رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعتراف الثلاثى الأوروبى

رسميًا، أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا، الأربعاء الماضى، فى بيان مشترك، عن اعترافها بدولة فلسطين، اعتبارًا من الثلاثاء المقبل، فى خطوة رمزية انتقدتها الولايات المتحدة، بزعم أن «الدولة الفلسطينية يجب أن تتحقق من خلال المفاوضات وليس باعتراف أطراف منفردة»، فى حين أعربت الدول الثلاث عن أملها فى أن يؤدى قرارها إلى تسريع وتيرة الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، فى حرب إسرائيل على قطاع غزة، المستمرة منذ أكثر من ٧ أشهر.

باعتراف الدول الثلاث الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، يصل عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين، منذ إعلانها سنة ١٩٨٨، إلى ١٤٧ دولة من أصل ١٩٣ هى الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة. ومع أن القرار مجرد خطوة رمزية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تعاملت معه بتهوّر لافت، وإن كان عاديًا ومعتادًا، ولم تكتفِ باستدعاء سفرائها لدى الدول الثلاث، بل استدعت، أيضًا، سفراء هذه الدول لديها، وقامت بـ«توبيخهم»، بحسب وسائل إعلام عبرية، نقلت عن مصادر مطلعة، أن الخارجية الإسرائيلية قد تتخذ المزيد من الإجراءات «تشمل إلغاء زيارات مسئولى الدول الثلاث، وتأشيرات دخول دبلوماسييها»!

فى المقابل، قوبل قرار الثلاثى الأوروبى بترحيب من السلطة الفلسطينية وكل الدول العربية والإسلامية، ورأته مصر «خطوة مقدرة تدعم الجهود الدولية الرامية إلى خلق أفق سياسى يؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية»، ودعت الدول، التى لم تتخذ هذه الخطوة بعد، إلى المضى قدمًا نحو الاعتراف بدولة فلسطين، إعلاءً لقيم العدل والإنصاف، ودعمًا لحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة، الذى عانى من الاحتلال الإسرائيلى لأكثر من سبعة عقود، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة. وجدّدت مصر، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، مطالبتها لمجلس الأمن، والأطراف الدولية المؤثرة، بضرورة التدخل الفورى للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى فى هذا الظرف الدقيق، الذى تمر به القضية الفلسطينية، والتعامل بالمسئولية المطلوبة مع الأوضاع الإنسانية الخطيرة التى يشهدها قطاع غزة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع، خاصة فى مدينة رفح الفلسطينية.

اعتراف الدول الثلاث بدولة فلسطين، وصفته وكالة «أسوشيتد برس»، بأنه «الضربة الثانية لسمعة إسرائيل الدولية هذا الأسبوع بعد أن قال المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه سيطلب إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير دفاعه». كما رأت جريدة «نيويورك تايمز» أن هذا الاعتراف جزء من «السخط العالمى» على إسرائيل، لكنها أشارت إلى أنه لن يكون مؤثرًا و«لن يدفع الزخم إلى الأمام إلا لو تغيرت عدة أمور، ليس أقلها استبدال القيادة الإسرائيلية والفلسطينية الحالية، وإنهاء الحرب الدائرة فى قطاع غزة، وتشكيل سلطة حكم فى القطاع لا يربطها أى شىء بحركة حماس». 

تلك، إذن، أو غالبًا، هى الشروط الأمريكية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولعلك تتذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد تبنّت، فى ١٠ مايو الجارى، طلب حصول الدولة الفلسطينية على العضوية الكاملة فى المنظمة الدولية، الذى عرقله الـ«فيتو» الأمريكى، الشهر الماضى، فى مجلس الأمن. ولعلك تتذكر، أيضًا، أن قرار الجمعية العامة، الذى أيدته ١٤٣ دولة، أكد «حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، بما فى ذلك الحق فى إقامة دولة فلسطين المستقلة»، ودعا المجتمع الدولى إلى بذل جهود متجددة ومنسقة تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى والتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة وسلمية للقضية الفلسطينية، والصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولى، و... و... وإلى آخر الكلام الجميل والمعقول، الذى لا يقول جديدًا، ويعرف القاصى والدانى أنه لن يقدم أو يؤخر.

.. أخيرًا، ومع تسليمنا بأن اعتراف الثلاثى الأوروبى ليس أكثر من خطوة رمزية، نرى، كما ترى الدولة المصرية، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، حق أصيل، وأساسى، للشعب الفلسطينى، وخطوة مهمة وضرورية على مسار تنفيذ أحكام القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية المتعارَف عليها، لإرساء حل الدولتين، والحفاظ على حقوق الفلسطينيين المشروعة وغير القابلة للتصرف.