رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سرى جدًا.. كيف تتحرك الدولة المصرية فى ملف غزة؟

سرى جدًا
سرى جدًا

إذا كان نتنياهو وحكومته لا يريدان إلا زيادة معاناة الفلسطينيين، وإذا كان تركيز حركة حماس ينصب على ضمان بقائها فى الحكم فى اليوم التالى للحرب، فإن الاهتمام الرئيسى لمصر، وشركائها فى الإقليم وفى العالم، منصب على إنهاء المعاناة الفلسطينية وتوحيد الفلسطينيين تحت قيادة واحدة، وإنهاء هذه الحرب والبدء فورًا فى إعادة إعمار هذا القطاع، وتوظيف كل المواقف الدولية الراهنة للعودة لمسار التفاوض حول حل الدولتين؛ حتى لا تذهب دماء الفلسطينيين هباء فى سبيل مجد حركات وقيادات لا تعبأ بتدمير حياة أكثر من ٢ مليون فلسطينى.

من هذه العقيدة، التى لا تعرف أى حسابات سوى حسابات الأخوة، فإن مصر تتحرك، على كل الأصعدة والاتجاهات، من أجل حقن الدماء والوصول إلى سلام عادل وشامل، بينما كل من إسرائيل و«حماس» لا تمتلكان إرادة الحل وإنهاء الأزمة، وكل منهما تضع أمامها هدفًا واحدًا يسمى المصالح الخاصة والحزبية الضيقة على حساب مصالح وطموحات وآمال الشعوب التى تدفع وحدها الثمن.

«الدستور» تكشف فى هذا الملف عن أسرار وكواليس جديدة حول الإدارة المصرية لهذا الملف الصعب فى ظل حرب غير مسبوقة يشهدها قطاع غزة، ومواقف متعنتة لطرفى الصراع.

منذ أن نجحت الجهود المصرية بالتعاون مع الشركاء قطر والولايات المتحدة فى التوصل إلى اتفاق فى ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣- تم بمقتضاه وقف إطلاق النار لعدة أيام جرى خلالها وقف جميع الأعمال العسكرية للجيش الإسرائيلى فى جميع مناطق غزة مقابل إبرام صفقة تبادل المحتجزين والأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، وإدخال مئات الشاحنات الخاصة بالمساعدات إلى كل مناطق القطاع- تواصلت الجهود المصرية بعدها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين، وذلك فى عدة مراحل.

وقد مر هذا المسار بعدد من المحطات، ارتكز جميعها بشكل أساسى على المبادرة التى قدمتها مصر لوقف العمليات القتالية فى قطاع غزة، والتى قدمت حلولًا تدريجية ومرحلية قابلة للتطبيق حول القضايا الأساسية، وهى وقف القتال وإعادة الرهائن والمساعدات الإغاثية وإعادة الإعمار تمهيدًا لبدء المسار السياسى.

ديسمبر 2023

فى الأسبوع الأخير من ديسمبر ٢٠٢٣، قدمت مصر مبادرة لوقف العمليات القتالية فى قطاع غزة تضمنت حلولًا قابلة للتطبيق حول القضايا الأساسية، وهى وقف القتال وإعادة الرهائن والمساعدات الإغاثية وإعادة الإعمار ووجود حكومة «تكنوقراط» فلسطينية تدير قطاع غزة فى مرحلة انتقالية، واحتوت هذه الخطة على عدة مراحل:

تضمنت المرحلة الأولى بدء هدنة إنسانية لمدة أسبوعين قابلة للتمديد لأسبوعين أو ثلاثة، تطلق خلالها حركة حماس سراح ٤٠ من الرهائن الإسرائيليين من فئتى النساء والأطفال، والذكور من كبار السن خصوصًا المرضى. 

فى المقابل، تطلق إسرائيل سراح ١٣٠ مسجونًا فلسطينيًا من نفس الفئتين، ويتم خلالها وقف الأعمال القتالية وتراجع الدبابات، وتدفق المساعدات الغذائية والطبية، والوقود وغاز الطهى لقطاع غزة.

أشارت الخطة إلى وقف كلى وشامل لإطلاق النار، وصفقة شاملة لتبادل الأسرى تشمل جميع العسكريين الإسرائيليين لدى حركتى حماس والجهاد، وفصائل أخرى، على أن يتم الاتفاق على عدد السجناء الفلسطينيين الذين ستطلق سراحهم إسرائيل بما يشمل ذوى المحكوميات العالية، والذين اعتقلتهم إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. 

احتوت هذه الخطة على بنود أخرى تشمل إقامة حوار وطنى فلسطينى برعاية مصرية بهدف إنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية، وملف إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لانتخابات عامة ورئاسية فلسطينية. 

