رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تجدد التحذير من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء

إن موقف مصر القوى قد أصبح واضحًا أمام العالم كله أنه «لا مساس بشبر من أرض مصر» و«أن أمن مصر القومى خط أحمر»، وأنه «لا للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء» مهما كانت التبعات، بل إن مصر قد جددت منذ أيام قليلة تحذير إسرائيل مرة أخرى من تهجير الفلسطينيين إلى أرض سيناء، وذلك بعد تصعيد إسرائيل العمليات العسكرية فى قطاع غزة واقتحام مدينة رفح.

ومن المعروف والمعلن للعالم أن هذا الموقف القوى لمصر الرافض للتهجير القسرى للفلسطينيين قد أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضوح منذ ٧ أشهر مع اندلاع طوفان الأقصى وتفجر الحرب فى غزة يوم ٧ أكتوبر الماضى، ومنذ ذلك التاريخ دأبت مصر على التحذير من عملية تهجير قسرى للفلسطينيين من قطاع غزة، مؤكدة رفضها القاطع لأى خطط إسرائيلية قديمة مبيتة لتوطين الفلسطينيين فى سيناء.

كما أكد الرئيس السيسى بمنتهى الصرامة والشجاعة أنه لا مساس بسيادة مصر على أراضيها ويقف الشعب المصرى معه رافضًا التوطين القسرى للفلسطينيين إلى أرض سيناء المصرية، التى يجرى الآن تعميرها وتنميتها بخطى متسارعة، وكانت القاهرة خلال الأيام الماضية قد ردت على اتهام زائف لمصر فى تل أبيب، حيث اتهم وزير خارجية إسرائيل الجانب المصرى بإغلاق معبر رفح، ما يعنى عرقلة إدخال المساعدات للفلسطينيين، بينما الحقيقة على العكس من هذا تمامًا، حيث أكد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى أن سيطرة تل أبيب على معبر رفح فى ٧ أكتوبر الماضى هى التى أوقفت المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية والعمل الإغاثى لسكان غزة.

كما أعلنت مصر بوضوح للعالم، عن رفضها تصفية القضية الفلسطينية ورفضها القاطع منذ أيام قليلة التوغل البرى للقوات الإسرائيلية فى مدينة رفح أو اجتياح المدينة المكتظة بالنازحين، والتى كانت تؤوى سابقًا أكثر من مليون ونصف المليون فلسطينى، حيث إنه لم يكن هناك مكان آمن أمامهم يلجأون إليه، واحتجت القاهرة بقوة خلال الفترة الماضية على غزو رفح بتأكيد واضح بأن لها تبعات، حيث إن هذه العملية تعرض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل للخطر، وفى نفس الوقت لوح بعض المسئولين المصريين بخفض العلاقات الدبلوماسية وسحب السفير المصرى من تل أبيب وتعليق العمل باتفاقية كامب ديفيد للسلام فى حالة تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلى عملية عسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية المحاذية للحدود المصرية.

كما انضم الأردن أيضًا مع مصر وجنوب إفريقيا فى الدعوى المقدمة أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل باتهامات وأدلة بارتكاب جرائم حرب مروعة فى قطاع غزة ضد الشعب الفلسطينى، وهو موقف يجعل من الدور المصرى دورًا محوريًا فى الاتهامات الموجهة ضد إسرائيل فى جرائم الحرب المنكرة التى ترتكبها يوميًا ضد الفلسطينيين الأبرياء، خاصة أن أكثر من ٧٣ فى المائة منهم من النساء والأطفال.

وهى خطوة داعمة مكملة لموقف مصر الداعم والمستمر والجهود الحثيثة والمضنية التى يبذلها الرئيس السيسى لرفض تصفية القضية الفلسطينية وإعطاء الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى أرضه، ومطالبته بالعودة إلى طريق المفاوضات بين فلسطين وإسرائيل أملًا فى عودتهم إلى أرضهم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لقطاع غزة وإعادة بنائها، ووقف القتال وإنهاء الممارسات الوحشية التى ترتكبها إسرائيل ضد الأبرياء من أهل فلسطين، وتواصل مصر مطالبتها بحل عادل للقضية الفلسطينية، ووصف نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعى خطوة مصر بالانضمام إلى جنوب إفريقيا فى دعواها أمام محكمة العدل الدولية بأنها حركة مهمة من شأنها دعم القضية الفلسطينية.

ومن المؤكد أن مذكرة مصر بشأن ممارسات إسرائيل المخالفة للشرعية الدولية تتضمن ما يؤكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى لأكثر من ٧٥ عامًا بالمخالفة لمبادئ القانون الدولى الإنسانى، وعدم شرعية سياسات ضم الأراضى وهدم المنازل وطرد وترحيل وتهجير الفلسطينيين ورفض سياسات الاضطهاد والتمييز العنصرى وغيرها من الممارسات، وتطالب المذكرة محكمة العدل الدولية بتأكيد مسئولية إسرائيل عن جميع تلك الأفعال غير المشروعة دوليًا، كما تطالب دول العالم والمجتمع الدولى بالكف عن توفير الدعم لإسرائيل.

