رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل ينتحر أردوغان فى ليبيا؟!



مواقع رصد حركة الطيران رصدت، أمس الجمعة، هبوط طائرتى شحن عسكريتين تركيتين فى قاعدة «الوطية» غربى ليبيا، قبل مرور ٢٤ ساعة من احتفال الليبيين باستقلال بلادهم من الاحتلال التركى، وبعد ثلاثة أيام من مصادقة البرلمان التركى على تمديد المهمة العسكرية للقوات التركية فى ليبيا، لمدة ١٨ شهرًا، تبدأ فى ٢ يناير المقبل، وهى المدة المحددة للحكومة الانتقالية، التى ستقود البلاد حتى إجراء انتخابات!
تلك هى الرحلة رقم ٣٧ من رحلات الشحن العسكرى التركية، التى تخالف اتفاق وقف إطلاق النار، الذى توصلت إليه الأطراف الليبية فى ٢٣ أكتوبر الماضى، وتنتهك قرارات مؤتمر برلين الذى انعقد فى يناير الماضى، وبصقًا على قرارات وبيانات مجلس الأمن التى صدر أولها منذ نحو عشر سنوات، وكان أحدثها ذلك البيان الذى صدر بإجماع أعضاء المجلس الـ١٥، منتصف الشهر الجارى، الذى دعا فيه كل المرتزقة والمقاتلين الأجانب إلى مغادرة الأراضى الليبية. وشدد على أهمية أن تكون هناك آلية لمراقبة وقف إطلاق النار.
مع ذلك، لم تتوقف تركيا عن دعم الإرهابيين وميليشيات ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق» بالعتاد والسلاح والمرتزقة لمواجهة الجيش الوطنى الليبى. وتقول أقل التقديرات إنها نقلت بين ٣٠ و٤٠ ألف مرتزق، نصفهم يحملون الجنسية السورية والنصف الآخر من جنسيات مختلفة. وبينما لا تقر ستيفانى ويليامز، مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة، إلا بوجود ٢٠ ألفًا فقط، كشف عبدالرحمن بلجيتش، رئيس لجنة السياسات الخارجية بحزب «الديمقراطية والتقدم» التركى، عن أن هناك شركات تركية تدفع أجورًا شهرية لآلاف المسلحين من تشاد ونيجيريا.
تعويضًا لرهاناته الخارجية الخاسرة، وفى محاولة لتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية، التى عجز ويعجز وسيعجز عن حلها، يصر الرئيس التركى على ترسيخ احتلاله لليبيا، ويحاول، عبر قواته وميليشياته الإرهابية، الوصول إلى منابع النفط والغاز، وقطعًا لن تتوقف تلك المحاولات أو باقى خطوات مخطط أردوغان التوسعى، إلا لو رأى ذلك المحتل، أو المختل، عيونًا أو خطوطًا حمراء، تجبره على التراجع.
مع عدم وجود خطوط أو عيون حمراء غربية أو أممية، حدثت كل الانتهاكات التركية والقطرية، تحت سمع وبصر الأردنى عبدالإله الخطيب، البريطانى إيان مارتين، اللبنانى طارق مترى، الإسبانى برنارد ليون، الألمانى مارتن كوبلر، واللبنانى غسان سلامة. وكل هؤلاء لم يتعاملوا بالحياد اللازم، الذى يقتضيه عملهم كمبعوثين أممين، وكان من المفترض أن يكون ثامنهم هو البلغارى نيكولاى مالادينوف، لكنه آثر السلامة واعتذر لأسباب شخصية وعائلية. وقيل إن الأمريكيين والبريطانيين وافقوا عليه فى العلن وضغطوا عليه فى الكواليس للاعتذار، ولأسباب يمكنك استنتاجها، قرر مجلس الأمن، فى سبتمبر الماضى، تعيين ممثل خاص لتنفيذ العملية السياسية والمفاوضات مع منسق منفصل للقيام بالأنشطة اليومية للبعثة!
هناك تقارير بلا عدد، عن الدور المشبوه الذى لعبه مبعوثو الأمم المتحدة فى تغذية الحروب وإطالة أمد الصراعات فى ليبيا، سوريا واليمن، عبر دعمهم الإرهابيين، ومشاركتهم فى قتل الشعوب ونهب ثرواتها. وعليه، لم تحقق كل التحركات، أو الحركات، الأممية، أى نتائج على الأرض. فى وجود مقامرين، متبجحين، لا تعنيهم مقدرات ليبيا وشعبها، بقدر ما يعنيهم اقتناص ما تطاله أيديهم من ثرواتها، مطمئنين إلى أن رادار المجتمع الدولى لن يتلقط جرائمهم، وأن الأمم المتحدة ستتعامى عن انتهاكاتهم قراراتها والقانون الدولى، ولأى اتفاقات تم أو سيتم توقيعها.
هكذا، كان طبيعيًا أن تهبط طائرتا الشحن العسكريتان التركيتان، الجمعة، وأن يعلن اللواء أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، الأربعاء الماضى، عن رصد حشد كبير من الميليشيات وآلاف المرتزقة والمقاتلين الأجانب، استعدادًا للهجوم على سرت والجفرة أو «الخط الأحمر». وكان طبيعيًا، أيضًا، أن يؤكد المشير خليفة حفتر، خلال الاحتفال بالذكرى التاسعة والستين لاستقلال بلاده، من الاحتلال الإيطالى، أن المواجهة العسكرية مع الأتراك، باتت قريبة، وأن يدعو الليبيين، أفرادًا وجماعات وعسكريين، إلى التكاتف لتحقيق هدف واحد، هو طرد المحتل التركى من الأراضى الليبية.
مستعدون، طبعًا، لكل الاحتمالات، لأن أمن واستقرار ليبيا، كما لعلك تعرف، يشكلان جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، ومع جاهزيتها العالية، بات لدى قواتنا المسلحة، رخصة دستورية وقانونية، لمواجهة أى تهديدات، منذ وافق مجلس النواب، فى ٢٠ يوليو الماضى، على إرسال عناصر من قواتنا المسلحة خارج الحدود، دفاعًا عن أمننا القومى فى الاتجاه الاستراتيجى الغربى، وأضف إلى ذلك أن اتفاق جنيف نصّ على إخلاء الخط الأحمر، الذى رسمته مصر، من المجموعات المسلحة، وعلى إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضى الليبية، برًا وبحرًا وجوًا، فى مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاق، أى فى ٢٣ يناير المقبل.
باختصار، لو قرر أردوغان الانتحار فى ليبيا، سيجد من ينحره.