تضمنت المرحلة الأخيرة انسحابًا إسرائيليًا من مدن قطاع غزة، وتمكين النازحين للعودة إلى مناطقهم فى غزة وشمال القطاع.

وبناءً على مبادرة مصر فى ديسمبر، أدارت القاهرة نقاشات مستفيضة مع طرفى الصراع حول هذه الخطة أواخر ديسمبر ٢٠٢٣، حين استضافت لمدة أربعة أيام وفدًا من حركة حماس، برئاسة رئيس المكتب السياسى للحركة إسماعيل هنية. لكن تعرضت جهود الوساطة للتجميد بفعل عملية اغتيال الرجل الثانى فى حركة حماس، صالح العارورى، أوائل يناير الماضى، إلا أن مصر استضافت فى نفس الشهر وفدًا أمنيًا إسرائيليًا، واستمرت بعد ذلك المحاولات لإحياء المفاوضات عبر استضافة وفد إسرائيلى بقيادة مدير جهاز الموساد فى منتصف فبراير الماضى، واستقبال وفد من حركة حماس فى نفس الشهر، يترأسه إسماعيل هنية.

ولم تسفر هذه النقاشات عن اختراقات مهمة فى مواقف كلا الطرفين، حيث تمترس كل منهما أمام مطالبه الأساسية، فحركة حماس- التى رأت أن الاتفاق يجب أن يكون اتفاق هدنة دائمة- أصرت بشكل واضح على ضمان انسحاب إسرائيلى كامل من قطاع غزة، وتوفير ضمانات بعدم استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية فى القطاع، فى حين أصرت إسرائيل- التى تنظر لهذا الاتفاق من منظور أنه هدنة مؤقتة- على الإفراج بشكل كامل عن رهائنها فى القطاع، دون أى التزام واضح فيما يتعلق بوقف العمليات العسكرية المستقبلية. 

والملاحظ أن كل هذه الجهود كانت تنصب بشكل أساسى على التوصل إلى اتفاق لوقف مؤقت لإطلاق النار فقط، وهو ما تغير فى المرحلة اللاحقة، وكان هدف المفاوض المصرى فى تحقيق اختراق بهذه الهدنة المؤقتة يمكن البناء عليها لاحقًا بمساعدة الوسطاء الآخرين لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، خاصة أن جرائم إسرائيل فى غزة كانت قد اشتدت، وهو ما أثار غضب العالم حكومات وشعوبًا، وعليه كانت القاهرة تبحث عن هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس من الجميع يمكن البناء عليها.

كما أن التحركات المصرية كانت تهدف لتعطيل الخطط الإسرائيلية الرامية لاجتياح مدينة رفح الفلسطينية، آخر مدينة فلسطينية لم تدمرها إسرائيل، والتى كانت تؤوى أكثر من مليون و٣٠٠ ألف فلسطينى نازح، نزحوا من شمال القطاع ومن المنطقة الوسطى هربًا من الموت والدمار الذى تسببت فيه إسرائيل.

ما قبل اجتياح رفح

فى شهر مارس الماضى، بدا أن جهود الوساطة المصرية قد نجحت فى الوصول إلى تغيير وجهة النظر الإسرائيلية، وهذا عبر عنه مسئول كبير بالإدارة الأمريكية، الذى أدلى بتصريح صحفى قال فيه: «الاتفاق الذى ينص على وقف لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع فى غزة، أصبح قائمًا بموافقة إسرائيل»، لافتًا إلى أن المضى فيه يعتمد على «موافقة حماس على إطلاق سراح الرهائن»، وأشار إلى أن كل الأطراف اتفقت على مدة الهدنة فى غزة وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، لكن لم يتم التوصل لتوافق حول انسحاب القوات الإسرائيلية من شمال غزة وعودة سكانه، وبالتالى ظل الوضع على حاله دون تغيير.

فى ٢٣ أبريل الماضى، استشعرت مصر قرب الاستعدادات الإسرائيلية لاجتياح رفح، فأرسلت وفدًا أمنيًا إلى تل أبيب، حاملًا مقترحًا جديدًا، يضم ثلاث مراحل، تتضمن المرحلة الأولى وقف كل الاستعدادات للقيام بعملية عسكرية فى رفح. وتتضمن المرحلة الثانية إطلاق سراح كل الرهائن الإسرائيليين فى قطاع غزة على مدار عشرة أسابيع فى مقابل إطلاق إسرائيل سراح المئات من السجناء الفلسطينيين. أما المرحلة الثالثة فتتضمن وقف إطلاق النار لمدة عام ويكون ذلك أساسًا لبدء محادثات سياسية لإقامة دولة فلسطينية. كما استطاعت القاهرة لأول مرة فى هذه المبادرة أو المقترح أن تفرض لأول مرة موافقة إسرائيل على الاستعداد للمناقشة والتباحث حول الهدوء المستدام فى قطاع غزة، وهو موقف كانت ترفضه تل أبيب سابقًا.

