رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإذاعية الكبيرة إيناس جوهر: الراديو لم يفقد بريقه.. ولا أحب كاميرا التليفزيون

إيناس جوهر
إيناس جوهر




واحدة من أهم مَن عملوا فى الإذاعة المصرية، حتى لا تجد أى قائمة تضم أسماءً لمذيعى ومذيعات الراديو طوال تاريخه تخلو من اسمها. لمَ لا؟ وقد ارتبط الجمهور بصوتها، خلال فترة السبعينيات والثمانينيات وحتى يومنا هذا، ليس فى الراديو فحسب، بل فى العديد من الأعمال الفنية عبر أثير الإذاعة، وكذلك عدد من الإعلانات التى علقت فى أذهان الجمهور خلال فترة الثمانينيات؟.
إنها الإعلامية الكبيرة إيناس جوهر، رائدة الإذاعة المصرية، التى عُينت فى الإذاعة المصرية عام ١٩٦٩، كمذيعة وقارئة نشرة فى «البرنامج العام»، ثم مذيعة وقارئة لنشرة الأخبار ومقدمة للبرامج فى إذاعة «الشرق الأوسط»، وصولًا إلى تقلدها رئاسة المحطة، خلال الفترة من ٢٠٠٠ لـ٢٠٠٥، ثم رئاسة الإذاعة فى ١٩ مارس ٢٠٠٥.
«الدستور» استضافت الإذاعية المخضرمة فى ندوة، كشفت خلالها عن العديد من كواليس وأسرار مشوارها الإعلامى، وأهم المشاهير الذين حاورتهم ومواقفهم معها، إلى جانب تجربتها مع التمثيل والتعليق الصوتى على الإعلانات، وكذلك فى إذاعة بيانات حرب أكتوبر ٧٣، ورأيها فى أوضاع الإعلام عامة والإذعة على وجه التحديد.




دخلت اختبارات الإذاعة مُجبرة.. واشتهرتُ بقراءة أخبار الوفيات
بدأت الإعلامية الكبيرة إيناس جوهر حديثها باسترجاع ذكرياتها مع بدايات عملها فى الإعلام، كاشفة عن أنها لم تفكر يومًا فى دخول هذا المجال، وبدأت حياتها المهنية فى العمل كسكرتيرة لشقيقها فى دولة ليبيا الشقيقة.
وقالت الرائدة الإذاعية: «بعد تخرجى فى كلية الآداب قسم عبرى توجهت للعيش مع شقيقى فى ليبيا، وعملت هناك كسكرتيرة له لفترة اقتربت من ٦ أشهر، حتى فوجئت بأن والدى قدم لى فى اختبارات الإذاعة، فعدت إلى مصر مجبورة لخوض هذه الاختبارات، فلم أكن أرغب فى العودة أو العمل فى الإذاعة».
وأضافت: «نجحت فى اجتياز اختبارات الإذاعة بالفعل، رغم رهبتى فى البداية من لجنة الاختبار، نظرًا لأنها مكونة من كبار الإعلاميين، ومنهم بابا شارو وصفية المهندس وعبدالحميد الحديدى والدكتور على الراعى».
وأشارت إلى أنها لم تحاول تنمية قدراتها قبل هذه الاختبارات، لأن التحاقها بالعمل فى الإذاعة من عدمه لم يكن فى قائمة رغباتها، متابعة: «رغم أن مخارج ألفاظى لم تكن سليمة، ولم أكن أنطق اللغة العربية بالشكل الأمثل بسبب دراستى وتخصصى فى العبرية، شجعتنى الإعلامية الراحلة أميمة عبدالعزيز، وتولت تدريبى ورعايتى فى الإذاعة».
بداية العمل الإذاعى للسيدة إيناس جوهر كانت كقارئة نشرة فى إذاعة «البرنامج العام»، حتى وجدت الإذاعية بديعة رفاعى، كبير المذيعين فى المحطة، تعترض على أسلوبها، قائلة لها: «أنتِ لا تجيدين التحدث على الهواء، وتتحدثين مثل مذيعى إذاعة بيروت».