تعليقات نشطاء منصات التواصل الاجتماعى وإشادات جمهوره بالخطوة المصرية فى تغريدات وتعليقات نقلت بعضها برامج لها مشاهدة عالية، ولا شك أن الخطوة المصرية تطور مهم فى دعم القضية الفلسطينية، كما أن إقدام أكثر من ٥٠ دولة على تقديم مرافعات حول عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية يعكس التزام العديد من البلدان بدعم حقوق الشعب الفلسطينى وتحقيق العدالة الدولية، إلا أنه وللأسف فإن هذه المحكمة ليست لها أى سلطة تنفيذية على أرض الواقع.

ومن الضرورى أن تتشكل لها آليات لتنفيذ الأحكام التى تصدرها، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طلبت فى ديسمبر ٢٠٢٢ من محكمة العدل الدولية إصدار فتوى أو استشارة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ عام ١٩٦٧.

وفى حال أصدرت محكمة العدل الدولية فتواها القانونية فستكون هذه أول مرة من ٢٠ عامًا، إذ أصدرت المحكمة فتوى بحق الجدار العازل عام ٢٠٠٤ وقضت بأنه مخالف للقانون الدولى وطالبت القاهرة بتفكيكه، نقلت وسائل إعلام عربية عن مسئولين مصريين- لم تسمهم- تهديدات بتعليق العمل باتفاقية «كامب ديفيد» للسلام حال تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلى عملية عسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية المحاذية للحدود المصرية، وهى المرة الأولى التى يتم فيها التهديد بتعليق الاتفاقية الموقعة منذ عام ١٩٧٨. يأتى ذلك فيما أقرت سلطات الاحتلال خطة عسكرية لاقتحام المدينة بهدف القضاء على ٤ كتائب تابعة لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» تتخذ من رفح مقرًا لها وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.

وأكدت المواقف المصرية الرسمية السابقة على تحمل إسرائيل مسئولية أوضاع ومصائر الفلسطينيين فى غزة، وأعربت عن قلقها أيضًا من تدفق مئات الآلاف من المدنيين الفارين من الاعتداءات على رفح، ما يهدد بشن أحد الكتاب هجومًا على مصر بسبب انضمامها لدعوى جنوب إفريقيا فى محكمة العدل الدولية التى تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية فى قطاع غزة وتراوحت الاهتمامات ما بين تأكيد وزير الدفاع يوآف جالانت بأن إسرائيل لن تتمكن من حكم غزة عسكريًا ومطالبته بأن تسلم للسلطة الفلسطينية برعاية عربية.

وأيضًا بين معارض يؤكد حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ضرورة القضاء على منظمة حماس أولًا ورفض ما سماه حكم «حماسستان» فى إشارة إلى حركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح» وهاجم الكاتب نتنياهو بشدة، وقال إنه يستمر فى تسويق الهراءات والأوهام للجمهور والوعد بتحقيق النصر المطلق والادعاء بأننا نوجد وبحق على بعد خطوة منه، والآن تتم إضافة إلى ذلك المبالغة فى أهمية دخول رفح، وفى المقابل وصف الكاتب الشهير والمحلل العسكرى فى هآرتس عاموس هرئيل، نقاشات اليوم التالى بأنها «تجرى بشكل كبير حول جلد الدب الذى لم يتم اصطياده بعد»، عمليًا السلطة الفلسطينية ليست متأهبة تمامًا لطلب إسرائيل منها تحمل قيادة القطاع.

والآن لا تزال مصر تجدد التحذير من خطط إسرائيلية للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى أرض سيناء المصرية، ومن الواضح أن الصلف الإسرائيلى لا يزال مستمرًا فى محاوله تحقيق خططها الشيطانية لتصفية القضية الفلسطينية، إلا أننى أرى أن الموقف المصرى شامخ وقوى ولن يتزحزح تدعمه قيادة وطنية شجاعة وشريفة تحرص على كرامة مصر وأهلها، ويدعمه شعب يرفض المساس بأرضه ويتمسك بحق الشعب الفلسطينى العادل فى العودة إلى أرضه، وأنه لا حل سوى حل الدولتين، دوله فلسطينية حرة يحكمها فلسطينيون ودولة إسرائيلية، ويدعم الموقف المصرى الرافض للتهجير القسرى للفلسطينيين جيش قوى من أبطال من خير أجناد الأرض يحمى ويدافع عن أرض مصر وشعب مصر.

وفى رأيى أن إسرائيل رغم كل جرائمها الوحشية والدعم الكامل من أمريكا لها فإنها قد فشلت فشلًا ذريعًا فى تحقيق أى انتصار، وبينما تقف مصر صامدة تحمى سيادة مصر على أرضها، وبينما يتصاعد الغضب الدولى الآن بشكل واسع النطاق وبين فئات الشباب فى الجامعات، حيث أصبحت المظاهرات الملايينية فى مدن العالم الكبرى تشبه زئير الأسود فى غضبها وعلو صوتها ورفضها ممارسات إسرائيل وقادتها النازيين الجدد، فإنه مما لا شك فيه أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد هزيمة قادمة لقادة إسرائيل وتبعات لم تكن فى حسبانهم مع تصاعد الغضب المصرى وتجدد تحذير مصر الغاضب والواضح لإسرائيل برفض تام للتهجير القسرى للفلسطينيين إلى أرض سيناء المصرية.