أعقبت ذلك زيارة أجراها رئيس أركان الجيش الإسرائيلى «هرتسى هليفى» ورئيس «الشاباك» «رونين بار» إلى القاهرة فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ لبحث وضع المفاوضات، وتلا ذلك اتجاه وفد أمنى مصرى إلى تل أبيب لمواصلة المحادثات حول المفاوضات التى تستهدف وقف إطلاق النار فى غزة وتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، حيث تقدمت القاهرة بمقترحها الذى تضمن عدم وجود الجيش الإسرائيلى فى المنطقة التى تفصل شمالى قطاع غزة عن جنوبه.

أبدت إسرائيل مرونة بشأن سحب قواتها من ممر نتساريم الذى يفصل بين شمالى وجنوبى قطاع غزة، ثم الإفراج عن جميع الرهائن والأسرى والمحتجزين الإسرائيليين بفارق ١٠ أسابيع ما بين المدنيين والعسكريين، والإفراج عن الجثث وأخيرًا وقف إطلاق نار لمدة عام كامل، على أن يتم خلال هذا العام، الدفع بخطوات عملية لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما ردت عليه تل أبيب بإعطاء الضوء الأخضر لما عرضه الوفد المصرى، على الرغم من الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية وتلويح وزراء يمينيين متطرفين بتفكيك حكومة نتنياهو، حيث أجمع مجلس الحرب الإسرائيلى على المقترح المصرى مع استمرار رغبة رئيس الوزراء فى المضى قدمًا فى سيناريو الحرب قلقًا على مستقبله السياسى. 

استضافت مصر لاحقًا، أوائل مايو الماضى، وفدًا فلسطينيًا للتباحث حول نتائج هذه الزيارة، ولم تسفر أيضًا هذه الجهود عن نتائج نوعية، وكان الخلاف الأهم- بالإضافة إلى التباين الرئيسى حول الفرق بين مصطلح الوقف الدائم لإطلاق النار ومصطلح الهدوء المستدام، والضمانات لهذا الأمر- حول عدد الرهائن الذين سيتم إطلاقهم خلال هدنة الـ٦ أسابيع، حيث قالت حركة حماس إنه توجد فقط ٢٠ رهينة تنطبق عليهم المعايير الإنسانية الخاصة بالمفرج عنهم ضمن هذا المقترح، فى حين ترى إسرائيل أن العدد الذى ينطبق عليه هذه الشروط هو ٣٣ رهينة. 

استضافت مصر أوائل شهر مايو الماضى وفدًا إسرائيليًا ووفدًا آخر من حركة حماس، لمحاولة التوصل لاختراق بشأن الهدنة، وقدمت القاهرة ورقة مقترحة جديدة لاتفاق هدنة، يتكون من ثلاث مراحل، مدة كل واحدة ٤٢ يومًا، واطلع عليها الطرف الأمريكى ممثلًا فى مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز الذى كان جزءًا رئيسيًا فى المفاوضات ومطلعًا على التحركات المصرية الحثيثة مع كلا الطرفين لتقليل الفجوات للوصول لاتفاق.

المرحلة الأولى «42 يومًا»

الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة بين الطرفين وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا وبعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود فى جميع مناطق قطاع غزة، بما فى ذلك وادى غزة «محور نتساريم ودوار الكويت- كالمبين أدناه».

 وقف الطيران العسكرى والاستطلاع فى قطاع غزة لمدة ١٠ ساعات فى اليوم، ولمدة ١٢ ساعة فى أيام إطلاق سراح المحتجزين والأسرى.

فى اليوم الثالث «بعد إطلاق سراح ٣ من المحتجزين» تنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل عن شارع الرشيد شرقًا حتى شارع صلاح الدين، وتفكك المواقع والمنشآت العسكرية فى هذه المنطقة بالكامل، والبدء بعودة النازحين إلى مناطق سكناهم «دون حمل سلاح أثناء عودتهم»، وحرية حركة السكان فى جميع مناطق القطاع، ودخول المساعدات الإنسانية من شارع الرشيد من اليوم الأول ودون معوقات.

فى اليوم الـ٢٢ «بعد إطلاق سراح نصف المحتجزين المدنيين الأحياء بمن فيهم المجندات» تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع خاصة محور الشهداء نتساريم، ومحور دوار «الكويت» شرق طريق صلاح الدين إلى منطقة قريبة بمحاذاة الحدود، وتفكك المواقع والمنشآت العسكرية بالكامل، واستمرار عودة النازحين إلى أماكن سكناهم شمال القطاع، وحرية حركة السكان فى جميع مناطق القطاع.