ولأنها طوال مشوارها موعودة بالأساتذة، التقت الإذاعى الكبير طاهر أبوزيد، الذى نقلها للعمل فى محطة «الشرق الأوسط»، بعد قرابة ٦ أشهر فى «البرنامج العام»، وهناك بدأت العمل بتقديم موجز الأخبار، وتدربت لمدة سنة كاملة مع الإذاعية أميمة عبدالعزير على قراءة وحفظ القرآن الكريم، ومن خلاله تعلمت أصول اللغة العربية.
وتذكرت هذه الفترة قائلة: «بداية عملى فى (الشرق الأوسط) كانت صعبة جدًا، لأنى وقتها كنت ما زلت شابة، ولم أكن أشبه المذيعين الموجودين فى المحطة العريقة، لذا تعرضت لعدد من الانتقادات، لكنها لم تؤثر فىّ سلبًا واستفدت منها كثيرًا، خاصة أنها جاءت من أساتذة كبار».
وقالت ضاحكة إنها اشتهرت هذه الفترة بقراءة أخبار وفاة المشاهير، حتى إن كثيرًا من العاملين فى المحطة كانوا يقولون: «عند وفاة أى شخص هاتوا الجرايد والتُربى وإيناس جوهر».
ومن محطة قراءة النشرة انتقلت رحلة إيناس جوهر فى الإذاعة إلى تقديم البرامج، وأولها برنامج «عالم الصباح»، الذى اعتبرته نقلة كبيرة لمذيعى «الشرق الأوسط»، لأنه كان بداية لانطلاق «الفترات المفتوحة» عبر أثير المحطة وغيرها من الإذاعات الأخرى.
انتقلت الإذاعية الكبيرة بعدها إلى محطة أخرى اعتبرتها نقلة جديدة فى مشوارها المهنى، هى «الجنكليس»، وهو أسلوب جديد نقلته الإعلامية سناء منصور من راديو «مونت كارلو»، ويقصد به الفقرة التى تربط بين برنامجين للتنويه عن برنامج قادم، أو الإشارة إلى ضيف بأحد البرامج المهمة، أو تقديم مجموعة من الأغانى.
بعدها أبدت الإذاعية الكبيرة رغبتها وعدد من زملائها فى التمثيل، وكان الفنان الكبير حمدى غيث هو نقيب الممثلين آنذاك، وبالفعل خاضت وزملاؤها اختبارات فى النقابة، وداخل لجنة «الدراما» بالإذاعة، واجتازتها جميعًا، وحصلت من خلالها على كارنيه نقابة المهن التمثيلية، وقدمت عددًا من السهرات الإذاعية بالفعل، منها «قصة فيلم: حكاية نص الليل».
وقالت إيناس جوهر إنها لم ترد الاستمرار فى التمثيل، نظرًا لشغفها الكبير بمهنتها الإذاعية، لذا بعدما أفرغت كل طاقاتها التمثيلية فى مجموعة من السهرات الإذاعية، عادت لمهنتها الأولى وهى الإذاعة.
وتذكرت أيضًا عملها فى الإعلانات على شاشة التليفزيون، معتبرة إياها من أهم محطات حياتها، لأن هذه الإعلانات جعلت صوتها مميزًا جدًا بين الجمهور، خاصة أنها جاءت فى فترة ازدهرت فيها الإعلانات وأصبحت صناعة متكاملة.
وأضافت: «الفضل يرجع إلى الأستاذ محمد علوان، المسئول عن قطاع الإعلانات فى ماسبيرو آنذاك، الذى كان يختار الصوت الذى يليق على الإعلان والسلعة المقدمة من خلاله، ودائمًا ما كنتُ اختياره الأول، حتى إنه قال عنى: (هى الصوت الوحيد الذى يليق على كل الإعلانات)».
وواصلت: «كنت أستمتع بتقديم الصوت الإعلانى لأى سلعة، وهذا العمل لم يكن مرهقًا، واحتاج منى إلى التحكم فى تون الصوت، والأصل هو أن يكون المؤدى محبًا للسلعة التى يعلن عنها».

هند رستم اشترطت «طبق فتة» لاستكمال حوارها معى عبر «الشرق الأوسط»

تشعر الإذاعية الكبيرة بسعادة بالغة بكل الشخصيات التى حاورتها، خلال عملها فى برامج المنوعات عبر أثير «الشرق الأوسط»، ومنهم عبدالرحمن الأبنودى وصلاح جاهين وعمار الشريعى وهند رستم ومحمد عبدالوهاب ويوسف شاهين.
