رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبوءة من رحم "زينب"

يوم 27 مايو 1931، من القرن الماضى، تأملت الأم "زينب" المولودة الجديدة، وتساءلت أهذه هى الطفلة الفاتنة، التى حملتها فى حنايا جسمى، وأطعمتها، وسقيتها، من دمى، ومائى، وأعصابى، وأحلامى؟؟. والأب "أحمد"، احتار كيف سيكون مستقبلها، وإضافتها إلى الأسرة.
بعد تسع سنوات فى 1940، جاء شاب  متمرد، مبدع، اسمه "محمد كريم"، تأمل عيون الطفلة، وتتبع لغة جسدها النحيل.

وهاهو يطمئن الجميع، فالطفلة الصغيرة، الفاتنة، المحار فى أمرها، اسمها "فاتن حمامة"، هى منْ تنتظرها السينما المصرية، هى منْ سيرفعها الفن السابع، أو هى التى ستطير بالفن السابع إلى ما بعد سابع سماء. 
وتحققت النبؤة، ومنحتنا "فاتن" أمتع ما تعطى الموهبة، والرؤية المتفردة.  

أعتقد أنها كانت تمثل وهى "جنين" فى أحشاء الأم "زينب"، وأنها قد قضت
التسع أشهر قبل مولدها فى 27 مايو 1931 فى عمل البروفات، وقراءة السيناريوهات، ودراسة أدق التفاصيل.  

 "فاتن"، حتى رحلت يوم 17 يناير 2015، عكس ممثلات متشابهات، فى كل الأشياء، حتى فى افتقاد الموهبة والعمق الفكرى، لم تظهر فى أوضاع معووجة، أو وهى تتمايص، مشغولة بتضبيط الباروكة، وتثبيت الماكياج الفاقع، مفتعلة الضحك لتظهر تبييض الأسنان، وتكبير الأثداء والشفاه، تتدلع وتتشخلع بفلوس رجال أعمال، دفعوا المهر ذهبا وفيلات ومنتجعات وقصورا وعربيات وطائرات، وإنتاج سينما هابطة، ثم على السجادة الحمراء، أو على البلاط، تتمخطر مرتدية العرى، والجواهر، والفساتين، بذيولها الطويلة، التى تكفى تكلفتها لإطعام ملايين المتسولين والمتسولات.

 العرى الوحيد الذى تعرفه "فاتن" هو أن أفلامها تعرى القبح، والزيف، والكذب، وضحالة العقول، وحرمان القلوب، فى حياتنا الخاصة والعامة.

وجواهرها الثمينة، فى عقلها المثقف، الحر، وعزة نفسها، واستقلال شخصيتها، وفساتينها الفاخرة غير المتكررة، هى أفلامها تصممها بنفسها.  

 قالت فاتن على لسان البطلة نوال، لزوجها زكى رستم، أو طاهر باشا، أخطر جملة قالتها زوجة أو امرأة.. قالت له بعد أن اتهمها بالزنا لعلاقتها مع عمر الشريف فى دور خالد، وهى ما زالت زوجته: "الزنا هو عيشتى معاك". 
 تواصلت "فاتن" مع أمى "نوال السعداوى" لتكون بطلة إحدى رواياتها، كل مرة يتعثر التواصل، أو الأمنية التى تمنيتها ولم تتحقق.
 لكن الأمنية التى تمنيتها وتحققت أننى جلست مع "فاتن"، رأيتها عن قرب، وتكلمت معها. كان د. شريف حتاتة، الطبيب والروائى، زوج أمى، وأبى تربطنى به 
أجمل الروابط إلا رابطة الدم، صديقا قديما للدكتور محمد عبدالوهاب، الزوج الثالث والأخير، لـ"فاتن حمامة"، منذ تزاملهما فى كلية الطب قصر العينى.
تقابلنا جميعا فى نادى الجزيرة، فى حديقة الكروكيه. أتأملها، وهى تشرب الشاى، والذكريات، وقورة فى ملبسها، وقورة فى صمتها وكلامها، شياكتها وأناقتها، من فرط بساطتها.
عندما ظهرت موضة الإسلام الوهابى الإخوانى السلفى فى  تحجب الفنانات، واعتزالهن التمثيل، والاستتابة من الفن، لم تسأل "فاتن" أحد المشايخ المتاجرين بالدين، كارهى النساء والفن والاستمتاع بالحياة، المتصدر هذا المشهد، ليمنحها الفتوى، وصك الغفران، "هل أخرج من الفن حتى أدخل الجنة؟". 
 راح الشيخ، وبقيت "فاتن". 
فى ذكرى مولدها الثالث والتسعين، أقدم لها باقات الزهور الفاتنة. بالمناسبة لها فيلم بالاسم نفسه، من تأليف ملكة فهمى سرور، ومن إخراج جمال مدكور، وشاركها البطولة شكرى سرحان، تحية كاريوكا، حسين رياض، محمود المليجى، فردوس محمد، فريد شوقى وغيرهم. سوف أشاهده للمرة الثالثة، فى ذكراها، وأهمس لها، كم كانت حقا لؤلؤة السينما المصرية، وفاتنة الفن السابع. 
من بستان قصائدى 
------------------ 
كيف أقنع الناس 
بأننى شاعرة 
وكل قصيدة أبدأها 
تطير للنوم على شفتيك 
وتتركنى حائرة كيف أنهيها؟؟