البدء من اليوم الأول بإدخال كميات مكثفة وكافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود «٦٠٠ شاحنة يوميًا» على أن تشمل ٥٠ شاحنة وقود منها ٣٠٠ للشمال بما فى ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء والتجارة والمعدات اللازمة لإزالة الركام، وإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز فى كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك فى جميع مراحل الاتفاق.

المرحلة الثانية «42» يومًا

الإعلان عن عودة الهدوء المستدام «وقف العمليات العسكرية والعدائية» وبدء سريانه قبل البدء بتبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين- جميع من تبقى من الرجال الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة «المدنيين والجنود»- مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى فى السجون الإسرائيلية ومن المعتقلين فى معسكرات الاعتقال الإسرائيلية، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل خارج قطاع غزة.

خلال المرحلة الأولى، تطلق حماس سراح ٣٣ من المحتجزين الإسرائيليين «أحياء أو جثامين» من نساء «مدنيات ومجندات» وأطفال دون سن ١٩ من غير الجنود وكبار السن «فوق سن ٥٠» والمرضى بمقابل أعداد من الأسرى فى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وذلك وفقًا للتالى: تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من النساء المدنيات والأطفال «دون سن ١٩ من غير الجنود»، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح ٣٠ من الأطفال والنساء مقابل كل محتجز أو محتجزة إسرائيلية يتم إطلاق سراحهم، بناءً على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالًا. تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء كبار السن فوق سن ٥٠ عامًا والمرضى والجرحى المدنيين، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح ٣٠ أسيرًا من كبار السن «فوق ٥٠ عامًا» والمرضى مقابل كل محتجز أو محتجزة إسرائيلية، بناءً على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالًا. تطلق حماس سراح جميع المجندات الإسرائيليات اللاتى على قيد الحياة، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح ٥٠ أسيرًا من سجونها مقابل كل مجندة إسرائيلية يتم إطلاق سراحها «٣٠» مؤبدًا، و«٢٠» أحكامًا، بناءً على قوائم تقدمها حماس. تطلق حماس ٣ من المحتجزين الإسرائيليين فى اليوم الثالث للاتفاق، وبعد ذلك تطلق حماس سراح ٣ محتجزين آخرين كل سبعة أيام بدءًا بالنساء ما أمكن «المدنيات والمجندات»، وفى الأسبوع السادس تطلق حماس سراح جميع من تبقى من المحتجزين المدنيين الذين تشملهم هذه المرحلة، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح العدد المتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، وفق القوائم التى ستقدمها حماس. بحلول اليوم السابع «ما أمكن ذلك» ستقوم حماس بتقديم معلومات عن أعداد المحتجزين الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم فى هذه المرحلة. وفى اليوم الـ٢٢، يطلق الجانب الإسرائيلى سراح جميع أسرى صفقة شاليط الذين أُعيد اعتقالهم.

فى حال لم يصل عدد المحتجزين الإسرائيليين الأحياء المنوى الإفراج عنهم إلى العدد ٣٣ يستكمل العدد من الجثامين من نفس الفئات لهذه المرحلة، بالمقابل، تطلق إسرائيل سراح جميع من تم اعتقالهم من قطاع غزة بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ من النساء والأطفال دون سن ١٩ سنة، على أن يتم ذلك فى الأسبوع الخامس من هذه المرحلة.

ترتبط عملية التبادل بمدى الالتزام ببنود الاتفاق بما فيها إيقاف العمليات العسكرية المتبادلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة النازحين ودخول المساعدات الإنسانية.

رفع الإجراءات والعقوبات التى تم اتخاذها بحق الأسرى والمعتقلين فى سجون ومعسكرات الاعتقال الإسرائيلية بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وتحسين أوضاعهم، بمن فى ذلك من تم اعتقالهم بعد هذا التاريخ. 

بما لا يتجاوز اليوم الـ١٦ من المرحلة الأولى، يتم البدء بمباحثات غير مباشرة بين الطرفين بشأن الاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية من هذا الاتفاق فيما يتعلق بمفاتيح تبادل الأسرى والمحتجزين من الطرفين «الجنود وما بقى من الرجال»، على أن يتم الانتهاء والاتفاق عليها قبل نهاية الأسبوع الخامس من هذه المرحلة.

قيام الأمم المتحدة ووكالاتها، بما فيها أونروا والمنظمات الدولية الأخرى، بأعمالها فى تقديم الخدمات الإنسانية فى كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك فى جميع مراحل الاتفاقية.

البدء بإعادة تأهيل البنية التحتية: الكهرباء والماء والصرف الصحى والاتصالات والطرق فى جميع مناطق قطاع غزة، وإدخال المعدات اللازمة للدفاع المدنى، وإزالة الركام والأنقاض، واستمرار ذلك فى جميع مراحل الاتفاقية.