وقالت إيناس جوهر إن هند رستم من الشخصيات التى تعشقها كثيرًا، وتحب جدًا صوتها وطريقتها فى الكلام وحكاياتها، كما أنها كانت تتسم بخفة الدم، وتذكرت أنها كانت أحد ضيوف برنامجها الذى يذاع وقت الإفطار فى رمضان، فاشترطت عليهم إعداد «طبق فتة مخصوص» مقابل خروجها على الهواء، وهو ما استجابوا له بالفعل.
وأشارت إلى أن المخرج الكبير يوسف شاهين كان غاضبًا بشدة من ترك ماجدة الرومى التمثيل بسبب زواجها، قائلًا: «أنا مش عارف هى هتعتزل ليه؟ فى حد يسيب التمثيل علشان يتجوز؟ فيه حد يتجوز واحد اسمه أنطوان؟ فى حد يسيب الفن علشان أنطوان؟!».
وعن علاقتها بالموسيقار عمار الشريعى تحديدًا، قالت إيناس جوهر: «أنا وعمار عِشرة عمر طويلة، فقد كنا أصدقاء من أيام الجامعة، وجيران حى واحد هو مصر الجديدة، وجمعتنا علاقة صداقة كبيرة قبل أن أعمل بالإذاعة، ويحترف هو التلحين».
وأضافت: «بعد عملى فى الإذاعة واحترافه التلحين، استضفته فى العديد من السهرات الفنية، وكنت دائمًا ما أحضر كواليس أغانيه المختلفة، وتعلمت من ذلك فنون السمع والموسيقى، ما أثر كثيرًا فى شخصيتى وطريقة سماعى للأغانى».
وعن الشخصيات التى لم تستطع عقد حوار أو لقاء معها، قالت إيناس جوهر إن الفنانة الكبيرة الراحلة فاتن حمامة من هذه الشخصيات، فقد حاولت معها كثيرًا، لكنها كانت ترفض، لأنها لا تحب اللقاءات الإعلامية.
أما الشخصيات التى تتطلع إلى محاورتها، يأتى على رأسها النجم كريم عبدالعزيز، معتبرة أن لديه كثيرًا لم يظهره فى اللقاءات الإعلامية القليلة التى أُجريت معه، ومنها لقاؤه مع صديقتها الفنانة إسعاد يونس فى برنامج «صاحبة السعادة».
واسترجعت الإذاعية الكبيرة ذكرياتها مع إذاعة البيانات العسكرية أثناء حرب أكتوبر، واصفة هذه الأيام بأنها من أعظم أيام حياتها، خاصة أنها والإعلامية درية شرف الدين كانتا الوحيدتين من المذيعات مسئولتين عن إذاعة هذه البيانات.
وكشفت عن أن عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام آنذاك، هو من اختارها و«درية» لإلقاء بيانات أكتوبر، مرجعًا ذلك إلى صوتيهما، قائلًا إن درية شرف الدين صوتها هادئ وراسٍ وبه ثقة كبيرة فى النفس، أما صوت «إيناس» فمن الأصوات «الفرفوشة»، ما يدل على النشوة والانتصار.
وأضافت: «تملكنا شعور لا يوصف وقت إذاعة هذه البيانات، من جمال لحظة العبور والانتصار، وما زلت أتذكر هذه الأيام، داخل استديوهات الدور السابع، التى كانت تشهد تسجيل مسلسل (أرجوك لا تفهمنى بسرعة)، مع كل من عادل إمام وعبدالحليم حافظ ونجلاء فتحى، وتحول الاستديو إلى شعلة من الأغانى الوطنية الخاصة بالحرب».


لم أتأثر بتغير العهود والوزراء لأنى «شغالة عند مصر»
انتقلت الإذاعية إيناس جوهر للحديث عن وزراء الإعلام الذين عاصرتهم أثناء عملها، قائلة إنه: «على الرغم من مرورى فى عملى بعهود كثيرة ووزراء إعلام مختلفين، واختلاف وجهات النظر فى هذه العهود، لم أتأثر نهائيًا، لأنى باعمل عند مصر».
