ولا يمكن التعامل معهما بحسن نية، أو دون قراءة وفهم لما يحدث فى الشخصية المصرية من عبث واستهانة تصل إلى درجة مرعبة من السيطرة على العقل الجمعى، وتحويل الجميع إلى مجرد «أهبل فى زفة»، مرة تحت إغراء الضحك والهزار، ومرات بتغذية الشعور بالقوة والقدرة على التأثير.

الواقعة الأولى تخص «زاوية للصلاة» أقامها أحدهم بمنزله، بمحافظة الفيوم، ثم عندما تحولت إلى استراحة للاستحمام والجلوس فى «التكييف»، وتحول بابها إلى «مصطبة»، يستغلها العابرون للتقطيع فى سيرة بقية الخلق، وتطلق الأذى هنا وهناك، قرر ورثة المنزل إغلاق هذه الحجرة وإعادتها إلى البيت الذى اقتطعت منه.. هنا ثارت الدنيا، وتحول الأمر إلى كارثة تستدعى تدخل وزارة الأوقاف والمحافظة وأجهزة الأمن.. «إلحق بيقفلوا الجامع»!

على الجانب الآخر كانت هناك فئة تحاول أن ترى الموضوع من زاوية أخرى، فهذا منزل يخص عائلة، ولها أن تفعل به ما تشاء، وهذه الحجرة ليست «مسجدًا»، بل «زاوية صغيرة» مقتطعة من منزل خاص، غير مرخصة، ولا تتبع وزارة الأوقاف التى تقدمت ببلاغ ضد أحد الورثة، ولا يحق لأهالى المنطقة التى توجد بها فتحها عنوة، أو التدخل فيما يريده أصحاب البيت.

بالطبع هناك زوايا كثيرة لرؤية الواقعة، منها ما يعرفه الجميع من تحايل البعض على القانون ببناء المساجد والزوايا أسفل البيوت لتمرير قيامهم بالبناء على الأراضى الزراعية، وهو أمر منتشر منذ سنوات طويلة فى كل قرى ونجوع مصر، ومنها ما قاله بعض الأهالى من أن الإغلاق ليس سببه الاستحمام والجلوس فى التكييف كما قالت صاحبة البيت، ولكن بهدف الحصول على سعر أعلى للبيع، لكن كل هذا لا يبرر بحال من الأحوال ما حدث من تحول لصفحات التواصل على مدى يومين إلى ساحة للصور والشتائم والتهديدات، وكأن مصير الأمة قد تحدد فى هذه الزاوية الفيومية، وكأن أصحابها قد خرجوا عن الملة والدين، ولا بديل عن إعادة فتح الزاوية.. وتطوع الجميع من كل أنحاء مصر للفتوى، ودون أن يعرف أحد ظروف ورثة المنزل، ومدى حاجتهم إلى بيعه أو إغلاق الغرفة التى فتحها أبوهم. 

أما الواقعة الثانية فتخص معيدًا بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية، هذا المعيد نشرت كليته تهنئة له بمناسبة ترقيته من درجة «مدرس مساعد» إلى «مدرس»، فتسارعت علامات الغضب فى الظهور على «البوست» حتى وصلت فى ساعات محدودة إلى ما يقرب من المائتى ألف علامة، وتحول البوست إلى «تريند»، ومادة للعقاب الجماعى لهذا المدرس، حتى وصل الأمر إلى التحقيق معه داخل الجامعة.

ربما حمل البعض ذكريات سيئة لهذا المدرس، إلا أن ما حدث لا يمكن أن يمت للواقع بصلة، سواء من حيث كمية الكراهية فى رد الفعل الموحد، أو فى التعليقات على «البوست» التى حولت فرحة الرجل إلى مأساة، وتحولت معها وسائل التواصل من مجرد ساحة للتعبير عن الرأى إلى أداة عقاب تقتل دون فهم أو دراية، تقتل لمجرد السير فى الزفة، ودون تفكير أو وعى بما يمكن أن تكون نقطة البداية، وما يمكن أن ينتهى إليه الأمر.

بالتحليل المنطقى لا يمكن أن يكون كل هذا العدد ممن درّس لهم ذلك المعيد، ولا يمكن أصلًا أن يعرفه نصف هذا العدد، مجرد المعرفة، ولكن إغراء التريند لعب لعبته، وحوّل فرحة شخص إلى مأساة، لمجرد أن شخصًا آخر لا يحبه، أو مجموعة أشخاص عرفوا كيف يسيطرون على قطيع السوشيال ميديا، واتفقوا على تحويل الأمر إلى «زفة»، و«اللى يحب النبى يزق»، وقد كان.. دخل الآلاف ممن لا يعرفون الرجل، وعبّروا عن غضبهم لترقيته، وحولوا لحظة الفرح إلى سرادق عزاء! 

السؤال الآن: ما موقفك إن تم فصل هذا المعيد تحت ضغط «أغضبنى» اللى عملتها فى لحظة ركوب للتريند؟ هل تتخيل رد فعل أسرته؟ أمه؟ ابنته؟ جيرانه؟ أصدقائه؟ 

هل أنت على يقين من استحقاقه كل هذا الغضب؟

قليلٌ من التفكير لن يضر.. فكروا قليلًا يرحمكم الله.