تسهيل إدخال المستلزمات والمتطلبات اللازمة لاستيعاب وإيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم خلال الحرب ما لا يقل عن ٦٠ ألف مسكن مؤقت- كرفان و٢٠٠ ألف خيمة.

بدءًا من اليوم الأول من هذه المرحلة يسمح لعدد متفق عليه لا يقل عن «٥٠» من العناصر العسكرية الجرحى بالسفر عن طريق معبر رفح لتلقى العلاج الطبى، وزيادة أعداد المسافرين والمرضى والجرحى من خلال معبر رفح، ورفع القيود عن المسافرين وعودة حركة البضائع والتجارة دون قيود.

البدء فى الترتيبات والخطط اللازمة لعملية إعادة الإعمار الشامل للبيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية المدنية التى دُمّرت بسبب الحرب، وتعويض المتضررين بإشراف عدد من الدول والمنظمات من ضمنها مصر وقطر والأمم المتحدة. 

جميع الإجراءات فى هذه المرحلة، بما يشمل الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة والإغاثة والإيواء وانسحاب القوات.. إلخ، يستمر فى المرحلة الثانية لحين إعلان الهدوء المستدام «وقف العمليات العسكرية والعدائية».

 المرحلة الثالثة «42» يومًا

تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول لهم والتعرف عليهم. 

البدء فى تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة من ٣ إلى ٥ سنوات، بما يشمل البيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية وتعويض المتضررين كافة بإشراف عدد من الدول والمنظمات، منها مصر وقطر والأمم المتحدة.

إنهاء الحصار الكامل على قطاع غزة.

مبادرة بايدن

أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن فى ٣١ مايو ٢٠٢٤ عن مبادرة لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة وإنهاء الحرب، وجاءت متوافقة فى مجملها مع المبادرة التى سبق وأن أعلنتها مصر فى ٥ مايو ٢٠٢٤، وقد حصلت هذه المبادرة على موافقة مجلس الأمن فى ١١ يونيو بناءً على مشروع قرار طرحته الولايات المتحدة، وصدر برقم ٢٧٣٥، الذى تضمن المراحل الثلاث للمبادرة التى أعلنها الرئيس الأمريكى، وذلك على النحو التالى: 

المرحلة الأولى

وقف فورى تام وكامل لإطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن بمن فيهم النساء والمسنون والجرحى، وإعادة رفات بعض الرهائن الذين قتلوا، وتبادل الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان فى غزة، وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى ديارهم وأحيائهم فى جميع مناطق غزة بما فى ذلك الشمال، فضلًا عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع فى جميع أنحاء القطاع على جميع من يحتاجها من المدنيين الفلسطينيين، بما فى ذلك وحدات الإسكان المقدمة من المجتمع الدولى.

المرحلة الثانية

باتفاق من الطرفين، وقف دائم للأعمال العدائية مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الآخرين الذين يظلون فى غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع.

المرحلة الثالثة

الشروع فى خطة كبرى متعددة السنوات لإعادة إعمار غزة، وإعادة ما يبقى فى القطاع من رفات أى رهائن متوفين إلى أسرهم. وقد شدد مجلس الأمن فى قراره الجديد على أن الاقتراح ينص على أن المفاوضات إذا استغرقت أكثر من ٦ أسابيع للمرحلة الأولى، فإن وقف إطلاق النار سيظل مستمرًا طالما استمرت المفاوضات، ويرحب باستعداد قطر ومصر والولايات المتحدة للعمل على ضمان استمرار المفاوضات إلى أن يتم التوصل إلى جميع الاتفاقات ويكون ممكنًا بدء المرحلة الثانية.

وعلى الرغم من تأكيد المسئولين الأمريكيين، وفى مقدمتهم وزير الخارجية أنتونى بلينكن، أن إسرائيل توافق على هذه الخطة، فإن أيًا من المسئولين الإسرائيليين لم يصرح بذلك بل على العكس أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يوم ١ يونيو ٢٠٢٤ عن أنهم لن يوقعوا على أى اتفاق يشمل وقف إطلاق النار، ووصفوا هذه الخطة بأنها غير مكتملة، والادعاء بأن إسرائيل ستوافق على إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها هو كذب.

ثبات الموقف المصرى

كان الموقف المصرى ولا يزال ثابتًا منذ اللحظة الأولى لاندلاع العمليات العسكرية فى قطاع غزة، وركز على ضرورة خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق يتم بمقتضاه وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين والأسرى بما يحقن دماء المواطنين الفلسطينيين المدنيين فى القطاع.