وأضافت: «القيادات الكبيرة أيام الوزير محمد فايق كانوا علامات فى أماكنهم، وهم مَن بنوا الراديو على أكتافهم ووضعوا قواعد الإعلام المصرى، أما عصر الوزير عبدالقادر حاتم فهو عصر المحبة والعطاء والحنان والنصر».
واعتبرت أن عصر صفوت الشريف مَثل إضافة كبيرة لتاريخها الإعلامى، لأنه كان رجلًا مبتكرًا وقياديًا يهتم بأدق التفاصيل، وصولًا إلى عصر أنس الفقى، الذى وصفته بأنه كان عصر التطوير والتجديد، بعدما شهد إدخال العديد من الثقافات والبرامج المختلفة إلى الراديو والتليفزيون، إلى جانب تقديم حملات قومية وإنشاء إذاعات تفاعلية وخاصة.
ورأت أن مهنة «الإذاعى» و«الإعلامى» أصبحت مِهنة «كل من هب ودب»، معتبرة أن ما ميز الجيل القديم عن الحالى هو التدريب الصحيح على المهنة وتحمل المسئولية والمهنية، لكن فى الوقت الحاضر لا يوجد تدريب لأى إذاعى أو إعلامى.
وشددت على أن الثقافة شىء مهم جدًا للجيل الحالى، وينبغى أن يعمل الممتهنون بالإعلام على تثقيف أنفسهم تحت أى ظرف ومع أى تطوير، فعصر التكنولوجيا والسرعة الذى نعيشه لا ينبغى أن يمنع الجيل الحالى من تثقيف نفسه وصقل مهاراته.
ورأت أن أخطر ما يعيب الجيل الحالى من الإذاعيين هو التسرع فى الحصول على المعلومة، وافتقارهم للثقافة والتعلم والتدريب على أصول المهنة والحيادية، مشددة على ضرورة وجود تنوع وتطور وإبداع فيما يُقدَم عبر ميكروفون الإذاعة وشاشة التليفزيون، لأن المحتوى الحالى يعيبه التشابه وكثرة الإعلانات التى أفسدت ما يقدَم على الشاشة وعبر أثير المحطات الإذاعية.
ونبهت إلى أن اختيار أى إذاعى أو إعلامى لا بد أن يكون محكومًا بعدة معايير، على رأسها خضوعه لاختبارات، ووجود لجنة مذيعين لتقييم الأصوات الجديدة، وتلقيهم تدريبًا لمدة لا تقل عن ٦ أشهر، من أجل تعلم أصول المهنة.
وعمن تستمع إليهم من الجيل الجديد، قالت الإذاعية الكبيرة: «أعشق الاستماع لكل من خالد عليش وأحمد الشناوى وسالى عبدالسلام وبسنت بكر وزهرة رامى وخلود نادر وشيرين الخطيب وشيرين عبدالخالق».
ورفضت القول إن الراديو قد فقد بريقه، معتبرة أن الإذاعة لا تزال صاحبة رونق خاص، وتستطيع سماعها فى أى مكان، كما أنها تشهد تطورًا يناسب العصر الحالى، من خلال ما يعرف بـ«راديو الإنترنت»، الذى اعتبرته بمثابة مستقبل المهنة. وعن رأيها فى الأوضاع الحالية لـ«ماسبيرو»، قالت الإذاعية الكبيرة: «أبناء ماسبيرو يعملون وهم مقهورون، ولا يحصلون على علاوات أو رواتب تليق بهذا المكان الذى أفرز العديد من الكوادر الكبيرة».
ونفت ما تردد حول إبعادها عن شاشة التليفزيون، قائلة: «لى العديد من التجارب على الشاشة، ولمدة ٤ سنوات كاملة كنت قارئة للنشرة، لكنى لا أحب كاميرا التليفزيون، نظرًا لحبى الظهور بطبيعتى وتلقائيتى، بينما تتطلب شاشة التليفزيون الظهور بشكل وملابس معينة، لذا حينما خيرونى بين الاستمرار على الشاشة أو العودة إلى ميكروفون الإذاعة، اخترت الإذاعة، ولم أندم على أى قرار اتخذته».