رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عبدالعزيز يكتب.. ألا فلـتحجـوا

محمد عبدالعزيز
محمد عبدالعزيز

فى مثل هذه الأيام من كل عام تتلهف القلوب لحج بيت الله الحرام، وتلهج الألسنة بالدعاء للخالق، عز وجل، أن يمنّ على الداعين بزيارة بيته الحرام والوقوف بالمشاعر المقدسة.. وهناك مسلمون اعتادوا ويسّر الله لهم القيام بالمناسك بصورة شبه سنوية منذ عقود، ولكن منعتهم هذا العام تلك الإجراءات الاحترازية التى اضطرت إليها المملكة العربية السعودية ضمانًا لسلامة الجميع.. وهذه الخطوة لم تكن بدعًا من العمل أتت به السلطات السعودية، ولكنها جاءت اتساقًا مع المبدأ الإسلامى القائل بحفظ النفس، والذى هو واحد من أهم مقاصد الشريعة المتمثلة فى: حفظ الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل.
ويذكر التاريخ عدة مناسبات لم تتم فيها الشعائر، سواء بالإلغاء التام أو بتخفيض أعداد الحجاج، رصدها أحد المؤرخين بأنها بلغت نحو عشرين مرة، وفسّر هذا بأسباب مختلفة؛ إما بسبب الأوبئة أو الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية.. من بين تلك المرات حين ضرب الحجاج بن يوسف الثقفى الكعبة بالمنجنيق لملاحقة عبدالله بن الزبير، الذى احتمى بالبيت العتيق حين أعلن نفسه خليفة على المسلمين متمردًا على حكم الخليفة الأموى عبدالملك بن مروان.. وكذلك حين هجم القرامطة على الكعبة فى سنة 930م، ومنعوا إقامة المناسك لعدة مواسم بلغت العشر سنين.. كما عطلت الأوبئة إقامة الشعائر لعدة سنوات خاصة فى القرن التاسع عشر.
ورغم بلوغ عدد الحجيج فى موسم العام الماضى ما يقارب نحو المليونين ونصف المليون مسلم، إلا أن حجاج هذا العام لم يتجاوز عددهم العشرة آلاف حاج، معظمهم من المقيمين بالمملكة، بينما بلغ عدد الحجيج السعوديين ثلث هذا العدد الإجمالى المقرر، كانت غالبيتهم من الأطقم الطبية والأمنية المتعافين من فيروس «كوفيد- 19»، على أن يؤدى الحجيج المناسك هذا العام فى ظل إجراءات احترازية صارمة تمنعهم من لمس الكعبة والحجر الأسود وقاية لزوار بيت الله الحرام من احتمالات الإصابة بفيروس «كورونا» القاتل.
كانت هناك بالطبع أفئدة كثيرة تهفو لأداء المناسك هذا العام، منعتهم تلك الإجراءات الاحترازية والوقائية، وأكاد أتفهم مدى شوق عجوز تقدم به العمر وعقد النية على أن يلبى ويطوف ليرجع وقد غسل من ذنوبه كيوم ولدته أمه، أو امرأة ظلت تدّخر جنيهًا فوق آخر على أمل تدبير نفقات أداء الفريضة الخامسة، أو شاب عزم على أداء الفريضة عن عزيز له رحل قبل أن يحج إلى البيت العتيق، أو زوجين جديدين كان حلمهما أن تكون أول رحلة خارجية لهما معًا إلى الكعبة المشرفة.. كل تلك الأحلام عطلتها هذا العام تلك الإجراءات الاحترازية التى اتخذت حفاظًا على صحة الناس ووقايتهم.. ولكل هؤلاء أود أن أورد هنا نص حديث رواه الإمام البخارى عن أنس بن مالك، عن رسول الله، أنه، صلى الله عليه وسلم، حين رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا، إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.
ورغم حزن قلوب هؤلاء وأولئك إلا أن الأجر والثواب إن شاء الله سيبلغ كل الذين عوضوا حرمانهم من زيارة البيت الحرام هذا العام فبذلوا من فضل الله على عباده المعوزين، بأن ساهموا فى علاج مريض لا يجد المال الذى يوفر به الدواء كى يعالج داءه، أو مواساة متعفف تضرر من بطالة فرضتها عليه الجائحة، أو المساهمة فى تزويج شاب كادت تؤجل فرحته وعروسه بعض آلاف من الجنيهات لا يملكانها.. وفى هذا الصدد أتذكر تلك الكلمات الرائعة التى قالها أحدهم موجهًا النصح لمعتادى الحج كل عام وهم فى غفلة عن مساعدة فقير أو مواساة معوز، فنصحهم الرجل الصالح بقوله: «طوفوا حول ديار لفقراء فبين أزقتهم حتمًا ستجدون الله عند كل فقير».
ما أجمل أن نستبدل خيرًا حرمناه هذا العام بخير هو فى أيادينا دائمًا، وعلى بُعد خطوات من كل واحد فينا.. فكم حولنا من فقراء من ذوى أرحام نسيناهم، وكم بيننا من بيوت أيتام حرموا خيرًا اعتادوه فى مثل هذه الأيام بعد أن فقدوا العائل الرحيم، وكم من ضعيف لا يجد ناصرًا ولا معينًا على قضاء أبسط الضرورات التى تقيم أوده، وكم من محتاج منعته عفة نفسه من أن يمد يده طالبًا المساعدة التى يجد بها ما يُدخل السرور على قلب من يعولهم.. وجزى الله خيرًا من كتب يومًا يقول: حجوا إلى بيوت الفقراء، وطوفوا بأبواب اليتامى، ولبّوا صرخات المحتاجين، واسعوا فى حاجة الضعفاء، وارجموا الفقر على عتبات المساكين، واطلبوا من الكريم أجر سبعين حجة.. ووالله لا أراه يحرمكم من الأجر الذى به تحلمون.. وكل عام وأنتم فى معية ربكم، وفى عون فقيركم.