واستند الدور المصرى فى جوهره على منطلقات تتعلق بالخبرة السياسية فى المفاوضات منذ سنوات طويلة، وإلى معرفة عميقة وصلات وطيدة بالأطراف المعنية، استطاعت القاهرة الحفاظ عليها بالرغم من العديد من المتغيرات الجيوسياسية التى مرت بها منطقة الشرق الأوسط على مدار العقود الماضية. 

كما تمتلك مصر قنوات خاصة لا تتوافر لغيرها، وفرت القاهرة من خلالها مخرجًا للأطراف من مأزق الحرب بدون أفق، من منطلق أساسى وهو الحفاظ على مصالح الشعب الفلسطينى، وضمان رفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية وأى من المخططات الأخرى.

وقد تبنت مصر خطابًا واحدًا لم تحد عنه منذ بداية الحرب، وهو وقف الحرب وإدخال المساعدات والعمل على تطبيق حل الدولتين كحل نهائى، مع مراعاة الأمن القومى والمصلحة الوطنية لمصر كحجر زاوية فى جميع التحركات.

وارتكزت فاعلية الدور المصرى فى مسار التهدئة من كون القاهرة شريكًا دوليًا موثوقًا به من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين، وكذلك من الأطراف الإقليمية ذات الصلة بالحرب فى غزة، حيث مثلت عودة العلاقات بين القاهرة والدوحة تسهيلًا لعملية التفاوض التى كانت قطر والولايات المتحدة جزءًا منها، ومن ثم منحت هذه المقدمات القاهرة مرونة فى حراكها الدبلوماسى وفضاءً أوسع للتقدم بمقترحات ذات قبول عند حركة حماس وإسرائيل، كما تمثل القاهرة الرقم الأهم فى ترتيبات ما بعد الحرب فى غزة، انطلاقًا من عدد من النقاط، أبرزها الحدود الجغرافية المشتركة بينها وبين قطاع غزة، وأن الأمر كله يندرج تحت بند الأمن القومى المصرى.

انفرادية «حماس»

غلب على تعامل حركة حماس منذ عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلى على قطاع غزة النزعة الانفرادية فى التعاطى مع تطورات المشهد، انطلاقًا من كونها هى التى قامت بتنفيذ عملية طوفان الأقصى، متجاهلة بذلك بقية النسيج الوطنى الفلسطينى، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الحركة رغم أهميتها، فإنها ليست كل المكون الفلسطينى، وإنما هى أحد مكوناته، وهى المكونات التى يتعين عليها أن تعمل معها فى مسار تكاملى شامل لصون حقوق الشعب الفلسطينى وتطلعه إلى تحقيق حلم دولته المستقلة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.

وبدت هذه النزعة الانفرادية فى رفض حركة حماس التعاون بأى صورة مع السلطة الفلسطينية، فضلًا عن الاهتمام بصورة أكبر على موقعها فيما بعد الحرب وتمركزها وحكمها قطاع غزة على حساب أى ترتيبات من شأنها ترتيب البيت الفلسطينى واستغلال اللحظة الراهنة فى تحقيق المصالحة وبناء الدولة.

من هنا تعاطت حماس قبل وبعد هجوم ٧ أكتوبر مع المشهد الفلسطينى كما لو كانت هى الممثل الوحيد للشعب الفلسطينى، وتجاهلت الثوابت التى يؤمن بها غالبية الفلسطينيين فى الداخل وفى الشتات من أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح تحديدًا هى من قادت عملية النضال خلال عقود، سواء النضال المسلح أو السياسى وحققت على أرض الواقع مكتسبات عديدة للفلسطينيين عبر اتفاقية أوسلو، كان من نتائجها للمفارقة أن أوسلو التى رفضتها حماس كانت هى الجسر الذى شاركت من خلاله فى الانتخابات حتى استولت على السلطة. 

وانضوت «حماس» فى معظم تحركاتها تحت ستار ما يسمى «محور المقاومة» فى الإقليم، الذى ترعاه وتدعمه إيران، والذى مهما كانت شعاراتهم براقه فى مواجهة المخططات الإسرائيلية، إلا أن التجربة أثبتت للجميع أن هذا المحور يخصم من رصيد قوة الدولة الوطنية ولا يخدم سوى أهداف طهران التى طوعته لخدمة أهدافها التوسعية فى الإقليم وفى صراعها مع القوى الكبرى لتحصد مزيدًا من المكاسب.

حرب بقاء

خرجت الحرب الجارية على قطاع غزة منذ ما بعد عملية طوفان الأقصى عن إطار كونها جولة تصعيد مماثلة أو مشابهة لجولات التصعيد الماضية التى اشتبكت فيها إسرائيل مع فصائل المقاومة الفلسطينية إلى كونها أصبحت حرب بقاء لكلا الطرفين المتحاربين، ولا تعبر بأى صورة عن كلا الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى، وإنما تعبر عن براجماتية النظامين الحاكمين، سواء الحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل أو حركة حماس التى تتولى حكم قطاع غزة منذ منتصف عام ٢٠٠٧.

من جانبه، يرى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن هذه الحرب ومصيرها هما اللذين سيشكلان ما بقى من مستقبل سياسى له، وأن تعرضه للهزيمة فيها أو انتهاءها دون تحقيقه صورة انتصار واضحة سيعنى انتهاء مستقبله السياسى تمامًا، وهو أمر لا يسمح به خاصة أنه سيواجه العديد من الاتهامات المتعلقة بالفشل الخاص بعملية طوفان الأقصى علاوة على اتهامات الفساد التى يواجهها منذ ما قبل الحرب بسنوات، وقد ينتهى به الأمر إلى السجن. 

من ناحية حماس، فإن الحركة باتت ترى فى هذه الحرب الوسيلة الوحيدة للبقاء وتحقيق المكتسبات، لذلك لا يمكن لها السماح بأن تحقق إسرائيل نصرًا مدويًا عليها، ولا يمكن القبول باتفاق لا يضمن لها مكتسباتها، ودون اعتبار لمعاناة الشعب الفلسطينى وخسائره البشرية والمادية منذ بدء العدوان، وجميع تصريحات قادتها لا تشير سوى إلى إصرارهم أن يكونوا جزءًا رئيسيًا فى اليوم التالى وعدم التخلى عن حكم غزة حتى لو كان ثمن ذلك مزيدًا من الدماء الفلسطينية فى ظل حكومة إسرائيلية يمينية لا تعبأ بأى قوانين دولية وأكد قادتها أنهم لن يتراجعوا عن هدفهم بوقف الحرب إلا بعد القضاء على حكم حماس وقدراتها العسكرية. 

كما هناك حالة إنكار من كلا الطرفين «حكومة نتنياهو وحماس» من صعوبة المعطيات على الأرض، وأن هذه الحرب من الصعب أن يخرج منها منتصر واحد وآخر مهزوم، فالجميع بلا استثناء سيكون خاسرًا، سواء الشعب الفلسطينى أو الشعب الإسرائيلى وحتى شعوب المنطقة التى كانت ولا تزال تأمل أن تنجح كل الجهود لتحقيق السلام العادل والشامل وإقامة دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وينتهى هذا الصراع العبثى الذى سيظل مشتعلًا ومؤهلًا للانفجار فى أى لحظة حتى لو نجح الوسطاء فى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار.

الاستراتيجية الخطأ

بات الطرفان يراهنان فى الوقت الحالى على فاعلية الحل العسكرى كسبيل وحيد لتحقيق المكتسبات؛ إذ تراهن الحكومة الإسرائيلية على أن استمرار العمليات العسكرية هو السبيل لتحرير المحتجزين الذين اختطفتهم حركة حماس فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، فيما تراهن حركة حماس على أن استمرار العمليات العسكرية وإطلاق الصواريخ أو احتجاز المزيد من الجنود الإسرائيليين سيمثل ضغطًا إضافيًا على إسرائيل سيدفعها إلى وقف الحرب. 

والمؤكد أن كلا الرهانين لا يستند إلى الحقائق الميدانية والسياسية الحالية التى يؤكد جميعها أن تحرير المحتجزين الإسرائيليين والتوصل إلى وقف لإطلاق النار وعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم لن يتحقق سوى بالمفاوضات التى يقدم فيها كلا الطرفين تنازلات تفضى إلى التوصل إلى اتفاق مرض لجميع الأطراف.

وتصطدم استراتيجية الحكومة اليمنية فى إسرائيل مع رؤى وتصورات المعارضة وجزء من الداخل الإسرائيلى وحتى تصطدم بالرؤى والقناعات الأخيرة للجانب الأمريكى، من أن إسرائيل التى عجزت خلال ٩ أشهر من هذه الحرب على تحرير الأسرى والمحتجزين، ولم تنجح فى القضاء على حماس بشكل كامل، ومن ثم لن تستطيع تحقيق هذه الأهداف وتحديدًا تحرير الأسرى سوى بالمفاوضات وقبول الطرح المقدم لصفقة تبادل الأسرى وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار.

ثم إن استراتيجية حماس التى تتلخص الآن فى إظهار القدرة على البقاء والمقاومة لأشهر مقبلة، تصطدم برغبات أكثر من ٢ مليون فلسطينى يأملون بالفعل فى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية وعودة حياتهم لطبيعتها وأن تهيأ الأجواء لإعادة إعمار القطاع الذى دمر بالكامل وتحول كل مناطقه إلى مناطق خيام ونزوح. 

وأيضًا تصطدم استراتيجية حماس مع رغبات معظم مكونات الشعب الفلسطينى ممن يأملون أن تنهى هذه الحرب الانقسام الفلسطينى، وأن يتم توحيد الضفة الغربية وغزة تحت قيادة فلسطينية واحدة تستكمل النضال الفلسطينى لإقامة الدولة المستقلة، خاصة أن كل الأطراف الدولية والإقليمية أيقنت أن هذا الصراع لا يستقيم أن يستمر هكذا دون إحياء عملية السلام.

أعلنت حركة حماس عن ترحيبها بقرار مجلس الأمن رقم ٢٧٣٥، لكنها فى معرض ردها على الخطة الأمريكية، قدمت مجموعة من المطالب التى رأى الأمريكيون والإسرائيليون أن من شأنها إحداث تغييرات كبيرة فى الخطة الأصلية، وهو ما يواجه بحملة شرسة من جانب المسئولين الأمريكيين، ومن الواضح فى الوقت الحالى أن الحركة بدأت تفقد الدعم السياسى والغطاء الشعبى الدولى مع اتهامها بالمماطلة لعدم موافقتها على الاتفاقية التى أصبحت تحظى بقبول دولى واسع، تمثل فى إقرارها فى مجلس الأمن بموافقة ١٤ عضوًا من أعضاء المجلس وامتناع روسيا عن التصويت.

يمثل نجاح إسرائيل فى استعادة أربعة من المحتجزين لدى حركة حماس والاحتفاء الداخلى الكبير بهذه الخطوة، مع استمرار عملياتها العسكرية فى مناطق متفرقة من قطاع غزة، بما فى ذلك مدينة رفح، تخفيفًا كبيرًا للضغوط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل يمنحه المزيد من الثقة داخليًا، الأمر الذى ظهر فى تزايد نسب تأييده وحزبه فى استطلاعات الرأى الأخيرة على حساب رئيس معسكر الدولة وعضو مجلس الحرب السابق بينى جانتس. ولذلك لم يتأثر نتنياهو وحكومته باستقالة جانتس وكذلك غادى آيزنكوت من مجلس الحرب، بفعل بدء عودة مؤشرات الثقة فى قيادته، فضلًا عن تماسك ائتلافه الحكومى الذى يمثله ٦٤ نائبًا فى الكنيست أحبطوا محاولات المعارضة لحجب الثقة عن الحكومة، كما نجح نتنياهو فى الحصول على تأييد الكنيست على مشروع تجنيد الحريديم بواقع ٦٣ صوتًا.

المشهد التفاوضى الحالى

تفجير المبادرة المصرية

وقد مثّلت هذه الصيغة مستوى متقدمًا للغاية للتفاوض وكان يحظى بالحد الأدنى من القبول لدى كلا الطرفين، إلا أنه فى الوقت الذى تبذل مصر فيه كل هذه الجهود للوصول إلى حل وسطى بين الأطراف، قامت حماس بقصف معبر كرم أبوسالم يوم ١ مايو ٢٠٢٤ والذى استفز إسرائيل وأعطى لها المبرر لاجتياح ودخول مدينة رفح الفلسطينية فى مايو ٢٠٢٤، وقد كانت هذه التحركات من الطرفين هدفها الأساسى هو مخاطبة الرأى العام الداخلى لكل من الجانبين.

بناء على هذا الموقف فى الداخل الإسرائيلى من الواضح أن الجيش الإسرائيلى سوف يواصل عملياته بقوة فى قطاع غزة، خاصة فى مدينة رفح جنوب غزة وعدة مناطق فى وسط غزة، مع احتمالية تنفيذ عمليات على غرار عملية النصيرات لاستعادة المزيد من المحتجزين واستغلال الضغوط الدولية على حركة حماس، وقناعته بأن الحركة لن توافق على مقترح بايدن بصورته الأساسية، لأنه لا يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، للمضى قدمًا فى هذه العمليات دون أن تكون هناك ضغوط دولية على إسرائيل.

تتجاهل حاليًا حركة حماس حجم التغيرات التى بدأت تطرأ على الموقف الدولى بعد مبادرة بايدن، وبعد إحكام سيطرة إسرائيل على كامل القطاع، وبدا فعليًا أنها لا تعى خطورة هذا الأمر على مستقبلها كحركة كانت تتحكم لأكثر من ١٧ عامًا فى كل مجريات الحياة داخل قطاع غزة، ولا تدرك أن الحل الوحيد لضمان البقاء لن يكون سوى بعودتها للمنظومة الفلسطينية الجامعة، وتنهى حالة الانقسام الموجودة وتتوقف عن التحدث باسم كل مكونات الشعب الفلسطينى.